توقفت مئات المؤسسات التعليمية في الجزائر عن العمل أمس استجابة لإضراب دعت إليه نقابات مستقلة، في مشهد أعاد إلى الأذهان صور احتجاجات اجتماعية شكلت ضغطاً كبيراً على الحكومة الجزائرية على مدار الأشهر الماضية، في وقت أفرجت الشرطة الجزائرية عن عشرات العاطلين من العمل الذين اعتقلوا قبل وصولهم إلى ساحة الرئاسة في العاصمة للاحتجاج على أوضاعهم. ولم يكد البرلمان الجزائري يشرع بمناقشة الإصلاحات السياسية التي قدمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حتى عادت الاحتجاجات فجأة إلى قطاعات حيوية استعملت الحكومة كثيراً من الوسائل لجعلها في منأى عن «الحراك الاجتماعي». وأعلنت نقابات مستقلة في قطاع التربية أن استجابة الأساتذة وموظفي وعمال القطاع التابعين للنقابة في أول يوم من أيام الاحتجاج بلغ مستويات مشجعة، على رغم محاولة وزارة التربية استباق الحركة الاحتجاجية بإعلانها مساء أول من أمس تخصيص تعويض جديد يقدر بنحو 15 في المئة من الرواتب الرئيسية تحت تسمية «تعويض الدعم المدرسي والمعالجة التربوية» على أن يستفيد منه كل القطاعات بالتربية الوطنية وبأثر رجعي ابتداء من كانون الثاني (يناير) 2008، بالإضافة إلى الكثير من الإجراءات المالية. ومع تصدر إضراب النقابات في قطاع التربية المشهد العام في البلاد، عادت موجة احتجاجات العاطلين من العمل، وحاولت مجموعات منهم أول من أمس التوجه إلى مقر الرئاسة لتنظيم اعتصام، لكن قوات الأمن استبقت الحركة وفرقت المجموعة واعتقلت بعض قياداتها. وتخشى السلطات الجزائرية أن يؤثر صراعها مع المطالب الشعبية على مسيرة «الإصلاحات السياسية» التي يرعاها الرئيس الجزائري، فيما تنقسم الطبقة السياسية بين مرحب بها أو التحفظ عنها. لذلك تبدي السلطات الرسمية مرونة في التعاطي مع مطالب الجزائريين، خشية أن تلتقي تلك الحركات حول شعار سياسي قد يتطور إلى «الشعب يريد إسقاط النظام». واستغلت الحكومة الجزائرية «البحبوحة المالية» في التعاطي مع الاحتجاجات الشعبية، لكن المعارضة ترى في ذلك «شراء للسلم الاجتماعي»، بينما ترى الحكومة أن الانسداد تسبب فيه مسؤولون محليون أعطيت لهم الإمكانات لتنفيذ السياسات وتقديم الخدمات لكنهم فشلوا. وكانت حكومة بوتفليقة عمدت في بداية الاحتجاجات في كانون الثاني الماضي إلى إقرار بعض الخطوات مثل رفع حالة الطوارئ وحزمة إجراءات اجتماعية تقوم على مساعدات مالية للشباب بضمانات شكلية. وتنشغل الحكومة حالياً بالإعداد لقوانين الأحزاب والانتخابات والجمعيات ومشاركة المرأة في المجالس المنتخبة وغيرها، ويعتقد أن الوضع الجديد قد يزيد من إرهاق المسؤولين الجزائريين مع اقتراب موعد إقرار هذه التشريعيات، لتصبح الاحتجاجات ورقة انتخابية بين الأطراف المختلفة.