سعود بن بندر يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية لهيئة تطوير المنطقة الشرقية    إسرائيل تستبق وقف النار.. اغتيالات وغارات عنيفة    الكشافة تعقد ندوة الاتجاهات التربوية الحديثة    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السعودية تتصدر العالم بأكبر تجمع غذائي من نوعه في موسوعة غينيس    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    التعليم : اكثر من 7 ٪؜ من الطلاب حققوا أداء عالي في جميع الاختبارات الوطنية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    بوريل يطالب إسرائيل بالموافقة على وقف إطلاق النار في لبنان    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    سجن سعد الصغير 3 سنوات    حرفية سعودية    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    فصل التوائم.. أطفال سفراء    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    ألوان الطيف    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    من أجل خير البشرية    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل ب"حساب المواطن" والدعم الإضافي لعام كامل    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    المملكة تستضيف المعرض الدوائي العالمي    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روائي جزائري هجر العمل الأكاديمي لأن في أعماقه ملكات كبيرة ل "الهبل"... ويرى أن الكاتب العربي يريد الشهرة والعفة الكاذبة . واسيني الأعرج : الكاتبات الخليجيات"جريئات"... وكتّابهم يحتاجون إلى "دعاية"
نشر في الحياة يوم 23 - 12 - 2008

واسيني الأعرج روائي جزائري عالمي... له مكانته في الخريطة الأدبية، انتصر على ظروفه، ونجح في خلق كيانات خاصة بها، تمرّد على فضاءات حوله وصنع لنفسه شخصية بعيدة عن كل الشروط والتكهنات... هاجر من الجزائر لفرنسا وهناك كان ميلاد جديد له... تقرأ عناوين رواياته سيرته الذاتية وتعرف من هو... طرق كل ألوان الأدب... كتب القصة وتعداها للرواية... رواياته ليست للتسلية، ولكنها شهادات تاريخ ومراجع وطن ابيض يتنفس كل الحرية... للمرأة في حياته حضور خاص، لذا كان لها في رواياته البطولة المطلقة...
التقيته في باريس صوتاً وصافحته في أبوظبي جسداً وروحاً، وكان في كل مرة هناك رواية جديدة... إذاً لنقرأ رواية جديدة اسمها"واسيني الأعرج"... في تفاصيل الحوار التالي:
الخيارات في حياتك... هل كانت متاحة كما يجب؟
- الخيارات الحياتية دائماً صعبة، إذ علينا أن نحارب وأن نملك القدرة على الحلم خارج الشروط القاسية. شرطيتي المحيطة بي كانت في أحسن الأحوال ستجعل مني مهرّباً محترفاً. فأنا أسكن الحدود المغربية - الجزائرية، ولا عمل بالمنطقة إلا هذه المهنة. أو فلاحاً يحرث أرضاً ماتت منذ زمن بعيد. لكن إصراري الداخلي كان كبيراً. كنت أحلم فقط بأن أخرج من هذه الدائرة القاتلة وأنها ليست قدراً دائماً، خصوصاً بعد استشهاد والدي في الثورة التحريرية في 1959. كنت مؤمناً بالحلم الذي رسمته في رأسي وركضت وراءه حتى النهاية وأنا ألعب داخل الأسلاك الشائكة بالألغام وأطارد الفراشات. أحياناً كنت أرى حلمي قريباً مني كتنفُّسي وأصابع يدي، في أحيان أخرى يبتعد، لكنه لم يغب أبداً عن بصري.
حياتي بدأت بسيطة في قرية لا توجد على أية خريطة وطنية باستثناء الخريطة العسكرية التي أنجزها الاستعمار في وقت باكر. وكبرت في هذا الجو من البساطة متعاطفاً مع فقراء قريتي، لأنني كنت واحداً منهم، زاهداً إلى حد بعيد في الحياة والوجاهة الكاذبة، حتى اليوم. ولهذا عندما ذهبتُ نحو الأفكار الإنسانية المثالية إذا شئت، لم يكن أمامي شيء آخر غير الانتساب إلى ما هو متأصل في الإنسان وفيّ شخصياً. على هذا تنعكس الخيارات السياسية الاشتراكية في وقت باكر من حياتي، واستراتيجياً الكتابة لاحقاً.
القصد أن الخيارات نابعة من داخلي وأنا سعيد بأني سرتُ في طريق لم أغلقه عليّ مطلقاً، بل كان دائماً طريقاً مفتوحاً على الحياة والحب والصدق والاتساع ورفض"الدوغما"القاتلة. المتبقي لا نتحكم فيه، الأقدار والصدف الجميلة والقاسية، تصنع جزءاً كبيراً منه. كنت أريد أن أصبح سينمائياً مثلاً، ثم موسيقياً وأخيراً كاتباً، وأعتقد بأن كل ما كان في كان يقودني نحو ذلك. أحببت الموسيقى والفن وظلا يشكّلان خلفية أساسية لكل كتاباتي التي احترفتها شيئاً فشيئاً.
