النقد الذي توجهه المنظمات الحقوقية الدولية للمملكة العربية السعودية بشأن حقوق الإنسان، يغفل في كثير من فقراته ثقافة المملكة كدولة عربية إسلامية، وما يفرضه ذلك من حدود في التعاطي والتفاعل مع النقد الموجه من هذه المنظمات، وهو ما يجعل من الصعب الاعتماد عليه بدقة في تقويم واقع حقوق الإنسان في السعودية، الذي ينبغي أن ينظر إليه ضمن محيط الإنسان السعودي، وما يحويه من دلالات ثقافية شكلت الرؤية الدينية مجمل بنودها، إضافة إلى الثقافة الاجتماعية السائدة. المعايير الغربية بسبب هذا الإغفال ترتكز في تقويمها على أجندتها الخاصة، المستمدة من واقعها ومحيطها الذي نشأت فيه ووجدت لمعالجته، وهي لذلك قد لا تتفق بالضرورة مع ثقافة الإنسان السعودي، وقد يكون ذلك أحد أسباب الرأي الذي خلصت إليه النائبة في البرلمان الأوروبي رامونا نيكول مانيسكو، في حوارها مع صحيفة"الحياة"، الذي نشر بتاريخ 5 - 11 - 2008، الذي تضمن نقد النقد الذي توجهت به هذه المنظمات نحو المملكة، واعتبرته لا يحقق الأهداف المرجوة منه في ظل التطور الملاحظ في مجال حقوق الإنسان في المملكة، وهو ما يؤدي الاستمرار فيه إلى نتائج عكسية، بحسب ما ذكرت النائبة، والذي يعبر عن حيادية في الطرح إلى حد كبير تدعمها شواهد كثيرة. فبالنظر إلى الواقع نجد أن هناك العديد من المؤشرات التي تدل دلالة واضحة على تطور حقوق الإنسان في السعودية، ومنها حق التقاضي الذي شمل مناحي أكثر اتساعاً وشفافية مما كان عليه في السابق، حيث كانت تحول دونه بعض الأسباب الدينية والاجتماعية، متمثلة في العادات والتقاليد، فأصبح يتناول قضايا أكثر مساساً والتصاقاً بواقع المجتمع بحاجاته، وأكثر تعبيرية عن حال الإنسان وإنصافاً لحقوقه وقضاياه التي كانت تعالج غالباً خارج أورقة المحاكم، ما يفاقم المسائل ويزيد تعقيد المشكلات، ويسهم في تعزيز انتقاص حق الإنسان في الحصول على الحكم العادل عبر المحاكم والتعبير عن حقه في التقاضي. نموذج المرأة السعودية يعتبر أيضاً مؤشراً مهماً ومحورياً حقق نقلة فريدة في مجال حقوق الإنسان في السعودية، فقد استطاعت المرأة السعودية إثبات وجودها والحصول على حقوقها في جميع مناحي الحياة، في التعليم والعمل، إضافة إلى حق التقاضي، خصوصاً في ما يتعلق بالأحوال الشخصية وما له من أهمية في تقويم وضع المرأة اجتماعياً، ومعالجة ما يعترضها من مشكلات في هذا المجال وغيره، وأصبحت هذه الأمور من الأساسيات التي تناقش على طاولة الحوار، بعد أن كانت من الأمور الثانوية، بل والمحرمة لدى بعض الشرائح الفكرية، وبطالة المرأة أحد الشواهد الجلية على ذلك، فبعد أن كانت من القضايا الثانوية التي لا تشكل قلقاً ولا يلتفت إليها باعتبار أنها - بطالة المرأة - وضع طبيعي تفرضه أهمية بقائها في المنزل، إلا أنها أصبحت حالياً على رأس الأولويات، وتناقش جنباً إلى جنب مع معضلة بطالة الرجل، وإن كان الواقع لا يمنع من الاعتراف بأنها الأولى في المعالجة والأكثر خطورة. ويظل المؤشر الحقيقي الذي يقاس به تطور حقوق الإنسان والدرجة التي يسير بها قدماً هو تطوير التعليم، باعتباره الحق الأول للإنسان الذي يكفل له بناءً فكرياً سليماً يضمن له حياة خالية من الانحراف الفكري الذي يقوده إلى الإرهاب، حياة سوية في مستقبله ومستقبل الأجيال التي تليه، وكشاهد على هذا الاهتمام والتطور الملموس هو مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، الذي يعول عليه في بعث التعليم من رفاته ووضعه في سياقه التنموي المفترض، إضافة إلى النقلة النوعية في التعليم العالي، التي شهدها هذا القطاع في السنوات القليلة الأخيرة، التي تمثلت في تطوير الجامعات وإعادة تشكيل بعضها، وإنشاء جامعات جديدة على أفضل المستويات التعليمية التي تحتاجها سوق العمل السعودي. لا يخفى دور الإعلام الذي أسهم إسهاماً فعلياً لا غبار عليه في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، عبر الإشادة بملامح التطور والنقد البناء لأوجه القصور، والتركيز على قضايا تمثل واقع المجتمع وتحيل إلى ما يحتاج من إضافات وتغييرات تصل به نحو التطور المنشود، إضافة إلى دوره في توعية المواطن بما له وما عليه من حقوق وواجبات، في ظل هذه الظروف السياسية والاقتصادية العالمية الصعبة التي تحيط بالإنسان، تصبح عملية التفكير في تمكين الإنسان من حقوقه تحدياً كبيراً لهذا الواقع المعقد، إلا أن المؤشرات التي نستشرف من خلالها واقع حقوق الإنسان في السعودية، تثبت أنها تسير قدماً من دون أن تتأثر بهذا الواقع وهذه الظروف، وتؤكد أن الإنسان السعودي يسير نحو الطريق الصحيح لبناء حضارة متماسكة [email protected]