* أنحاء - السعودية في أقل من 100 يوم منذ توليه الحكم، حسم الملك سلمان حاضر ومستقبل السعودية لصالح الأجيال الجديدة بعشرات الأوامر ملكية. ترقية الأحفاد إلى موقع الصدارة والحُكم يتوافق تماماً مع المنهج الرباني في التنزيل الحكيم الذي يحسم التطور والتغيير لصالح الأبناء والأجيال القادمة دائماً، فالأيآت الكريمة تجمع على إستنكار "الإبائية"، ذلك المفهوم الذي يرفض التطور والتغيير بسبب الغرق في الماضي وبحجة العادات والتقاليد والخلط بين الثابت والسائد، وأن الأباء كانوا على ملة وطريقة ويجب السير عليها. جمع الملك سلمان بين حكمة وخبرة الأباء وبين ديناميكية وإبتكار الأبناء. لقد جادلنا سابقاً بأن "الحزم" هو المنهج "السلماني" (Salmanism) الذي لا يقتصر على عملية عسكرية، بل منهج مستمر ومتواصل في الكثير من شئون الحكم والإدارة. السؤال الذي نطرحه هنا: ماهو السبب الذي جعل الكثير من الشعب السعودي ينتظر أمام شاشات التلفزيون حتى ساعات الفجر الأولى لمعرفة ماهية الأوامر الملكية؟ الجواب من وجهة نظرنا هو الحرص والإطمئنان على حاضرهم ومستقبلهم. المنهج السلماني يعتمد على رؤية سلمان التي تقوم على سؤال واحد: كيف يتمنى الملك سلمان أن يرى المواطن السعودي (ذكر وأنثى)؟ هكذا ببساطة. قلنا ببساطة ولم نقل بسهولة. المواطن، والشعب، والمجتمع في الداخل هو الأساس لرؤية كل حاكم في الشرق أو الغرب، في الماضي أو الحاضر، وما عداه فروع ووسائل وليست غاية وأهداف. السؤال الآنف الذكر هو "المفتاح" لتلك الرؤية "السلمانية" لترجمتها في إستراتيجية وطنية وخطط واضحة وقاطعة ومحددة في النتائج. هكذا فعل كل قادة العالم الذين يشهد لهم التاريخ في تنمية بلدانهم وشعوبهم، وفي ذلك عدد من التحديات بعد السؤال والإجابة: التحدي الأول، تحويل رؤية الملك إلى إستراتيجية وطنية شاملة وواضحة المعالم وإخضاعها الى حوار مجتمعي مكثف وشفاف ومن ثم تعديلها إن تطلب الأمر ذلك ثم إعتمادها. التحدي الثاني، هو توزيع مجالات الخطة الإستراتيجية على الوزارات والمصالح الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع ورصد تمويلها. التحدي الثالث، هو مراقبة تنفيذ تلك الرؤية بالجودة اللازمة في الوقت المحدد. أما التحدي الرابع فهو الشفافية المتناهية مع المجتمع في النجاح والفشل بشكل دوري. تتعدد وتتنوع التحديات التي تواجه السعودية في الداخل والخارج، لكن التحدي الأكبر هو في التوازن بين الإهتمام بالخارج والإعتناء بالداخل. لقد جادلنا في أكثر من مقال بأن التنمية الداخلية في كافة المجالات لها الأولوية القصوى بنسبة لا تقل عن (80٪) من الجهد والوقت والمال. الأحداث الخارجية هامة ويجب التعامل معها والتفاعل بها ولكن بقدر يحفظ للداخل أهميته ومكانته. المحيط الإقليمي والدولي مضطرب لأسباب كثيرة ومتنوعة وسيضل كذلك لحقبة ليست بالقصيرة وقد يكون من الحكمة التركيز على منع الداخل من الإضطراب. الإضطرابات الإقليمية والدولية محكومة بعناصر كثيرة لا نملك من أدواتها سوى النزر اليسير