والتفت لاحقاً نحو التلفزيون واشتغلت فترة في الحصص الثقافية، وأعتقد بأن الهاجس السينمائي الطفولي كان دائماً حاضراً. منذ البداية اتخذت سبيل الدراسة ثم التعليم الجامعي بعد ذلك، للعيش كريماً ولا أربط حياتي بأية هيئة ضاغطة. التعليم الجامعي يمنحني علاقة خاصة وجميلة بمحيطي ولا يكلفني الشيء الكثير. تخليت عن النقد طواعية على رغم أني إلى اليوم ما زلت مرتبطاً ثقافياً بالعالم النقدي، ولكني أوقفت الاشتغال فيه على رغم إصرار أصدقائي على ذلك. صمّمتُ أن أركض برجلين في مسار الرواية على أن أقسّم سرعتي وطاقتي، وأعتقد بأني أحسنت الاختيار. أؤمن بأننا يمكن أن نحب أشياء كثيرة، ولكننا لا نستطيع أن نكون دائماً كل شيء.
الجامع والفرنسية
بين الجامع والمدرسة الفرنسية تهادت خطواتك... كيف استطعت أن تحافظ على المسافة بينهما، ولم تختلط عليك اللافتات؟
- الفضل يعود لشخصين أساسيين في حياتي: والدي الذي أوصى أمي بضرورة تعليم الأبناء باللغتين وهو في السجن الاستعماري قبل أن يستشهد تحت التعذيب، وأمي التي نفذت الوصية حتى النهاية. ثم الجدة التي كانت تصر - عن سبق إصرار - على ضرورة تعلم لغة الأجداد. تعلمي بالفرنسية لاحقاً، فتح أمامي عالماً خفياً غير الصورة الاستعمارية البشعة التي كنا نراها يومياً.
انشطار لسانك بالتساوي بين اللغتين العربية والفرنسية... هل كان ذلك سبيلك نحو اللغة الجديدة التي نراها في رواياتك؟
- كان يمكن أن أكون ببساطة كاتباً باللغة الفرنسية، فقد تكونت في البداية في المدرسة الفرنسية ولولا القرآن الكريم والمدرسة القرآنية لانمحت اللغة العربية من ذاكرتي. سعيد أن الصدفة شاءت أن تمنحني جدة حنا فاطنة، مرتبطة بهوس بتاريخ أجدادها الأندلسيين، وكنت أبدو لها الوحيد في العائلة الذي بإمكانه أن يعيد تاريخ أجداده إلى الواجهة.
جدتي قالت لي يوماً - وهي تحاول أن تجمع بين شتات اللغة في الجزائر - تعلم اللغة الفرنسية حتى تعرف كيف تكتب رسالة لوالدك الذي كان يتقنها مثل معظم المهاجرين الذين تعلموا قليلاً أو كثيراً، تعلّم الإسبانية لأن أجدادك التصقوا بها في لحظة من لحظات حياتهم، ولكن عليك أن تعرف لغتك لتقرأ لنا ما قاله الأجداد في الأندلس. كانت مقتنعة بأني سأكبر وسأقرأ على مسمعها تاريخ أجدادها، على رغم أن عمرها يومها كان تجاوز الثمانين سنة. من هذه الإشكالية انبنت علاقتي باللغة الفرنسية بشكل صحي.
لم تعد اللغة الفرنسية هي لغة الاستعمار الفرنسي ولغة الشيطان، ولم تكن اللغة العربية هي لغة الملائكة. الملائكة والشياطين موزعون في كل اللغات وإلا لما وجدت ميثولوجيا متشبع بها اليوم بقوة وتكوِّن جذرنا الخفي. لم تأتني اللغة العربية على طبق من ذهب أو عن طريق التوريث العائلي، ولكني ذهبت نحوها وهذا فخري. وانتمائي إلى اللغة العربية ليس انتماء مغلقاً، فاللغة الفرنسية سمحت لي بالاطلاع على هيغو وزولا وسارتر وجورج أوريل وجيمس جويس وغيرهم من الأدباء العالميين عن طريق اللغة الأصلية أو الترجمة إلى اللغة الفرنسية، ولم أنتظر الترجمة العربية.
