"خفضوا أصواتكم ياشباب" جملة يرددها محمد مفرح 26 عاماً عندما يزيد عدد ضيوفه على أربعة أشخاص في شقته الصغيرة الواقعة في بناية تقطنها العوائل فقط، باستثنائه هو"المدسوس"بينهم، بعد أن أوهم مالك البناية بأن والدته الطاعنة في السن تسكن معه. يعيش محمد حالاً من الخوف والحذر في أدق تفاصيله الحياتية حتى عندما يطلق ضحكة عالية، سرعان ما يمتص هذه الضحكة إلى داخل أعماقه خوفاً من أن تُسمع من الجيران الباحثين عن مبرر لإخراجه من البناية، بعد أن شعروا بأن عدداً من الشبان يترددون عليه. وعلى رغم أن محمد يبذل جهوداً في إخفاء آثار تلك الجريمة من وجهة نظر جيرانه، بداية بجمع أحذية الضيوف ووضعها داخل الشقة ومطالبته للضيوف بين دقيقة وأخرى بخفض أصواتهم، إضافة إلى خروجهم من الشقة أفراداً، وأخيراً إيقاف سياراتهم، إن وجدت، بعيداً من مواقف سكان وضيوف البناية الآخرين. قصة محمد لها ما يشبهها من القصص الكثيرة بين أوساط الشبان العزاب بعد أن أصبحوا غرباء في مدينتهم، فتقطيب الحاجبين هو الملمح المرسوم على وجوه ملاك البنايات ومكاتب العقار لدى سؤالهم"عن شقة فاضية"، ويرد مالك المكتب بسؤال"عوائل ولاعزاب؟"يجيب الشاب بخوف وحذر"عزاب الله يسلمك"تأتي الإجابة النهائية في جملة مصحوبة بتقطيب الحاجبين"لا لا ما عندنا يالطيب". لكن العزاب ألفوا هذه المعاناة في البحث عن منزل واكتسبوا خبرة في الاحتيال على الملاك في إقناعهم بالموافقة على قبولهم كبقية السكان الآخرين المستحوذين على رضا الملاك. ويقول محمد مفرح" المشكلة أن المجتمع يعاملنا كمجرمين وأصحاب سوابق وهو ما دفعنا للاحتيال"الاحتيال الأبيض"للظفر بشقة في مكان مناسب". ويكمل محمد"خلصنا إلى مقولة إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب". استحواذ العائلات على غالبية البنايات يسير في الاتجاه نفسه مع استحواذ الفئة ذاتها على غالبية المرافق الترفيهية في جدة وفي بقية المناطق السعودية، وهو ما ينذر بمشكلة اجتماعية كبيرة في المستقبل، خصوصاً وأن ما يقرب من 65 في المئة من سكان السعودية من فئة الشبان، وهو ما يظهر أن العدالة الاجتماعية بين شرائح السكان غير واردة حتى الآن.