لم ينف أعضاء في مجلس الشورى قلقهم من تنامي ظاهرة ارتفاع مبالغ الديات"التي خرجت عن إطارها الشرعي وصارت متاجرة بدماء الناس". إلا أن هؤلاء أكّدوا في حديث إلى"الحياة"عدم جدوى تدخل مجلس الشورى للحد من هذه الظاهرة،"كونها مرتبطة بعادات وتقاليد قبلية"، مشددين على أن الحل يبدأ ب"توعية القبائل والعائلات بخطورة هذه الظاهرة وأنها ليست من الدين في شيء". وقال رئيس لجنة الشؤون الإسلامية في مجلس الشورى عازب المسبل إن مجلس الشورى لم يناقش ظاهرة"ارتفاع الديات"، وأضاف:"لكن المجلس مستعد لبحث هذه المشكلة إذا ورد إليه طلب من المقام السامي بهذا الشأن، أو في حال أرسلت عريضة من أية جهة إلى المجلس". وأشار إلى طريقة ثالثة لدرس هذه المشكلة،"وهو أن تتبناها بعض اللجان في المجلس". ورأى أن هذه"الظاهرة يجب أن يتم الحد منها لما فيها من تكليف على أولياء القاتل، الذي قد يكون ارتكب جريمته من دون أن يتعمد قتل الضحية"، مبيناً أن الديات المرتفعة تدفع كثيراً من الأسر إلى بذل كل ما تملك في سبيل توفيرها. وطالب ب"تحديد سقف أعلى للديات للحد من ارتفاعها"، معتبراً أن الديات الهدف منها إرضاء الله وليس تعجيز أسرة الجاني وتحميلها ما لا تطيق. واعتبر عضو مجلس الشورى اللواء متقاعد محمد أبو ساق"ارتفاع مبالغ الدية متاجرة بدماء الناس". وقال ل"الحياة":"ثمة سماسرة دم اختلطوا بأهل الخير والشرفاء في وفود العفو ورفعوا الديات إلى عشرات الملايين". وأكّد أبو ساق أن هذه المشكلة"لها ضرر كبير على قيمنا وأخلاقنا وليست من الدين"، لافتاً إلى أنها أحرجت بعض القبائل والأسر"ودفعتها إلى طلب العون من الآخرين". وأضاف:"للأسف هذا الأمر تحول إلى ظاهرة، ويجب أن تبذل الجهود للحد منها والقضاء عليها، بتعاون بين الدولة وشيوخ القبائل"، مشدداً على ضرورة أن تعود الديات إلى حجمها السابق،"بعض الأسر تعاني نتيجة ارتفاع الديات التي ألزمت بتوفيرها لإنقاذ أبنائها من القتل". وعن طرح هذه القضية في مجلس الشورى قال أبوساق:"هذه الظاهرة الاجتماعية تطرح ضمن المداخلات الافتتاحية من فترة إلى أخرى ، لكنها لم تطرح كمشروع متكامل". من جانبه، اعتبر عضو مجلس الشورى أحمد آل مفرح"أن ارتفاع مبالغ الديات قضية اجتماعية كبيرة ومقلقة وخرجت من إطارها الذي حددته الشريعة الإسلامية"، مبيناً أنه لا يعتبر هذه المبالغ الكبيرة التي تدفع لقاء العفو"دية شرعية". واستبعد آل مفرح طرح هذه القضايا في مجلس الشورى. وقال:" لا أظن تقنين مثل هذه القضية من خلال مجلس الشورى سيكون لها مردود، والتدخل فيها من المجلس أعتقد أنه غير مناسب". وأضاف:"هذه القضية يمكن طرحها للنقاش في المجلس فقط شريطة أن لا توضع تشريعات لها تفرض على الناس". وتابع:"المجتمع السعودي قبلي ودور القبيلة في هذه القضايا مهم، لذا على وجهاء القبائل أن يلعبوا دوراً أساسياً في توعية وتثقيف الناس بخطورة هذا الأمر". وأوضح،"أعتقد أنه من المناسب بحث هذا الأمر في مجالس المناطق بحضور شيوخ القبائل والخروج بتوصيات من شأنها الحد من هذه الظاهرة". واعتبر"أن أسباب عدم تبني بعض أعضاء مجلس الشورى لهذه القضية هو أنها تعتبر من الأعراف والتقاليد لدى القبائل السعودية، وأنه من غير المناسب أن يتبنى مجلس الشورى مثل هذه القضايا، ويجب أن يبدأ الموضوع على مستوى القبائل والمناطق في توعية العوائل، وتوضيح ما شرع الله في الدية، وحينها فقط يمكن للمجلس أن يلعب دوراً". وطالب عضو مجلس الشورى بتوعية وتثقيف العوائل من خلال إقامة ندوات ومحاضرات تعرف" بأبعاد هذه القضية وضررها على المجتمع". من جانبه، أشار الباحث التربوي في جامعة ليدز البريطانية خالد الحماد إلى ما نشرته صحف محلية قبل شهور حول توزيع استبيان على 35 قاضياً في المحاكم السعودية لأخذ رأيهم في انتشار ظاهرة ارتفاع الديات. وأضاف في حديث مع"الحياة":"هذا الأمر يعني استشعار خطورة هذه الظاهرة، ونرجو أن يتم عرض نتائج الاستبيان على مجلس الشورى كما هو معلن ليبحث في حلول لهذه المشكلة بالتنسيق مع هيئة كبار العلماء". ورفض الحماد محاربة ظاهرة"الجاهية"المتفشية بين القبائل السعودية وقال:"يصور في الذهنية العربية الإنسان المتسامح والساعي لحل المشكلات بأنه"بطل"، وهذا أمر جيد ويأتي في إطار خدمة الأمن الاجتماعي".