بطبيعة الحال هناك تداخل بين اللغتين أثناء الكتابة من حيث الروح على الأقل. وربما كان ذلك مصدر تجديد للغة وللصورة وربما حتى للبناء بحيث أنك تخففه قليلاً وتدفع به إلى القول وإلى إخراج المكامن اللغوية الجميلة. لأن اللغة العربية لغة جميلة ولم يقتلها إلا أهلها من الذين يريدونها أن تكون مطلقة التقديس ومحنطة.
باريس والعطاءات
ما المساحة التي تمنحها لك"باريس"لتظل محلقاً إليها؟ و"الجزائر"؟ وماذا منحتك لتحلق بها دائماً؟
- بباريس رائحة والدي وعَرَقُه وآلامه وأشواقه وحبه. فقد دخلها فلاحاً بسيطاً قبل أن تحوله إلى رجل متعلم ثم نقابي عمالي قبل أن يصبح مناضلاً اختار العودة إلى وطنه وقاوم الاستعمار بكل الوسائل التي كانت بين يديه إلى أن استشهد. الأقدار غريبة جداً. باريس التي علمته هي التي وجهته ضدها ليقاوم الاحتلال في الجزائر. تعلمت من تاريخ والدي أن أفرق بين فرنسي وفرنسي. لا أحمل أي حقد ضد الفرنسي، فهو مثلي وقد ألتقيه في الكثير مما يجمعنا في أرض نعيش عليها بشكل مشترك.
ولكني ضد كل ما يبتذل قيمة الإنسان ويحوّله إلى سلعة رخيصة، سواء في باريس أم في الجزائر. منحتني باريس الأمان عندما أغلقت في أوجهنا الكثير من الأبواب. أنا أعمل اليوم في إحدى أكبر جامعاتها ولم أشعر يوماً بأني أقل قيمة من زملائي الفرنسيين أو بأي تعد ضدي. منحتني الجزائر أرضاً سقط من أجلها والدي وتاريخاً كبيراً لم يعرف ورثة الثورة كيف يحافظون عليه، بجانب هذا كله.
هناك جزائر أجمل غير تلك الصورة القاتمة المسوقة عن جزائر السرقات والهاربين عبر السفن والانتحاريين: جزائر النساء المناضلات والجميلات والرجال الرائعين، المحبات والعاشقات على رغم البؤس المستشري ورجولة معوقة. جزائر الأطفال الذين ينبتون كل فجر وهم يحلمون بالفراشات والألوان ويركضون وراءها لتحقيقها مهما كانت الصعوبات.
"البوابة الزرقاء"أو"أوجاع رجل غامر صوب البحر"... هل تراها الآن أكثر بياضاً لأنها الباب الأكثر اتساعاً الذي أدخلك عالم الكتابة؟
- يمكنني اليوم أن أقول إنها تجربتي الأولى الأكثر اكتمالاً، إذ سبق أن نشرت رواية صغيرة بعنوان:"الأجساد المحروقة"، ولكنها كانت مرحلة انتقالية من القصة القصيرة إلى الرواية، ولهذا إلى اليوم لم أنشرها، ولكني سأنشرها مع الأعمال الكاملة التي أنا الآن منشغل بإنجازها."البوابة الزرقاء"التي نُشرت للمرة الأولى في دمشق بعنوان:"وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر"، كان لها وقع كبير عليَّ وعلى حياتي الأدبية. تخيل شاباً قضى جزءاً كبيراً من حياته يدرس باللغة الفرنسية وعلاقته باللغة العربية حلمية أكثر منها فعلية، لأن كل المواد التي كنا ندرسها حتى بعد الاستقلال كانت باللغة الفرنسية، يجد هذا الشاب نفسه، باختياره طبعاً، في سورية وينشر باللغة العربية وتنجح روايته، أجمل شيء قدّمه لي هذا النص هو ثقتي في نفسي.
احتراف الكتابة... هل من الممكن أن يقتل الإبداع ويسرق الدهشة؟
- لا أدري بالفعل؟ ما أعرفه هو أن يظل الكاتب حراً بشكل كامل من كل الضغوطات التقنية أو السياسية، وإلا سيظل خاضعاً لمشيئة غيره. صحيح أن الاحترافية قد تضعه في منأى عن المشكلات المادية وغيرها، ولكن مع ذلك على الكاتب أن يظل سيد شأنه. ولهذا فالحرية المادية لا تخضعه لمشيئة غيره. أنا وجدت ضالتي في العمل الجامعي.
