في مركز عمق على ساحل البحر الأحمر الذي يبعد عن مدينة أبها 200 كيلو متر، تختلف طريقة صيد أبنائها عن أقرانهم في مناطق أخرى، فهم لا يستخدمون سنارة ولا مراكب ولا شبكة الصيد المعروفة. كما يمتازون بصيد نوعية أسماك تسمى"السمك العربي"لا تعيش في مكان آخر على امتداد الساحل، يتميز بلونه الأبيض وطعمه المميز، ويقبل على شرائه آلاف المتنزهين من سكان المرتفعات، بل ويسارعون بحجز أماكن لهم، سواء في السوق الشعبية أو قرب الساحل عند قدوم الصيادين. وأوضح الصياد يحيى محمد الهلالي 70 عاماً أن طريقة الصيادين في صيد السمك العربي لا تعتمد على السنارة أو المراكب أو الشبكة المعروفة بل ينزلون مياهاً لا يزيد عمقها على متر، ثم يراقبون اتجاه الرياح وسرعتها من خلال تأثيرها على سطح الماء، مؤكداً أن هبوبها يعد المؤشر الأول لقدوم أسراب السمك العربي. وأضاف أن الصيادين يتخذون بعد ذلك مواقعهم على شكل مربع وسط المياه بمساحة تصل إلى 800 متر مربع ثم يتوقفون عن الكلام والحركة. وقال:"نشاهد السمك العربي ونسمع حركته السريعة التي تشبه حفيف الشجر، وهو قادم فنرمي الكمائن بطريقة دائرية لتهبط على سطح الماء وتختفي في القاع، وهي على شكل شبك مصنوع محلياً ويطلق عليه"المخدجة"، وبعد ذلك يقوم الصيادون بالالتفاف على شكل دائرة وكل شخص يمسك بحبل في نهاية المخدجة، وعندما تقترب أسراب السمك يتم ضرب ماء البحر من الجهة الأخرى، ما يربك السمك، فيتجه إلى الكمائن المنصوبة له، وفي لحظات يتم انتشالها لتمتلئ بما قدره الله من رزق". وأكد الصياد زيلعي خليل عمر 68 عاماً أن هذه الطريقة لا يتقنها إلا مجموعة من الصيادين من أهالي عمق، ويعرفونها باسم"القمعة"، وهي من أسرار المهنة، خصوصاً في معرفة قدوم السمك العربي في مواقع قرب الساحل، لافتاً إلى أن طريقة الصيد بالأيادي تستغرق من ساعتين إلى ثلاث ساعات، ويكون الصيد في المساء أفضل من منتصف النهار. وتحدث شيخ الصيادين في مركز عمق احمد بن يحيى القوزي، الذي كان مرافقاً لبعثة"واس"، فأوضح أن نحو 70 صياداً يمارسون هذه المهنة كل يوم. وقال:"في الجانب الآخر من الشاطئ توجد مجموعة من الصيادين الحرفيين في مرسى"سوبان"، الذين يستخدمون القوارب ويعودون مساء كل يوم بصيد متنوع من الأسماك يصل يومياً إلى طنين". وأضاف أن البيع يتم فوراً بالكمية من خلال اثنين من المحرجين، وهما سعوديا الجنسية، وبعد الاتفاق على سعر الكيلو بين الصياد والمشترين يتم وزن الكمية ثم يقوم المشتري بدفع الحساب مباشرة للصياد. وعن سر صيد السمك العربي أكد القوزي أن"البحر أسرار، والصيادون يحتفظون بسرهم لأنه مصدر رزقهم لكنهم يقبلون على عملهم بنفس طيبة، وقبل ذلك يتطلعون إلى الله الرزاق ذي القوة المتين". وأعرب شيخ الصيادين في مركز عمق عن أمله بإنشاء مرفأ حديث للصيادين مثلما تم قبل أعوام في مركز القحمة، لأن ذلك يساعد الصيادين على الحفاظ على مهنتهم ويشجع أبناءهم على تطوير مصدر دخلهم. يذكر أنه وفي إطار دعم الأسر وتحويلها من اسر مستهلكة إلى منتجة وداعمة للضمان الاجتماعي أنشأت وزارة الشؤون الاجتماعية والإسكان الشعبي مرفأ القحمة أحد منتجعات عسير البحرية على مساحة 7111 متراً مربعاً، ويتكون من رصيفين بحريين يمتد كل واحد منهما 100 متر في البحر بعرض يصل إلى 25 متراً، ويرسو حولهما 52 قارباً، وتم تجهيزها بمستلزمات الصيد وسلمت للصيادين، وأسهم ذلك في ارتفاع العائد من الصيد للصياد الواحد من ثلاثة كيلوات إلى عشرة أضعاف، كما تم تجهيز سوق ومظلات للصيادين ومصنع للثلج.