كانت قضية العمالة البنغالية في المملكة مقلقة من حيث العدد والوضع القانوني، وقد تحقق للناس ما ارادوا، وها قد صدر قرار المنع الا في مهن بعينها ولمشاريع بعينها، لكنها لن تحجب الحقيقة في أن مشكلات اكبر جنسية من العمالة الوافدة هي عرض واضح لمرض عجزنا عن تشخيصه، وهو تجارة التأشيرات وممارسات الاستقدام الخاطئة حتى لعمالة من جنسيات أخرى غير البنغالية، كالهندية والباكستانية والمصرية. في غمرة تلك الأحداث اعجبني تصدي السفارة البنغلاديشية للمشكلة التي قد تسفر عن نتائج تضر بمصالح بلادها ومصالح مواطنيها، وقد رأينا كيف تصرّف"القناصلة"كل في ما يخصه، فقد تحدثوا الى الإعلام وحاولوا شرح وجهات نظرهم واجتمعوا بالرعايا واصدروا البيانات، بل وعقدوا لقاءات مباشرة مع الصحف في مقارها، كل هذا يحدث لأن مسؤولي السفارة استشعروا الواجب والهدف الذي قدموا من أجله، وعملوا ما يستطيعون لدرء الشرور وزيادة المنفعة، وهو الدور الرئيسي للسفراء والقناصل والمبعوثين والقائمين بالأعمال والملاحق، وقد اكتشفنا انه يختلف عما يقوم به"اخواننا"الذي يمارسون الدور بكل ديبلوماسية واناقة في سفاراتهم حتى في أحلك الظروف، والتجربة خير برهان. بالأمس ايضاً سمعنا تصريحات للسفير البنغلاديشي لدى المملكة عن اغلاق موقع على شبكة الإنترنت اعتاد بث اخبار وصفها السفير بأنها كاذبة وغير دقيقة وتسيء الى البنغلاديشيين الذين يعملون في السعودية، وفي البيان اشارة الى ان السفارة تقدمت مرات عدة للسلطات المسؤولة في المملكة بشكاوى وعرائض تظلّم الى ان تمكنت من اغلاق الموقع السعودي، وأنا ابعث بنسخة من هذا التصريح للسفارات السعودية في الخارج، وهل سمعتم ان احداً من"إخواننا" قد بذل جهداً موازياً لغرض مشابه في يوم من الأيام؟ ليتنا نقتدي ببنغلاديش في الواجب والدور وتحمل المسؤولية، وأن المهمة الديبلوماسية ليست سياحية بل هي جهد وعرق وتضحية، وربما اقتدينا بالفيليبين التي اتاحت الفرصة لمواطنيها في المملكة بمحاكمة القنصل الفيليبيني في جدة في بلادهم، والقصة بدأت بلجوء ما يزيد على 117 عاملاً وعاملة لمركز إيواء وترحيل في جدة في ما يذكرون أنه رفض للعمل في ظروف غير مواتية او مخالفة للعقد، او بسبب عدم دفع رواتبهم او معاملة غير انسانية، بينما يفسّر لدينا بأنه هروب او عزوف، المهم ان هؤلاء يشعرون بأنهم اصحاب قضية وتم تهميشهم، وأن القنصلية لم تبذل جهداً لمتابعة حالاتهم، بل وتعاملت معهم كمجرمين لا كأصحاب حق ومظلومين، واليوم تحتل القضية مكاناً فسيحاً يعبّر فيه الجميع عن رأيه ويتاح للرأي العام ان يتخذ موقفاً فيه بناء على معلومات من الطرفين. إنها دروس ليست من دول متقدمة بل من دول صغيرة نملك اضعاف إمكاناتها وثرواتها، ونمتلك مثلها مبادئ في العمل وتحمّل المسؤولية، لكننا قد نختلف عنها في آليات الرقابة ودرجة انتشار ثقافة المحاسبة. [email protected]