يدخل إلى مكان عمله عابساً متجهماً، وأثر الهم على وجهه بادٍ، يجلس وراء مكتبه ثم يتنهد بحسرة، تجعل من حوله يتساءل عما يحمله من همّ، ولا يفتأ أحد زملائه في العمل أن يسأله:"ما بك؟". فيجيبه"رفعوا عليّ الإيجار". يطرق الجميع برؤوسهم وكأنه لم يأتِ بجديد. بات شح المساكن وغلاؤها ظاهرة تؤرق السكان في السعودية. والجميع يشتكي ليل نهار من دون فائدة، ومن دون أن يجدوا حلاً. "العازب"هو الخاسر الأكبر في هذا المجال، فهو يقع بين مطرقة غلاء المساكن وشحها، وسندان يتمثل بعبارة"ممنوع سكن العزاب". ما يجبر بعض العزاب على"التمويه"والذهاب بعيداً في صناعة الحيل التي تيسر له إيجاد سكن يؤويه. يقول أحمد باربود وهو موظف انتدبته شركته لدورة تدريبية في جدة، إنه عانى كثيراً للحصول على سكن، فعائلته تسكن في مدينة الدمام، وحاول جاهداً الحصول على سكن يكون قريباً من مقر إقامة دورته التدريبية، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل، فجميع مكاتب العقار وملاك البنايات السكنية رفضوا"سكناه"في حدود ما يملكونه من مساكن، بحجة أنه عازب. الحصار المفروض على باربود من ملاك العقار اضطره إلى جلب عائلته من مدينة الدمام لإيهام صاحب البناية أنه سيسكن مع عائلته، وبعد توقيعه العقد قام بإعادة عائلته إلى مدينة الدمام. أما سالم القرني فكانت حيلته مختلفة، يقول:"توجهت إلى جدة للدراسة بعدما تم قبولي في جامعة الملك عبدالعزيز، وبدأت بالبحث عن شقة للسكن، بعد أن رفضت الجامعة قبوله في السكن الجامعي، لكنني فوجئت بتهمة"العازب"تلاحقني أينما ذهبت سائلاً عن مكان أسكن فيه". ويضيف:"اضطررت بعد أن أقفلت كل الأبواب في وجهي أن استخدم بطاقة العائلة الخاصة بأخي الأكبر لأقدمها إلى مكتب العقار على أساس أني متزوج ولي عائلة". وطالب القرني بعمل ضوابط أو إنشاء بنايات خاصة لسكن العزاب داخل المدينة،"فغالبية البنايات الخاصة بالعزاب تكون في مناطق بعيدة عن المدينة وتفتقر إلى معظم الخدمات الأساسية". ويوضح أحد طلاب الكلية التقنية ويدعى يوسف العلي أن ندرة شقق العزاب سببت له الكثير من المعاناة، إضافة إلى الغلاء الباهظ في أسعار الشقق المفروشة، فهو بحسب قوله يسكن حالياً في غرفة متهاكلة بصحبة بعض أصدقائه في موقع قريب من الكلية بعد أن فشل في الحصول على شقة في موقع مميز.