وسط طفرة اقتصادية غير مسبوقة بحجمها وتنوع نشاطاتها، عاد التجار يرددون المقولة الشهيرة: من لم يربح في هذه الطفرة فلن يربح طوال حياته، وبالفعل فجميع الفعاليات الاقتصادية ليس في المملكة وحدها، بل في جميع دول الخليج، تشارك بحماسة منقطعة النظير، وجميعها تغتنم الفرص، لكن بعد اعلان البنوك السعودية نتائجها المالية عن الربع الأول من هذا العام اكتشفنا عملاقاً نائماً. كانت صدمة لكثير من المحللين الاقتصاديين والمصرفيين الخليجيين مقارنة نتائج البنوك السعودية في الربع الأول من 2008 مع نتائج البنوك العاملة في دول الخليج العربي، بل إن بعض البنوك السعودية سجل تراجعات مخيفة للأرباح، وبعضها ما زال أسيراً لتلك العوائد المفقودة لتجارة الأسهم التي أعمت أعين كبار الإداريين عن عمل اي شيء خلال عامين كاملين، غير اقتناص عمولات الوساطة وبناء قلاع تداول ذهبية تديرها جيوش ضخمة. وبزيارة واحدة لتلك"الأطلال"تنكشف لك الحقيقة المرّة في أن صغار المضاربين الذين اندفعوا خلف اسهم"الخشاش"بكل ما يملكون لم يختلفوا كثيراً عن مصارفنا الرصينة. علم إدارة المخاطر الذي خرج للعالم من صالات البنوك ونشرته على قطاع واسع في تعاملاتها مع المستثمرين والمقترضين يصلح ان يكون اليوم الدرس رقم واحد للبنوك السعودية، التي تحولت من معلّم في هذا المجال إلى طالب مستجد. وبينما كان الناس ينتظرون إفاقة مصرفية سعودية من حمَّى الاسهم التي أصابت الجميع بلا استثناء، يفاجأون اليوم بأن البنوك السعودية تحتاج الى أطول من عام، بل ربما الى عامين للتعافي من أرباح كانت قائمة على نشاط كبير اعتمد في الماضي على تنفيذ اوامر"بِعْ واشترِ". من يصدق انه وسط هذا النمو الاقتصادي الكبير وتوافر السيولة العالية والاستثمارات التي تخترق كل المجالات وبأرقام فلكية تسجل البنوك السعودية نمواً لا يزيد على 3 في المئة في أرباحها، في حين تسجل البنوك في الخليج أرقاماً تاريخية، ووفقاً لتقرير مجلة اقتصادية اكتشفنا ان أصغر بنك خليجي سجل 3 أضعاف المتوسط السعودي، بل إن بنكاً في قطر حقق نمواً في أرباحه بنسبة 69 في المئة، وهو مقبل على المزيد، في حين وصلت أرباح بنك في الامارات إلى 60 في المئة. لا أحد يعرف متى تنطلق"الانتعاشة"وتتخلص البنوك من شبح السمسرة، ولا احد يعرف أيضاً متى تصبح ادارة البنوك السعودية تعمل وفق استراتيجية تخطط لنشاط مؤسسة مالية كبيرة وموثوقة ورزينة تهتم بتنويع مصادر إيراداتها وتعمل على تطوير استثماراتها وتحسين خدماتها بطريقة مبتكرة، لاجتذاب المزيد من الأعمال المصرفية مع آلاف الشركات والمؤسسات وملايين الأفراد. [email protected]