فجر الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الاتحادي البنك المركزي الأميركي آلان غرينسبان، الجدل مجدداً أمس، حول قضية ربط العملات الخليجية بالدولار، وذلك خلال فعاليات منتدى جدة الاقتصادي في دورته التاسعة، إذ رأى أن التضخم الذي بلغ مستويات شبه قياسية في دول الخليج سيتراجع"بدرجة كبيرة"، إذا تخلت تلك الدول عن ربط عملاتها بالدولار الأميركي. وسارع كل من رئيس مؤسسة النقد العربي السعودي حمد السياري ونائبه محمد الجاسر إلى الرد على ما قاله غرينسبان، وقال المحافظ إنه يتوقع تراجع التضخم في السعودية خلال النصف الثاني من العام الحالي، على رغم ترجيحه أن يواصل التضخم ارتفاعه في النصف الأول. كما عقد الجاسر مؤتمراً صحافياً أكد فيه مجدداً أن المملكة لا تنوي فك ربط عملتها بالدولار، خصوصاً أن ربط العملتين خدم المصالح الاقتصادية للمملكة وما زال يخدمها.وفند نائب محافظ"ساما"تصريحات سابقة بشأن تسعير النفط باليورو، وأكد أنه لا جديد في هذا الموضوع، معتبراً"التصريحات التي ذُكرت عن تسعير النفط في المرحلة المقبلة باليورو وليس الدولار سياسية". وقال إن"الوضع سيبقى في السنوات المقبلة على ما هو عليه"، مشيراً إلى أن الأمور لا بد من أن تؤخذ في إطارها التاريخي، فهي ليست المرة الأولى التي ينخفض فيها الدولار ولن تكون الأخيرة". وكان غرينسبان قال خلال جلسة في المنتدى أمس، إن"التعويم الحر لعملات الخليج لن يمحو الضغوط التضخمية بالكامل في الأجل القصير، ولكنه سيخفف من حدة التضخم بدرجة كبيرة". وبلغ معدل التضخم في السعودية 7 في المئة في كانون الثاني يناير الماضي ليسجل أعلى مستوى منذ 27 عاماً على الأقل. غير أن غرينسبان قال بخصوص تعويم العملات:"ينبغي لحكومات دول الخليج أن تدرس عواقب مثل هذه الخطوة في المدى البعيد". وأشار غرينسبان من ناحية أخرى، إلى أن طفرة النفط"ستستمر إلى الأبد". وسجل سعر النفط مستوى قياسياً عند 101.32 دولار للبرميل الأربعاء الماضي، وأسهم ارتفاع أسعار النفط في بقاء التضخم الأميركي مرتفعاً رغم تباطؤ النمو. من ناحيته، توقع السياري أن يظل التضخم مرتفعاً في المملكة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، وقال ل"رويترز"إن التضخم الذي بلغ أعلى مستوى منذ ما لا يقل عن 27 عاماً في يناير الماضي، سيظل مرتفعاً في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي قبل أن ينخفض في النصف الثاني. وقال:"سيتراجع التضخم في النصف الثاني من العام الحالي بعد أن يصل إلى ذروته في النصف الأول". وأضاف:"نأمل بأن تحدث الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أخيراً، أفضل تأثير بخصوص التضخم في الربع الثاني، وهو ما سيسهم في استقرار التضخم وبقائه قرب مستوياته في عام 2007". وقال السياري أيضاً في مقابلة مع تلفزيون"العربية"، إن تعويم العملة السعودية ليس مناسباً للاقتصاد الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على صادرات النفط. وأوضح عقب تصريحات غرينسبان أنه لن يكون هناك تغير فوري في السياسة النقدية السعودية. ولم يدل بمزيد من التفاصيل. كما أبلغ محافظ"ساما"تلفزيون"العربية"بأن المملكة ليست لديها خطط لإنشاء صندوق سيادي للاستثمار، وذلك في تراجع عن تصريحات صدرت عن المؤسسة الشهر الماضي. وكان نائب المحافظ محمد الجاسر صرح الشهر الماضي بأن المملكة تدرس إنشاء صندوق ثروة سيادي يبلغ حجمه 6 بلايين دولار، لاستثمار فائض الثروة النفطية بالبلاد. لكنه أضاف في ذلك الوقت أن بوسع المملكة الاستغناء عنه إذا استمر الجدل بلا نهاية حول الاشتباه بتجاوزات من جانب تلك الصناديق. وعلى صعيد