لو كنت مسؤولاً في إحدى كليات الإدارة العامة بجامعات المملكة، لأنشأت ورشة كتابية تكون مهمتها تأليف كتاب أكاديمي يدخل ضمن متطلبات التخرج لطلبة الإدارة العامة، يتناول تجربة الأمير سلمان بن عبدالعزيز في الإدارة، من حيث بناء الاستراتيجيات العامة وتنفيذ الخطط وقطف النتائج... أما لماذا؟ فلسببين رئيسين يندرج تحتهما أسباب فرعية كثيرة: الأول: يتمثل في أننا نستدعي الحال الأجنبية دائماً في مناهجنا الدراسية، حينما نحتاج لضرب المثل لإثبات قانون علمي أو نظرية تجريبية معينة، ونغض الطرف عن التجارب الوطنية الخالصة، بحجة أن المثال يجب أن يكون مجلوباً من بلد النظرية! وهذا مسلك تعليمي خاطئ بلا أدنى شك، لأنه يعلّق المُعلم والمتعلم دائماً ب الآخر- الغربي تحديداً ملغياً بذلك روح الابتكار، وفاتحاً الباب لتكريس التبعية التي تأتي دائماً مرادفة لاستجلاب تجارب الآخرين وخلاصة أفكارهم. والثاني: يخص تجربة الأمير سلمان بن عبدالعزيز نفسها في الإدارة، فطريقته في إدارة منطقة الرياض كحاكم أعلى لها، يعتبر بكل المقاييس العلمية النظرية والتجريبية إلهاماً لمنظري علم الإدارة، ليس على المستوى الوطني فحسب، بل على المستوى العالمي. إن المنهج السلماني في الإدارة ولنسمه قاموسياً ب"Salmanism"يمثل مفهوماً جديداً في الإدارة، اجتمع فيه الحزم بالحنو، والشدة باللين، والثواب بالعقاب، والمرونة بالصلادة والتفويض بالمركزية، وفوق كل ذلك وأهم منه أن هذا المنهج ممتزج تماماً بالمقصد الرئيس من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته". إضافة لذلك فإن هذا المنهج متشكل من خلاصة أفعال وأقوال وأفكار الأمير سلمان، وبذلك فإنه قالب علمي مبني على نتائج علمية صحيحة تحققت تحت ظروف التجربة، ويستطيع الراصد المتبع لتجربة الأمير سلمان الإدارية الخروج بعدد من التصورات والانطباعات ومنها: - قدرته الفائقة على حفظ التوازن الاجتماعي في منطقة تكاد تكون أكثر المناطق السعودية تنوعاً في تركيبتها السكانية، وطريقته الفذة في معالجة المشكلات الاجتماعية، اعتماداً على منهجه الإداري الرائع، الذي لا يكسر عرفاً قبلياً ولا مفهوماً قروياً متعارفاً عليه. - علاقاته المميزة مع الأهالي والتي تتضح في استقبالاته اليومية لهم في ديوانه في إمارة الرياض، وكذلك من خلال جولاته شبه الليلية على مستشفيات مدينة الرياض لعيادة المرضى من الوجهاء والأعيان وكبار مسؤولي الدولة. - متابعته اليومية الدقيقة للمشاريع التنموية في منطقة الرياض. - اهتمامه الكبير ودعمه اللامحدود للجمعيات الخيرية التي تعتني بالمعوزين وذوي الحاجات الخاصة. - حرصه الدائم على استتباب الأمن ? الذي هو سبب كل تقدم ورخاء ? بشكل يوحي للمراقب بأن العمل على ضبط الأمن هو المهمة الرئيسة والشغل والشاغل له. - إشرافه المباشر على كل مفاتيح المنطقة الرئيسة كأعلى سلطة هرمية، وتفويضه من ينوب عنه في القطاعات كافة بصلاحيات كبيرة تتيح لمن هم تحته في التسلسل الهرمي، الابتكار والابتداع الإيجابي الذي يصب في مصلحة المواطن، ولا يخالف الخطوط الرئيسة للمنهج السلماني. - حرصه الشديد على الالتزام بمواعيد الدوام الرسمية، وفي هذا زرع مبدأ القدوة الحسنة في نفوس موظفي الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء. - رؤيته الثاقبة والحكيمة والخبيرة التي تعطي لصناع القرار العاملين تحت إمرته القدرة على استلهام النتائج قبل وضع حجر أساس البدايات. - طريقته في إدارة الأزمات، والتي لا تقف فقط عند احتواء الأزمة، بل تتعداها إلى رفع آثارها بشكل يشي بعدم حصولها أصلاً. - اهتمامه الكبير بوسائل الإعلام وبما تنشره وتذيعه يومياً، وكأني به يعتبرها عيناً ثالثة له. طريقته الفذة في التعامل مع المخطئ الذي نشد الصواب فأضاع الطريق، وذلك من خلال احتوائه وتبيان خطئه له بشكل لا يهين ولا يجرح، وطريقته المقابلة في التعامل مع المخطئ الذي أراد الخطأ ظلماً من عند نفسه فوقع فيه حراً مختاراً، وذلك من خلال الوقوف أمامه كخصم تحت كلمة الله ثم حق الوطن. في الحالة الأولى هو أبٌ وأخ كبير يلفه العطف والرحمة، وفي الحالة الثانية هو مدافعٌ عن الحق والوطن تحيط به الهيبة والصرامة من كل جانب. حرصه التام على إبراز ثقته في المواطن في كل سانحة، الأمر الذي انعكس إيجاباً على نفوس المواطنين، وجعلهم يحرصون على ألا تُخدش الصورة التي يحملها ولي الأمر عنهم. إن العمل على جمع محددات التجربة السلمانية أو المنهج السلماني في الإدارة في منهج أكاديمي يدرّس لمن سيحمل هم الإدارة في وطننا مستقبلاً، سيجعل من التجربة الفردية الناجحة حالة جماعية تسير بالوطن على طريق الخير والرخاء، خصوصاً أنها، إضافة إلى إمكان تطبيقها عالمياً في مختلف الظروف والثقافات، تكتنز في جزء واضح منها تجربة ذات خصوصية سعودية خالصة. النظريات والقوانين والتجارب والخلاصات السلمانية تُطبق الآن يومياً على أرض الواقع، وقد حان الوقت الآن، والآن تحديداً لإنزالها على الورق لتبقى مشعلاً يضيء دروب السائرين من بعدنا. * إعلامي سعودي