عندي"سمنارات"أشتغل فيها مع طلبتي في الجزائر بمحبة عالية ولذة كبيرة، وست ساعات أسبوعياً في"السوربون"، أما بقية الوقت فمخصص لجنوني الأول والأخير أي الإبداع والرواية والارتباط بتكسرات هذه الحياة العميقة. مسألة تنظيم وقت. الحمد لله، ليس عليَّ أي دَيْن ومن أي جهة كانت أو أي شخص. أعتقد بأني سيد نفسي إلى حد كبير. وهذا المهم. لستُ مجبراً على كتابة رواية كل سنة، لأني متعاقد مع دار نشر على ذلك. الإنسان ليس دائماً منتجاً يحدث معه أن يمر بلحظات صمت، فماذا سيفعل عندما يكون ملزماً بالكتابة؟ الحرية هي إلهي الكبير الذي أنحني أمامه بلا ندم أبداً.
لماذا الروائي واسيني الأعرج أكثر شهرةً من الأكاديمي واسيني الأعرج؟
- لأنه في لحظة من لحظات العمر اكتشف في أعماقه ملكات كبيرة للهبل، فاكتفى بأن يظل في هبله الجميل، وتوقف عن سبق إصرار وترصد عن العمل الأكاديمي، لأنه في لحظة من اللحظات اكتشف أن الأكاديمية هي نظام مغلق مبني للأسف على التكرار. تجاربنا الأكاديمية تعيش إلى اليوم على إنجازات الآخر. أعطني اسماً واحداً تفرد وأصبح مساهماً في العمل الإنساني الكبير.
طبعاً هناك جهد نقدي عربي كبير، ولكنه إلا اليوم يحتاج إلى ترسخ واعتراف به. سلكت المسلك الأقرب إلى قناعاتي الخاصة والعميقة، وسرت فيه بعد أن تحملت بقوة آلام البتر، لأني حقيقة، أحب التأمل النقدي. طبعاً ما زلت أدرس في الجامعة، ولي من الحظ ما ليس لأصدقائي: أدرس في جامعتين عريقتين: الجزائر المركزية وجامعة السوربون. ولكن ذلك كله لا يساوي الشيء الكثير أمام الإبداع وجنون الرواية. تخليت عن البحث الأكاديمي طواعية. فسخ عقد زواج بشكل حبي. لأن النقد كان يأخذ مني وقتاً كبيراً.
في المقابل، استثمرت الجهد نفسه في الأعمال الإبداعية. رواية الليلة السابعة بعد الألف، عمل بحثي شاق في"ألف ليلة وليلة"وفي التاريخ العربي الإسلامي وفي الدين والخلافة ونظام الحكم وتحولاتها العنيفة. في رواية كتاب الأمير قضيت أكثر من أربع سنوات عمل،"سراب الشرق"، ملحمة روائية استنزفت مني أكثر من ثلاث سنوات، بحث خارج سياق الكتابة الإبداعية، الشيء نفسه يقال عن رواية"سوناتا لأشباح القدس"، عن فلسطين. خيارات في الحياة يجب اتخاذها في الوقت المناسب أو تحويرها بالشكل الذي يخدم فيه البحث ما هو مركزي فيك وليس العكس؟ وإلا سندخل في عمق طاحونة تدخلنا في العادي، والأدب هو في النهاية ملامسة غير العادي والمستحيل.
لماذا"الأوجاع"و"الذاكرة"و"الأحلام"هي السبيل الوحيد للإبداع؟
- كل الروايات التي ذكرتها تستند على فعل الذاكرة الضائعة أو المكسورة عمداً. نحن نعيش داخل أنظمة لا تهمها الذاكرة إلا لتأكيد سلطانها أو بالقدر الذي يضمن استمرارها الدائم. نحن في عالم صعب، يتحرك بسرعة مجنونة، ونحن داخل طاحونته شئنا أم أبينا. هذا التحول الصعب تترتب عنه أشياء كثيرة وأوجاع تصعب مقاومتها، ولكن تترتب عنه أيضاً تكسرات عميقة فينا، وعلينا ألا نستسلم لها بسهولة. أن نحافظ على ما هو مهم فيها، بكل ما نملك من قوة، من دون أن نكون رجعيين. أي أن نحافظ على الذاكرة التي تقدمنا وتمنحنا توازناً حياتياً جيداً.
كلما مشيت في شوارع الجزائر العاصمة أو دمشق أو كوبنهاغن أو نيويورك أو باريس أو دبي، شعرت بأن عالمنا كل يوم يؤول إلى الزوال قليلاً ويمحو توازناتنا الداخلية، وما يحدث من تطرفات هو أننا لم نعرف كيف نجعل من هذه التوازنات نظماً للحياة ونتطور من خلالها. ذهبنا نحو الأشكال الجاهزة ودمرنا قيماً محلية وإنسانية ذات قيمة عالية.
