كان الاختلاف بين نطق حرف"الضاد"ونطق حرف"الظاء"والخلط بين نطقهما في الغالب كفيلاً بأن تعرف شيرين الطيب 26 عاماً مدى اختلاف اللهجات في المناطق الحجازية عموماً والتي جمعت منذ القدم آلاف الجنسيات من كل حدب وصوب، كونها ممراً للقوافل التجارية والحجيج، ومسكناً لأهالي الحاضرة وبادية الصحراء. وبدا للطيب منذ أن حملت حقيبتها المدرسية أن اختلاف اللهجة قد يفسد للود قضايا، وذلك حينما بدأ مشوارها التعليمي، لتتأهل من مدرسة المجتمع وتتعلم منهج اللغة"اللاصفي"فتتقن اللهجة العامية المحكية. ولاحظت الطيب منذ بداية الصفوف الأولى أن الطالبات يخلطن بين حرف"الضاد"وحرف"الظاء"ولا يفرقن بينهما إلا حينما تؤكد عليهن معلمة اللغة العربية أن ثمة اختلافاً كبيراً بين الحرفين في الكتابة، كما في النطق، فالأول ينتهي ببطن كبيرة أما الأخير فيقف عليه عامود يسقط ضوءه بنقطة تبدو كالظل على الحرف ،كما كانت تقول المعلمة. وفوجئت الطيب المنتمية إلى إحدى العائلات التي سكنت المدينة قرابة 80 عاماً، وهي لا تنتمي بالضرورة إلى النظام"القبلي"الذي يلتزم بدقة مخارج الحروف"اللثوية"على رغم اعتناقه العامية، لدى أهالي الحجاز التي تختلف فيها اللهجة بسمة ظاهرة في النبرة واللفظ وبعض الكلمات، ما يجعل طريقة نطقها للحروف تبدو ناعمة وطرية غير مشدودة. كما تقول:"أتذكر بداية أول يوم دراسي في الصف الأول الابتدائي حينما بدأت المعلمة تتعرف علينا بنية كسر حاجز الخوف من الانفصال عن الأهل والانصياع لقوانين المدرسة، عندها بدأت الطالبات بذكر أسمائهن حتى جاء دوري فنطقت اسمي بكل ثقة غير أن ضحك بعض الفتيات الذي كنت أجهل سببه أدهشني، ولكن المعلمة لم تعر الأمر أي انتباه حتى انتهى زمن التعارف"، وتضيف أنه لصغر سنها كانت اللهجة يوماً عن يوم قد تسببت لها كره المدرسة"فكلامي يجعل بعضهن تسخر مني كغيري ممن تنطق على شاكلتي، ولفرط نعومة اللفظ لدينا، وترقيق الحروف أثناء النطق كنت أعي أن ثمة اختلافاً في اللهجة بين بعض الطالبات ،فكما كنت أرى علامات التعجب منهن عند قول بعض المصطلحات التي اعتدت على سماعها وترديدها في المنزل، كان الاستغراب أشد من طريقة اختلاف نطق زميلاتي اللائي أصبحن صديقات مقربات لي حتى تخرجت في المرحلة المتوسطة، إذ كان نطقهن يشعرني بالجفاف والقسوة، كما كان لفظهن يثيرني بتقليدهن في المنزل أمام والدتي بحنق وأنا أتساءل لماذا يضحكن علي؟". وثريا عبدالعال 18 عاماً التي وصلت إلى المرحلة الثانوية، كان حرياً بها أن يترسخ لديها أهمية اللغة العربية إذ تعلق قائلة:"إنه مهما اختلفت لهجاتنا العامية تبقى اللغة العربية هي اللغة الأم التي تجمعنا كعرب، وإن حرف"الضاد"الذي يلقى ظلمًا من بعض ناطقيه ليس إلا حرفاً مميزاً اتسمت به اللغة العربية فسميت به لغة العرب لأنهم الوحيدون الذين يستطيع لسانهم العربي لفظ هذا الحرف بالطريقة الصحيحة كما نزل في القرآن الكريم". مضيفة بأمثلة من الواقع الممتد"أن نطق حرف"الذال"دون التفريق بينه وبين"الزاي"وكذلك الأمر مع حرف"الثاء"الذي ينطقه البعض في منطقة الحجاز كأنه حرف"التاء"وآخرون ينطقونه مثل حرف"السين"يواجه معضلة لدى بعض الناطقين بالعربية!". أما سامية منصور 22عاماً التي انتقلت بعد زواجها إلى العاصمة الرياض التي يبدو اختلاف اللهجات فيها واضحاً لاختلاف اللهجة النجدية عنها في الحجاز تقول"إن عقدة اللهجة كانت تسبب لي أحياناً الانطواء، إذ كان عدم فهمي للهجة النجدية وعدم فهم بعض النجديات لهجتي سبباً للحرج، على رغم كوننا سعوديات نتبادل اللهجات ونتعلم مصطلحات مختلفة، لكنها لا تبدو رائعة إلا على لسان صاحب اللهجة الأصلية". ولكن تغيير النطق علّم منصور درساً كما تقول:"فكان حذف نصف الحروف وتبديل"الزاي"ب"الذال"و"الثاء"ب"السين"، سبباً في رسوبي في الكلية بسبب نطقي الخاطئ في إحدى الشُّعب الدراسية مع معلمة اللغة العربية التي تمقت اللهجات وتتعصب للفصحى، حين أكملت في المادة ليس بتقصير في المذاكرة أو تدني المستوى التحصيلي وإنما بسبب النطق الخاطئ لبعض الحروف أثناء نقاش عادي جداً كنا نقوم به أثناء تسجيل الحضور".