وبالتالي فإن قوة التأثير ستكون بالضرورة أقل وأضعف. أما الإضطرابات الداخلية فنحن نملك معظم أدواتها وعناصرها ويمكن للدولة والحكومة بقرارات سليمة وحكيمة أن تبقي كثير من القضايا في الداخل تحت مستوى التحدي وعدم تطورها إلى مستوى الأزمة. في الداخل السعودي تحديات قديمة وأخرى إستجدت، ومالم يتم التعامل معها بحزم، ستتراكم وتتعقد وتنتقل إلى مستوى الأزمة. وأول تلك التحديات/ الأزمة، على سبيل المثال لا الحصر، هي البطالة، البطالة، البطالة فهي "جدة الكبائر" ومن دون حل لهذه المعضلة ستضل السعودية تعاني من إختناقات إجتماعية وإقتصادية وسياسية. جميع الجهود التي بذلت قبل هذه الساعة كانت قاصرة جداً ولم، ولن تؤدي إلى حل جذري لمشكل البطالة وبالتالي فإن جميع الأموال التي صرفت والوقت الذي تم إهداره، ذهبت مع الأسف أدراج الرياح. التعليم والإسكان والرعاية الصحية كلها تأتي في الدرجة الثانية بعد حل أزمة البطالة. التعليم وسيلة تؤدي إلى غاية، بينما العمل في حد ذاته غاية عظمى قد يأتي بالتعليم او من دونه. الإسكان مهم جداً، لكن توفر سكن لفرد عاطل أمر في غاية التنافر مع المنطق. لا يمكن للجهود الوطنية أن تتضافر إلا بإستراتيجية وطنية شاملة تترجم رؤية واضحة حول مستقبل المواطن وأبناءه والأجيال القادمة. لا نقصد بالإستراتيجية الوطنية، تلك الخطط الخمسية التي تم تسويقها في الماضي ولم تؤت أكلها، بل إستراتيجية في كيف ومتى سيتم الوصول إلى هذا المواطن السعودي الذي يراه ويتمناه الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. لقد تأخرنا كثيراً وكاد اليأس والإحباط أن يتملكنا، لكننا ضللنا متمسكين بالأمل، وها نحن نرى بوادر عزيمة وإرادة لإعادة وتقوية الأمل للشعب السعودي في مستقبل مشرق بإذن الله. أخيراً، جميع الأوامر الملكية التي صدرت في ال (100) يوم الأولى تصب في إصلاح نظام الحكم والنظام الإداري الحكومي وبالتالي فكلها تصب في مصلحة الوطن. ليس هناك أقدر من سلمان بن عبدالعزيز على فهم المصالح السعودية بأنواعها وإجراء هكذا تغييرات وتعديلات لأسباب عديدة من أهمها، أن الملك سلمان له من الخبرة والحكمة والرؤية لما يجب أن تكون عليه السعودية اليوم وفي المستقبل الشيء الكثير. التحديات الخارجية والداخلية كثيرة وكبيرة والمسئولية أكثر وأكبر. الحكم مغرم وليس مغنم، وفي كل يوم يزداد الحكم والحوكمة تعقيداً، فالتيارات المختلفة داخل المجتمع السعودي وخارج الحدود السعودية ستتبارى في محاولة إختطاف الأجندة السياسية الداخلية والخارجية، فكل شخص "يقرب النار لقرصه" كما يقول المثل الشعبي، لكن الثقة بالله سبحانه وتعالى بأن قيض لنا حكام حكماء لا يسيرون خلف التفكير بالتمني الذي يسيطر على السطح الثقافي والإعلامي الداخلي والخارجي. ختاماً، نرجوا الله العلي القدير، أن يوفق الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأن يعينهم ويجمعهم على الحق، ويحفظ هذا الوطن من كل سوء. *كاتب ومحلل إستراتيجي [email protected] Saudianalyst@