صدر الحكم أخيراً ويقضي بتحديد إقامتي في البيت مدة ثلاثة شهور. التهمة شغب ومشاركة في إعداد التظاهرات ضد نظام الحكم. خرجت من الحبس. الشرطي الذي سيرافقني كان في انتظاري، شديد النحول وتجاعيد رفيعة منتشرة على رقبته الطويلة الشبيهة برقبة الأوز. ركبنا الأوتوبيس واتجهنا الى البيت. مفتاح الشقة معه استلمته من الأمانات حيث احتفظوا بأشيائي لحين خروجي. فتح الباب وتنحّى جانباً حتى دخلت، تبعني وأغلق الباب بالمفتاح، واحتفظ به في جيبه. تجول في الشقة، فتح أبواب الحجرات الثلاث ودورة المياه ونظر داخلها، حدّق من خلال النوافذ إلى الخارج ثم واربها. كنت واقفاً في الصالة أتابعه، دخل حجرة الضيوف وعاد حاملاً حصيراً ومخدة ولحافاً وبطانية. أعدّ فرشته خلف باب الخروج. قال: «حانام هنا». بحثت عن «السبت» وقبل أن أدليه قلت إنني سأطلب سندوتشات فول وطعمية وشاياً وسكراً. وسألته إن كان يريد شيئاً آخر؟ قال: سجاير كليوباترا ناديت البواب من النافذة، ووضعت نقوداً في «السبت» ودليته. جلست على مقعد غير بعيد منه. سألته: والزوار؟ ممنوع. بعد أن تناولنا عشاءنا، تربع على فرشته يدخن سيجارة. كان يتثاءب ويقاوم النوم. في النهاية سألني: موش حاتنام؟ آه. توجهت إلى غرفة النوم. قال: سيب الباب موارب. ليه. عشان أبص عليك. وممنوع الكلام أو الرسائل من الشباك. في الصباح وجدته يشرب الشاي ويدخن السيجارة متربعاً على الفرشة. قلت: حادخل الحمام. أسيب الباب موارب؟ رمقني بنظرة متمهلة ولم يرد. وكنت واقفاً أنظر من الشباك إلى الشارع، والمقهى أمامي. قلت: آه والله. كنا قعدنا شوية في القهوة. ندخن شيشة. ونفطر سجق من العربة الواقفة جنب الرصيف، قلت إيه؟ نهض. نظر من الشباك إلى الاتجاهين. قال: ماشي. غيّرنا ملابسنا وخرجنا. اختار مكاناً خارج المقهى. بعيداً من الزبائن المنتشرين أمامها، ربما كان الكثيرون منهم وصاحب المقهى على علم بما يجري معي، كنت زبوناً شبه دائم له. يستقبلونني بتحيات مرتفعة الصوت، الآن يتجاهلون دخولي، وصاحب المقهى يدير وجهه إلى الناحية الأخرى. قلت لنفسي: فيهم الخير. بعد أن أخذنا جلستنا عدنا إلى الشقة. قال بعد دخولنا: المكان عايز تنظيف. ونجيب منين اللي تنظف؟ عندي. عندك ازاي؟ مراتي. مراتك؟ آه. تنظف البيوت. عندها كام شقة. وأصحابها مستريحين لها، آهي تساعد. العيشة صعبة. وأولادك يقعدوا مع مين؟ معنديش. اللي تشوفه. أبعت جواب صغير لها مع الواد اللي بيشتغل في القهوة. واديه قرشين أجرة الأوتوبيس وتعبه. كتب الجواب لامرأته وعنوان شقتي وشقته. وضعته في «السبت» ودليته للبواب. وقفنا بالنافذة، ورأيناه يعطي الخطاب لصبي المقهى الذي رفع رأسه وأومأ موافقاً. جاءت في الظهر. امرأة سمينة في منتصف العمر. قال الحارس: نقعد في القهوة لغاية ما تخلص. جلسنا في المكان السابق نفسه. وكنا نتناول سندوتشات السجق حين أشار برأسه إلى الشقة. طلبت بعضاً منها وأرسلتها لامرأته مع البواب. بعد ساعتين نظرت من الشباك، فصعدنا إلى الشقة. كل شيء مرتب ونظيف. كانت ترمقني تنتظر ما أقول. قلت: تسلم ايدك. في الليل قضيا سهرتهما أمام التلفزيون يشربان الشاي ويتسليان باللب. كنت أقرأ كتاباً في غرفتي بعد أن استأذنته في إغلاق بابها، أومأ موافقاً. في الصباح وجدتها صاحية تشرب الشاي وتأكل ما تبقى من طعام العشاء. أشارت برأسها إلى غرفة الضيوف: لسه نايم. حايصحى متأخر. أصله سهر مع التلفزيون. باقولك إيه؟ وابتسمت خفيفاً: أنا ما أقدرش أنزل. تنزل أنت. تشتري شوية حاجات، ولو صحا حاقوله أنني اللي قولت لك تنزل. أومأت ساكتاً. قالت: تشتري لي فوطة وشبشب، شوف الشبشب اللي في رجلي شكله ازاي. أنا موش عاجبني الأكل اللي بتاكلوه. هات ورقة وقلم واكتب اللي أقول لك عليه علشان ما تنساش حاجة. أحضرت ورقة وقلماً. قالت: عايزة مسحوق غسيل عشان الهدوم. وجوزي بيحب السمك المقلي. وأنا كمان. تشتري لنا سمك. وبالمرة تذوق أكل ايدي. وماتنساش الطرشي. وزيت. ورز. وبصل أخضر. كتبت؟ وصابون بريحة. الصابونة اللي هنا نشفت وريحتها موش حلوة. سكتت. استدرت لأخرج. جاءني صوتها: ولو منديل رأس حلو كده على ذوقك. خرجت. وسمعت الباب يغلق ورائي.