متى تكون الكتابة عند واسيني الأعرج"طوق ياسمين"ومتى تصبح"وقع أحذية خشنة"؟
- تكون الكتابة طوق ياسمين عندما تكون عشقاً مجنوناً لا يحسب أي حساب لما سيأتي في ما بعد، خصوصاً إذا كان الصدق سيد الجنون. لأن"المابعد"في وعيها غير موجود، ليكن العقاب قوياً ولكن لا شيء يضاهي في لذته اللحظة الممتلئة التي ننتسب إليها ونختارها وإلا كيف نفسّر موت قيس وروميو وليلى وجوليت؟ كيف نفسّر منفى الكتاب العظام المرتبط أصلاً بهذه اللحظة الصادقة التي نعرف عواقبها ونذهب نحوها بلا تردد؟
طوق الياسمين هو حالة عشقية ثمنها باهظ. وماذا نساوي من دون هاتين اللحظتين الصعبتين؟ لا شيء. تكون الكتابة وقع أحذية خشنة عندما تفقد حسها بالحياة وتتحول إلى مجرد إناء فارغ مليء بالهواء المؤكسد والفاسد. وهذا مناقض أصلاً لجماليات الكتابة.
المرأة والخيبات
قلت:"لقد حاولت خلال روايتي شرفات بحر الشمال أن أنسى أن لي وطناً، لأتمكن من الكتابة عن شيء آخر غير الحرب والموت والغربة"وكتبت عن الحب... ألا تظن أن الأنثى أيضاً وطن ويحتمل كل ذلك؟
- المرأة - يا صديقي - وطن آخر، هي الدفء والحنان والصبر على حماقات الرجال، والبحث داخل الخيبة عن لحظة نور يمكن أن تضيء الظلمات. لقد علمتني حياتي الخاصة بين أمي وأخواتي البنات وبنات العائلة اللواتي كبرت بينهن. أن الصبر والقدرة على تحمل الغباوات الرجالية هما من السمات العالية في المرأة. قد يبدو كلامي تقديساً للمرأة، أنا أرفض هذه الصورة المبتذلة عن المرأة. المرأة تتعرض لما يتعرض له الرجل وهي إذاً تشبهه في كل صفاته من ملعنة وخبث وخيانة وظلم، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فأنا أتكلم عن المرأة باعتبارها حالة مخفية تتعرض يومياً للتلف والجلافة والظلم، وهذا ما كوّن لديها ردود فعل خاصة وإمكانات للمقاومة لا توصف، ولا يستطيع أن يلمسها إلا من كان قريباً منها.
لكن نص"شرفات بحر الشمال"شيء أكبر من ذلك كله. هو نص الانكسار والخيبة من كل شيء. عندما تسقط المثل العليا، يندثر إحساسنا بالمكان والزمان. حتى فتنة التي حملت كل خصوصيات الجنون والحب، اندثرت في عالم ذهب ياسين نحوه هباء. رواية التيه والضياع المستمر. نحن من جيل من"تيه على تيه".
ستة إصدارات تخاطب الإرهاب... ماذا فعل"حراس النوايا"بأحلامك الوديعة حتى تمطرهم بكل هذه الكلمات؟
- الإرهاب على رغم جانبه السيئ، فقد دفعني إلى مواجهة نفسي بقوة ونقدها وإعادة تركيبها وعلى الكتابة بنهم. لأنك عندما تصبح قريباً من الموت تنتابك رغبة مجنونة لقول كل شيء في أقصر وقت معطى لك. انتميت إلى العقل والنور وما زلت على قناعتي ولا يمكنني أن أحيد عنها حتى ولو كان الثمن غالياً. لو كنت أريد الحياة السهلة والوجاهات الفارغة، لاخترت أن أسير في الطرق الأكثر سهولةً الموصل إلى المناصب. ما حصل لي بعد ذلك غيّر نظام حياتي بكامله. طبعاً خسرت أشياء كثيرة.
ولكنني وجدت حليفاً رائعاً في المأساة اسمه مريم. امرأتي ومرآتي التي ظلت بجانبي دائماً. بدأت الآن تتخلى عني أو أتخلى عنها لا أدري، أحدنا اتخذ هذا القرار بعمق وبألم. قد تكون هي. أما أنا، أعي تماماً أنني منذ أن اتجهت للرواية التاريخية بدأت أخسرها. بسبب خياراتي الروائية الجديدة. أتألم لفراق مريم، ولكنني لستُ نادماً على هذه الخيارات، فأنا ابن هذا العصر، وعلي أن أظل في حالة إصغاء دائم لكل التكسرات غير المرئية التي تحدث هنا وهناك، وأستمع إليها وأكتب عنها إذا استطعت فعل ذلك. لمريم قلبي وذاكرتي وكل أشيائي الجميلة.