متصل، استبعد الجاسر في المؤتمر الصحافي أمس، أن تكون هناك نية لدى المملكة لفك ارتباط الريال بالدولار. وشدد على أن تمسك المملكة بقناعتها في استمرار ربط عملتها الرئيسية بسلة الدولار لا يعود لأسباب سياسية، لكنه يرتبط بشكل وثيق بالفوائد التي تجنيها من استمرار النظام الحالي. وأشار إلى أن الاقتصاد السعودي استفاد بشكل كبير على مدار السنوات من ربطه بالدولار، لأنه يقوم بشكل كبير على تصدير النفط الذي يجري تسعيره عالمياً بالدولار الأميركي. وقال:"لا ينبغي أن يتم النظر للأمر بشكل أحادي، فنحن لا نملك اقتصاداً متنوعاً مثل أميركا وبعض الدول الأوروبية حتى نقوم بتعويم العملة السعودية، إذ أجمع معظم الخبراء على أن الاقتصادات المتنوعة هي الأكثر قابلية للتعويم وعدم الارتباط بسلة عملات معينة". ولفت نائب محافظ مؤسسة النقد إلى تجربة الكويت عندما قامت بتعويم عملتها وفك ارتباطها بالدولار، وقال إن التضخم لم ينخفض، إضافة إلى قطر التي مازالت تمتلك أكبر نسبة تضخم بين دول الخليج، وتعد النسبة الموجودة في المملكة معقولة إلى حد كبير في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها. ووصف ارتفاع التضخم في الآونة الأخيرة بأنه أمر صحي وحميد، وقال:"المملكة تمر بطفرة اقتصادية كبيرة لا بد من أن يصاحبها بعض التضخم، وهو أمر يحدث في كل دول العالم، والبرنامج الذي وضعته الحكومة يتعامل مع الأمر بشكل عقلاني وهادئ، إذ يخدم الفئة الأكثر تضرراً من التضخم عبر زيادة الرواتب على مدار السنوات الثلاث المقبلة، ودعم بعض السلع الرئيسية وعلى رأسها الرز والحليب". ورداً على سؤال ل"الحياة"حول الإجراءات التي اتخذتها مؤسسة النقد للتخفيف من حدة التضخم، قال إننا رأينا أن القروض الاستثنائية تمثل عبئاً كبيراً على الوضع الاقتصادي فقررنا تقنينها، إذ وضعت بعض الضوابط بحيث لا يزيد أي قرض على 15 ضعف راتب الموظف، ويتم تسديده في خمس سنوات بحد أقصى، كما قامت هيئة السوق المالية بالترخيص لأكثر من 70 شركة تقدم خدمات مصرفة متنوعة في السوق السعودية. وأشاد بالقطاع المصرفي في المملكة، مؤكداً أنه يمر بمرحلة انتعاش كبيرة على صعيد منطقة الشرق الأوسط، وقال:"يستجيب النظام المصرفي مع متطلبات العصر بشكل كبير، ويواكب ما يحدث حوله في العالم، وعندما ظهر تزايد في الطلب على الخدمات المصرفية المطابقة للشريعة الإسلامية، حدث نمو في هذا القطاع وزاد الطلب عليها بشكل كبير". وشدد الجاسر على ازدهار الاقتصاد السعودي، وعلى وجود تنام كبير في الصادرات غير النفطية، كما أن هناك نمواً في قطاع المعادن، وتُقام مشاريع عملاقة في هذا الجانب ستصل كلفتها الإجمالية إلى 20 بليون ريال، بما في ذلك خط السكة الحديد، الذي سينقل المعادن إلى أماكن التصدير. وأضاف:"على رغم أن المصلحة العامة تقتضي تنوع مصادر الاقتصاد السعودي، إلا أن النفط سيمثل الأهمية القصوى بالنسبة للسعودية ودول الخليج". وقد اختلفت وجهات نظر المتحدثين في الجلسة الثالثة لمنتدى جدة الاقتصادي التاسع عند قراءتهم لتحولات العولمة والثروة النفطية والأسواق المالية، وفيما أشار المتحدث الأول غرينسبان إلى أن الفروقات في أنظمة الحكم - في إشارة إلى الصين والهند - لها تأثيرها، قال المتحدث جيم أونيل من غولدمان ساكس إنه لا تأثير، إلا أن الجميع اتفقوا على ضرورة تحويل الثروات الطبيعية النفط إلى مقدرات اقتصادية مستدامة، واعتبروا أن ذلك يمثل تحدياً كبير وأنه لابد من الخروج من معادلة الريع إلى تنويع مصادر الدخل. ووصف غرينسبان الاقتصاد الخليجي بأنه اقتصاد"ريعي"وأنه لابد من بذل الجهود من خبراء الاقتصاد للوقاية من العثرات والتقليل من التضخم.