خاضت الأقلام وكتب الأدباء والمؤرخون كثيراً عن الملك فيصل بن عبدالعزيز"رحمه الله"، ولكن مثل شخصية"الفيصل"لا توفيها عشرات المؤلفات والمقالات حقها من البحث والتحليل، لأن المزايا والنواحي العظيمة التي تنوعت في هذه الشخصية ليس من السهل إشباعها بحثاً، وبقدر ما يكتب الكاتبون عنها، يشعر القارئ بأن كلاً منهم يسير في اتجاه غير الذي يسير فيه الآخر، وان كلاً منهم يعبر عن آراء وخواطر لا يعبر عنها الآخر، علماً بأن الشخصية واحدة، والمزايا واحدة، ولكن السر هو العظمة في هذه المزايا وفي هذه الشخصية. كنت أتمنى أن تكون لي جولات دائمة في ميدان القلم لأكتب ما يجيش في نفسي تجاه الملك فيصل، مقترناً ما أكتبه بما أعلمه وأحفظه من الأمثلة والحوادث، نقلاً عن والدي، نعم فليس هناك من لا يعجب بالملك فيصل، وبشخصيته الفذة النادرة، لا في جيلنا فحسب بل في سائر الأجيال، لأنه أولاً مؤمن بالله وبالحق العربي الإسلامي، ثم لأنه شجاع مقدام، رابط الجأش، وعادل يريد أن يؤسس مؤسسة على قواعد ثابتة لا تزعزعها الفتن والاضطرابات، ثم أنه عندما يستتب به أمر ما، فهو يعفو عمن أساؤوا الظن به، ثم يكرم معاملتهم لأن في أخلاقه الإحسان والطبع الكريم. وإذا تصفحنا سيرة"الفيصل"منذ أول يوم تولى فيه حكم المملكة إلى يوم وفاته، فسوف نجده في هذه السيرة كلها شخصية واحدة، ميزتها الأولى تقوى الله، فهو يخاف الله في كل شيء ولا يتصرف ولا يحكم ولا يأمر ولا ينهي إلا على أساس ما يشمل ويعتقد أنه هو الحق الذي يرضي الله، فمن المستحيل ان يتحكم الباطل أو الغرض أو الهوى في تصرفاته وأوامره وإجراءاته، وتلك مسألة لا يختلف فيها اثنان. ومن كان هذا شأنه فهو ملك عادل. وهو شجاع مقدام في سياسته وحسن تصرفه، يقر له بذلك كل من عرفه، وحتى خصومه لم ينكروا أنه سياسي من الدرجة الأولى في علاقته وإرادته القوية مع الدول العربية والإسلامية ثم الغربية، لذلك توافرت للملك فيصل الشخصية التي لا يسع كل إنسان، مهما كان عظيماً أو مؤرخاً أو عدواً أو صديقاً من الشرق أو من الغرب، إلا ان يحترم هذه الشخصية وبأسها القوي في كل مظهر من مظاهرها، التي لا يتكلف فيها شيء غير طبيعي وأصيل أياً كان زائره ومحدثه من دون تفريق، وليس ذلك إلا لأن شخصيته القوية فيها ما يغنيه عن أي مظهر يتصنعه ويلبسه عند اللزوم كمعظم الشخصيات في كل عصر وجيل. مثل هذه الشخصية، كيف لا تعجز أقلام المؤرخين والمؤلفين والشعراء عن إعطائها حقها من البحث ومن التحليل مهما كانت هذه الأقلام بارعة في فنون الكلام، ليتني استطيع أن أساير قلمي فأكتب لأعبر عما أكنه من إحساس تجاه الملك فيصل الذي أفخر أن أكون شاهداً وتلميذاً من عهد ومدرسة"الفيصل"... رحم الله الملك فيصل وأسكنه فسيح جناته. [email protected]