ما دمنا في موضوع"مريم"... هل أفسدتْ عليك شيئاً تلك التعويذة الوديعة؟
- كما ذكرت لك، مريم قتلتُها أو هي بصدد قتلي والانتهاء مني. منذ أن اخترت كتابة الرواية التاريخية أشعر بنوع من الابتعاد عن هذه الشخصية التي أثثت كل حياتي الحميمة. التنصل عنها يعني خسران جزء من حياتي الخاصة .
ومع ذلك أشعر بأن شيئاً من هذا النوع هو بصدد الحدوث. أقول لنفسي أحياناً، ربما أكون قد حملتها ما لا طاقة لها به. أو ربما هناك شيء قوي فيها يدفع بها الآن إلى رفض البقاء كامرأة الظل وتريد أن تصرخ بقوة باصطا Basta أي يكفي بالإسبانية. تريد أن تكون هي أخيراً وأن يعرفها الناس، أن تكتب عن نفسها، وأن تدمر الصورة المثالية التي صنعتها عنها وأن تكون كما تشتهي، بكل عناصرها الخاصة وألقها. أشهد بأن مريم منحتني الحياة والحلم والانزلاق نحو عالم مواز جميل ولذيذ، فوق كل هذا، كانت بجانبي في الحالات الأكثر صعوبة.
وسيكتشف القراء قريباً أنها لم تكن فقط امرأة ورقية، ولكنها امرأة خياراتها الحياتية أقوى وأنبل. وسيصدر كتاب لها تقول فيه مريم حقيقتها التي تتجاوز حقيقتها كشخصية ورقية فقط. قصة يظهر فيها صوت مريم عالياً وأصبح أنا قارئها وربما بطلها، من يدري؟ الدنيا ليست دائماً خطاً مستقيماً. ننتظر صدور الكتاب المبرمج صدوره في نهاية 2009 إن مدنا الله ببعض العمر.
الأدب السعودي والعالمية
هل تشعر بأن الأدب السعودي قادر على الوصول للعالمية؟
- طبعاً، الأدب مرتبط بحالات التفرد. والظاهرة موجودة في كل بلدان العالم. ألبانيا بلد صغير وبلا موارد، ومع ذلك أعطى روائياً عظيماً هو إسماعيل قدري، الذي يُعتبر اليوم من أهم الروائيين العالميين. ايرلندا بلد صغير ومتواضع وإلى وقت قريب كان متخلفاً جداً، ومع ذلك أنجب رواد الرواية العالمية مثل جيمس جويس.
وما الذي ينقص الأدب السعودي لكي يحقق طفرته وهو يملك كل الوسائل العميقة لفعل ذلك؟ طبعاً يجب أن نكون عقلاء، الطفرة لا تحقق إلا عن طريق قناتين، إما التفرد الذي يحتاج إلى اجتماع عوامل خاصة ومعقدة، وإما بواسطة التراكم وتفرد المواهب ومساعدتها في النمو والخروج من دائرة الضيق المحلي.
السعودية أعطت للعرب والإنسانية روائيين كباراً أذكر على سبيل المثال لا الحصر، أحمد أبو دهمان الذي كانت روايته"الحزام"التي صدرت بالفرنسية في أكبر دار نشر فرنسية غاليمار، وشكلت وقتها حدثاً أدبياً عظيماً عند صدورها. والجيل الجديد من الكاتبات اللواتي يصنعن مسالكهن في الصعوبات والقسوة سيجدن طريقاً يجعل من أدبهم قوة تمس الحساسيات الإنسانية في عمقها. أصوات مثل زينب حفني، رجاء الصانع، ليلى الجهني وغيرهن لهن كلمة سيقلنها حتماً.
الكتابة الخليجية كيف تراها؟ وفي رأيك ما الأخطار التي تعوق طريقها؟
- كُتّاب ممتازون يحتاجون فقط إلى قليل من الدعاية. نساء جريئات. جميل أن تسوق المرأة أدبها بالجرأة ولكن بالإبداع الخلاق أفضل، لأنه الأبقى دوماً. قرأت نصوصاً جميلة لليلى الجهني، شعر بروين حبيب، روايات فوزية رشيد وليلى العثمان، وغيرهن، وكلها نصوص عالية القيمة. الموجة الكتابية النسائية الشابة في الخليج والمغرب العربي، جميلة ورائعة، ولكن حذار من التكرار. إذ إن الإبداع هو التفرد والجرأة على قول الذات وليس قول ذوات الآخرين فقط. من السهل أن تشرح جسد غيرك ولكن من الصعب أن تفتح بالمشرط ما يؤثث جسدك من خفايا وأسرار.
