مطرقة استرخاء وسندان ضغط تحمل تناقضاً مادياً وموضوعياً في علاقة العرب مع جيرانهم من ناحية وعنوان لغياب رؤيا عربية حول إدارة التجاذبات الاستراتيجية. واقع توازن القوى في المنطقة لا يخدم العرب وقد يصبح أكثر قابلية للتجاذب مع مجيء إدارة أميركية جديدة قد يكون شغلها الشاغل الأوضاع المتردية في أميركا. في ذلك الغياب الأميركي النسبي فقط، سوف تحاول الدول الرئيسية في المنطقة مد نفوذها وملء الفراغ الاستراتيجي ولو تكتيكياً في البداية. سوف تبقى تركيا بعيدة بعض الشيء لأسباب موضوعية منها البعد الجغرافي النسبي ورغبة تركيا في الانجذاب نحو أوروبا وانشغالها بالمسألة الكردية ووعي الأتراك بخطورة المنزلقات الشرق أوسطية دينياً. لذلك فإن إسرائيل وإيران هما اللاعبان الأهم في المنطقة. إسرائيل في ظل رغبة وعزم على ابتلاع المسألة الفلسطينية ولكن الطموح الإسرائيلي لا يقف عند هذا الحد، بل يمتد إلى هيمنة استراتيجية على المنطقة بكامل عناصرها الاقتصادية والعلمية والعسكرية. إيران في حالة بعث قومي جديد ولكن ككل ثورة في العالم متسلحة بأيديولوجيا إسلامية مذهبية. هناك تجاذب واضح على الهيمنة على المنطقة بين إسرائيل وإيران في ظل غياب عربي لافت. مدة الضعف العربي ضعف الرؤيا الاستراتيجية وعنوانها الانقسام المستدام. لعل الدولة العربية الوحيدة التي حاولت هي العراق بعد محاولة مصر الناصرية. فشل العراق كان حتمياً نظراً إلى الانقسام العرقي والمذهبي وبخاصة حينما قرر الغرب القضاء على التجربة العراقية. موضوعياً تبقى مصر هي المرشح لقيادة العرب ولكن قصور مصر التنموي أصبح مخجلاً وكذلك بعد مصر النسبي عن الجائزة الكبرى في الصراع: نفط الخليج . بعد مصر عربياً تأتي سورية التي تنفع كلاعب مرجح مؤثر، ولكنها لا تستطيع أن تلعب دوراً استراتيجياً بمفردها فتجدها في المحور المصري - السعودي تارة ثم في المحور الإيراني تارة أخرى، وهي الآن في غزل مع أوروبا. أما بقية دول المنطقة فيحكمها رغبة الحضور السياسي المستقل عن الاستحقاقات العربية الفعلية وتكيف مع الهيمنة الغربية. في المدى القصير لعل تنافس إيران وإسرائيل هو العامل المحرك في حالة التجاذب في المنطقة. على رغم قدرة إسرائيل على السيطرة العسكرية ونفاذ البعد اليهودي في القرار الغربي في ما يخص المنطقة إلا أن العرب استطاعوا إيجاد المساحة الكافية للمناورة مرات والتظاهر بعدم وجود إسرائيل مرات أخرى وانشغال إسرائيل النسبي بالتوسع السكاني والاستيطاني، ولكن ايران تواجه العرب بتحد من نوع جديد. فإيران بلاد إسلامية وليست جديدة على المنطقة سكانياً أو حتى كنموذج سياسي أو اقتصادي لذلك فإن طموح إيران الاستراتيجي بشكل عام إخراج وضغط ويعري التحدي الإسرائيلي والقصور العربي، ما يزيد الضغط الإيراني هو عدم تردد إيران في استخدام الورقة المذهبية التي ربما فاجأت إيران بمدى فائدتها. فبوثبة إيمانية نجد أعداداً كبيرة ترمي بثقلها مع إيران بغض النظر عن المصلحة الوطنية أو حتى المصلحة الشخصية. الغريب في هذه الحال أن إيران ليست مثالاً تنموياً يحتذى به، بل لعل إيران مثال واضح على الدولة النفطية الريعية الفاشلة تنموياً، وهي بهذا لا تبتعد كثيراً عن الدول العربية. هذه الوضعية حال تحاول فيها إسرائيل استرضاء العرب، وإيران تضغط عليهم ترفع عدداً من التساؤلات التي يصعب إيجاد الإجابة الشافية لها. ولكن الواضح أن نتائج التقصير التنموي تراكمية بطبعها وعميقة، ولذلك فإن الحلول يجب أن ترتقي إلى عمق المشكلات. يصعب تخيل حلول لا تبدأ بنهج تنموي صريح وواضح وجاد لإعادة الربط بين الحاكم والمحكوم في المنطقة العربية. عدم الجدية في العملية التنموية عامل فاضح لا يمكن إخفاؤه لمدة طويلة إلا في البلاد العربية. تكتيكياً لعل هناك مساحات كافية للألاعيب السياسية والمناورات التي يجيدها العرب من خلال خبرة طويلة في العامل غير المفيد بين بعضهم، ولعل في أذهان العرب خلط بين السياسة بمعنى الألاعيب وبين السياسة كبرامج عمل مسؤولة وواضحة. [email protected]