ليس غريباً علينا أن نسمع أصوات مكبرات الصوت وهي تنادي بين الأحياء والشوارع"رضيع تائه يا ولاد الحلال، رضيع كان نايم في أمان الله في حضانة مستشفى حكومي"... أنشودة كالتي نسمعها كثيراً في الأفلام المصرية وتحققت على ارض الواقع، بأن هناك رضيعاً مفقوداً تم خطفه من مستشفى حكومي، فبعد حادثة يعقوب وعلي الشهيرة، التي انتهت بأن أصبح كلا الطفلين سفيراً للنوايا الحسنة، ونذيراً من الأخطاء البشرية الفردية، لا نندهش ولن نفتح أفواهنا استغراباً من استمرار المشكلات والأخطاء الفادحة التي يكتوي بنارها المواطن من أم وأب وطفل، والغريب أن يصرح مسؤول أعيته الحيلة بأن الممرضة المسؤولة عن قسم الحضانات"جديدة وما زالت تعيش تحت الصدمة"! لسنا هنا بصدد إدانة الممرضة ولا إدانة المسؤول، إذ يجب أن نفيق كلنا من الصدمة، لنضع إجراءات صارمة للحفاظ على المواليد، ولضمان عدم اختفاء الرُضع، علينا أن نضع قوانين صارمة تقضي بعدم السماح"لإحداهن"بالدخول إلى غرفة الحضانات في ظل انشغال الممرضات المسؤولات، وفي ظل وضع ممرضات حديثات عهد بالعمل في قسم خطير كقسم حضانة الأطفال، علينا أن نفهم أن ما يضيع منا كمجتمع هو مولود ينتمي إلى أب وأم حلما كثيراً باحتضانه، مولود ينتمي إلى أم يتفجر اللبن الحاني من ثدييها بانتظار شفتيه الجائعتين، وحلمت أن تأخذه بين أحضانها لتنسى آلام الولادة، ولكنها بضياعه منها لم تجد غير خياله في المخدة الصغيرة، التي كانت تتمنى أن تستنشق رائحته العطرة فيها! ألم يئن الأوان لنتعلم ونعي وندرك ونفهم أهمية الانضباط، ألم يئن الأوان بعد كل هذه الحوادث المقيتة أن ننتبه إلى أننا قصرنا ونقصر وسنقصر أكثر، إذا ما سمحنا باستمرار هذه المهزلة؟ كيف ستعود هذه الأم الملتاعة إلى بيتها من دونه لتواجه بسؤال يخنق: لماذا لم أجده وأحضنه وأقبله وأرضعه، ومن سينام في مهده الذي أعددته له، ومن سيلبس الملابس الزرقاء التي اشتريتها له، لماذا يمزق قلبي الحزن عليه، ولماذا أخرجته إلى الدنيا قبل أن تتلقفه يدي، وقبل أن تتكحل عيناى برؤيته؟ ربما عليك أن تنتظري طويلاً يا أم الوليد قبل أن نفكر في وضع كاميرات مراقبة في كل مكان، ربما عليك أن تنتظري طويلاً، لأننا ما زلنا نرى بعض موظفات المستشفيات يسرن من دون تعريف رسمي يوضح وظائفهن، وربما عليك أن تكبتي ألمك وحيرتك ولوعتك وآهاتك الطويلة! واحمدي الله كثيراً بأن زوجك يشعر بك ووضع بنفسه، وليس المستشفى التي أتاحت لضناه أن يُختطف بين أسوارها، جائزة مغرية قيمتها 150 ألف ريال لمن يدل على رضيعكما الذي لم تهنآ بقدومه، ولم تشاهداه بعد، لأن يداً خبيثة امتدت إليه واختطفته من مستشفى حكومي في وضح النهار! ربما تتمنين الآن أن ترجعي بالوقت قليلاً إلى الوراء لتحلمين لو كانت الحياة شريطاً باستطاعتك أعادته لتعيدي تمثيل الدور الذي كان، ولتفكري ألف مرة ومرة قبل أن تفكري في الولادة خارج أسوار بيتك يا أم الرضيع التائه!! ولك الله يا مرزوق!!! [email protected]