الجوائز المهمة تقاسمت أعمالك الروائية، جائزة الرواية، جائزة المكتبيين، جائزة الشيخ زايد للآداب، جائزة قطر العالمية للرواية وغيرها... ماذا يمنح التكريمُ الكاتبَ؟ وبماذا يلزمه؟
- أنت تعرف أن الجائزة لا تصنع الكاتب ولكن العكس هو الصحيح. نوبل لا قيمة لها من دون البير كامو، غونتر غراس، إيمري، أورهان باموق وغيرهم. الجوائز طبعاً مهمة، لأنها تشكل اعترافاً بالجهد الذي يبذله الكاتب، ويكذب في اعتقادي من يقول غير ذلك. ومع ذلك تظل حياة الكاتب غير مرهونة بإرادة الجوائز، فإذا جاءت فذلك مفيد للكاتب جداً وإذا لم تأت فعالم الكتابة إذا كان نابعاً منا بعمق سيظل مستمراً إلى النهاية. وقد نموت ولا نحصل على أي اعتراف. جائزة الشيخ زايد كانت لحظة جميلة في حياتي منحتني ثقة ليس في الكتابة، ولكن في ما أقوله ان الناس يمكن أن يتقاسموه معي، وهذا مهم في الكتابة، خصوصاً في الرواية التاريخية. جائزة قطر للرواية العالمية منحتني حرية كبيرة في التوغل في مشروع كبير لولا تبني قطر له ما كنت خضت فيه، لأنه يحتاج إلى تفرغ كلي. وقد تفرغت قرابة أربع سنوات لهذه الرواية التي تتحدث عن الحال العربية من"اتفاق سايكس بيكو"إلى اليوم، أي على مدى قرن تقريباً. قطر سخّرت كل الوسائل لنجاح هذا المشروع الكبير الذي اشترك في إنجازه ستة روائيين، اثنان عرب والبقية أجانب مرموقون وعالميون. "سراب الشرق"رواية تاريخية طويلة، ولكنني سعيد بأنني انتهيت منها. فقد تألمت كثيراً وأنا أكتبها، إذ تأكد لي أن عالمنا العربي حورب في حقه الوجودي منذ ذلك التاريخ. أقول هذا ليس عن تزمت، ولكن عن جوهر اكتشفته وأنا أبحث في الوثائق السرية للمخابرات الإنكليزية في الديوان الأميري بقطر وفي لندن وباريس. لقد تم تدمير الأمل منذ تلك اللحظة عندما لعب المشرط الحاد دوره في تمزيق الخريطة العربية على مكتب صغير ليس أكثر، كان الجالسين حوله رجلان هما سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي. سراب الشرق طويلة وأنهكتني كتابتها وكادت تُودي بحياتي، ولكنني أعتقد بأنني أوصلت لحظة الألم تلك إلى القارئ، وهي لحظة ألم إنسانية قبل أن تكون عربية فقط.
--
الروايات التاريخية تحدٍ... والعرب محرقتهم تفوق كل محرقة
يتحدث واسيني الأعرج عن تجربته الروائية التاريخية فيقول:"الإشكال الأساسي هو في هذا النوع من الكتابة: كيف أكتب عن التاريخ من دون أن أظل فيه، أن أمحو ملامحه المباشرة ولا أُبقي إلا على ما يحيل إلى الحقيقة الموازية التي تشبه التاريخ ولكنها ليست هو. هذا رهين جهد الرواية وقدرته على اختراق حواجز السهولة التي كثيراً ما تقودنا نحو التاريخ وتنسينا بأننا أمام عمل إبداعي أولاً وأخيراً".
ويضيف:"كنت في مدينة بوردو لتقديم الطبعة الفرنسية من رواية الأمير، كان اللقاء في الكنيسة نفسها التي استقبل فيها القس مونسينيور ديبوش Monseigneur Dpuch الأمير عبدالقادر قبل قرابة قرنين، وكان معي في الندوة مونسينيور تسيي Tessier قس الجزائر الحالي، لاحظت للمرة الأولى كيف أن الزمن يمكن أن يختزل بسهولة وكأننا كنا نعيش زمناً غريباً، فقد شعرت بروح الأمير ومونسينيور في عمق الكنيسة يتتبعون كل حركاتنا. عندما ذكرت للحضور الكبير في الكنيسة، حوالى 500 شخص، أن جون موبي، خادم القس ديبوش، لم يرافق تاريخياً رفات ديبوش إلى الجزائر بسبب الفقر".
ويستطرد في حديثه عن تلك التجربة قائلاً:"إن الرغبة في كتابة ذلك ظلت في حدود الأمنية، وأني عندما كتبت رواية الأمير جعلته يتنقل مع الرفات ويحضر مراسم الدفن في الميناء. شخصية موبي مهمة روائياً ولكن تاريخياً لم يذكرها أحد ولا تعني الشيء الكثير للمؤرخ. الإبداع في الرواية التاريخية يلعب على المادة في الحدود التي لا تغير الحقيقة التاريخية، ولكن يعيد بناءها وفق النمط السردي الذي يختاره الكاتب".
وعن شروط تلك الكتابة يبين واسيني الأعرج"لهذا لا يكفي أن تجمع المعلومات لتكتب نصاً كبيراً، إذ عليك بعد ذلك أن تشتغل بقوة في الحقيقة التاريخية وتحفر فيها بعمق فربما استطعت أن تستخرج منها مادة صالحة لأن تكون إبداعية. من هنا فرواية الأمير هي رواية تاريخية، منشغلة بزمن متحرك يشكل فيه الحاضر لحظتنا المعاشة".
وعن قيمة التاريخ في كوننا يتساءل:"ما قيمة التاريخ في غياب الحاضر؟ هل تعتقد أن ما يسمى اليوم بحوار الحضارات والأديان ليس من انشغالنا؟ كنت أتصور أن رواية مثل هذه لا تثير انتباه القراء لثقل أحداثها ثم إن قارئنا لم يعد قادراً على تلك اللغة الواصفة، والتعامل مع التاريخ والحقائق الجديدة التي تكسر يقينياته".
وعن رضاه عن تلك التجربة يقول:"فوجئت بأن النص لاقى اهتماماً استثنائياً من طرف القارئ العربي وغير العربي. فقلت: الحمد لله، الدنيا لا تزال بخير. كنت أرى في الرواية التاريخية نوعاً غير عادل وجاحد، ولا يوجد فيها تكافؤ بين الجهد والنتيجة، فكتاب الأمير كلفني أكثر من أربع سنوات مثابرة ومتابعة ومساءلة، لكني اكتشفت أني كنت خاطئاً. الروايات تتخطانا وتصنع مسالكها ومعابرها الجميلة".
ويبشر بتكرار التجربة مع رواية جديدة فيقول:"الشيء نفسه قمت به في رواية سراب الشرق التي تتناول وضعية العرب من بداية الحرب العالمية الأولى إلى اليوم، لأنها اللحظة الأكثر قسوةً التي غيّرت ملامح الوطن العربي ومزّقته وسطرت حدوده. منذ البداية هناك نية مبيتة بإيقاف الوطن العربي من التطور وإدخاله في دائرة التمزق والحروب الطاحنة الداخلية والخارجية. لكني وجدت راحتي الإبداعية أكثر، لأن الأمر يتعلق بحقبة ولا يتعلق بشخصية بحيث تظل حذراً في ما تقوله".
ويشير في حديثه عن مشروع روائي كبير:"الرواية كما تعرف تدخل في إطار مشروع كبير تبنته دولة قطر بتأسيس جائزة قطر العالمية للرواية التي انتخب لها ستة روائيين من العالم العربي و"الأوروبي والأنغلو- ساكسوني"روايتي الأخيرة وهي ثالث رواية تاريخية في السنوات العشر الأخيرة والتي تحمل عنوان:"سوناتا لأشباح القدس"والتي خصصتها لمحرقة من نوع آخر يذهب ضحيتها الفلسطينيون. تخرج الرواية عن الخطاب السياسي المهيمن وتقرأ الحقبة من موقع فكرة العودة بمعناها الأكثر إنسانيةً. لست ضد فكرة العودة، ولكن العائد يعود إلى أين؟ يعود محملاً بالأشواق لرؤية أرض لم تعد موجودة وكل ما فيها تغير، الأرض، القبور، الوجوه، ما كان أملساً أصبح محدودباً وما كان مسطحاً أصبحت العمارات تخترقه، إذ لا أنت في البلد الذي استقبلك ولا أنت في وطنك؟ ولهذا تطالب البطلة بحرق جسدها وبعثرته رمزياً في أماكن طفولتها في القدس". ويضيف أيضاً:"للرمز حضور كبير، تنتهي المؤسسة العسكرية الظالمة يوماً ولكن الرمز يظل حياً. إسرائيل تفطنت إلى ذلك في وقت باكر وكل عملها هو على الرموز. الفلسطيني اليوم هو سيد اللامكان! أليست هذه محرقة من نوع أكثر قسوة من المحرقة المعروفة؟ كيف ينتج ضحية المحرقة، محرقة من نوع أسوأ؟ طبعاً خرجت من السياسة وتناولت الموضوع من جانبه الإنساني.
هذه وسيلتي لإقناع القارئ عربياً كان أو غير عربي. واشتغلت على فنانة فلسطينية رسامة تعيش في أميركا لدرجة أن تصبح أميركية معروفة في كل الأوساط الفنية ولا يستيقظ فيها هاجس العودة إلا مع الموت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.