يتشاءم بعض الغربيين من الرقم 13 ويعتبرونه نذير شؤم وجالب مصائب، ويحاولون قدر الإمكان إلغاءه من يومياتهم، ويتفننون في قطع المسافة ما بين الرقمين 12 و14 بطرق وأساليب شتى، فمرة يضيفون حرفاً لرقم 12 للدلالة على الرقم 13، ومرة يفصلون ما بين الرقمين بعلامة معينة ترمز إلى الرقم المسكين المأسوف على شبابه، وكهولته أيضاً، ومرة يضعون مكانه رقماً عشوائياً مكوناً من خانتين، يفعلون ذلك كي لا يضطروا إلى كتابته صراحة، وأحياناً يغالون فيلغونه نهائياً، مكتفين بتتابع الرقمين المدللين 12 و14، وكأن الرقم 13 غير موجود أصلاً... وكثير من البنايات في الدول الغربية لا توجد بها أدوار تحمل الرقم 13، وتكاد تخلو المستشفيات من الغرف المرقمة بهذا الرقم، وتتوقف الحياة بشكل جزئي في بعض المدن الغربية في اليوم الثالث عشر من الشهر، خصوصاً إذا ما وافق يوم جمعة! ويعود سبب الخوف والتشاؤم من هذا اليوم عندهم إلى اسبابٍ تتمثل في جلها في جوانب اعتقادية، فالبعض منهم يظن ان الشيطان أغوى سيدنا آدم وأمنا حواء بالأكل من الشجرة التي حرم عليهما الاقتراب منها يوم 13 من الشهر، وهناك من يعتقد بأن قابيل قتل أخاه هابيل في مثل هذا اليوم، والبعض الآخر يرى أن فيه كسراً لقاعدة ال 12 المتمثلة في عدد الشهور، وعدد الآلهة عند الإغريق القدماء... أقول البعض، والبعض القليل جداً، لأن الغالبية منهم يتوارثون هذا المرض السلوكي على طريقتهم، هذا ما وجدنا عليه آباءنا، من غير أن يعرفوا لماذا ومتى وأين نشأ الجذر الأول لهذا التشاؤم؟ هكذا يجنح الغربيون بأفكارهم ورؤاهم ومعتقداتهم، أما أنا الرجل المسلم، فأتبع منهج سيدي وحبيبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي يقول" الطيرة شرك"، الأرقام في قواميسي الحياتية متشابهة، ولا فضل لبعضها على بعض إلاّ في الثروة الدنيوية أو الحسنات الأخروية، وأما ما عدا ذلك فهي مجرد دالات لا تضر ولا تنفع، أقول ذلك معتقداً ومؤمناً ومصدقاً، إلاّ أن ذلك لن يمنعني في هذه المقالة من أن أدعو الله سبحانه وتعالى أن يبارك في الرقم 13 ويطرح فيه بركته العظيمة، ويميّزه عن أخوته من الأرقام الأخرى، لا ليتآلف الغربيون معه، وإنما لتنفرج ضائقة الأخوة اللبنانيين، وتنقشع عنهم سحابة الفراغ الدستوري، فقبل أيام قليلة تم تأجيل جلسة مجلس النواب اللبناني للمرة الثالثة عشرة! اتفق الأخوة الأعداء على أن يدخلوا في جولة جديدة من المناقشات في شباط فبراير المقبل، على أمل الخروج بالبلد وناس البلد من النفق المظلم الذي لا أحد يعرف نهاية له، ولعل التأجيل 13 يكون الأخير بدعائي ودعاء المحبين للبنان والمريدين لهم بالتوفيق. ولعل الله يطرح البركة في الرقم 13 ليكون هو الجدار الذي يفصل ما بين لبنان"الفراغ الدستوري"ولبنان"الكامل الأهلية والشرعية"، ولعل الأخوة، الذين أصبحوا رموزاً يتفهمون حاجة الشعب اللبناني إلى الأمن والاستقرار، ولعلهم يتنازلون قليلاً عن مصالحهم الشخصية وحساباتهم الخاصة، ويتجهون جميعاً نحو مصلحة لبنان الكبير وليس لبنان الإقطاعيات! كان لبنان بخير قبل أن تتقوى شوكة الإقطاعيين الجدد، كان بخير قبل أن تتحول بنادق"حزب الله"إلى الشمال، وكان بخير قبل أن يكبر مجرمو الحرب، وبعد مقتل الرئيس السابق رفيق الحريري تحول لبنان إلى كعكة كبيرة لا يملكها أحد، ما جعل منتهزي الفرص يطمعون في أخذ أنصبتهم منها! خرج سمير جعجع من السجن فوجد ستريدا تنتظره بالخريطة الجديدة، وجاء العماد ميشال عون من منفاه في فرنسا ليبحث عن أي حليف يعيده إلى المشهد السياسي، ولا ضير في أن يتنقل من حضن نقيض إلى حضن نقيض، وتفرغ حسن نصر الله للداخل اللبناني بعدما تملكته نشوة الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب إلى ما وراء الخط الأزرق، وصار يفرض ويقرر ويتحدث باسم الناس، ويقسم ويجلجل ويحذر ويهدد، ويعمل كل ما من شأنه تسهيل مهمة الحصول على اعتراف وطني به، وبالتالي يتم وضعه في حسابات اللعبة السياسية... وصار صوت وليد جنبلاط أعلى واكثر ضجيجاً من ذي قبل، ليلفت الانتباه إلى أن للجبل ايضاً حقوقاً يجب عدم إهمالها، وصار"فلان ما"مخلص الشعب المنتظر، وأصبح"علان ما"الصوت الوطني الحر الذي لا يمكن المساومة أبداً على إخلاصه ووفائه لمستقبل البلد! ضجيج يعلو فوق ضجيج، لمجموعة من الساعين إلى مكاسب خاصة في ظل صمت شعبي مطبق، وكأن المواطنين اللبنانيين قد رضوا بأن تكون الأسماء التي ذكرتها هي المستأمنة وحدها على مستقبل البلد، مع أن العارفين بالأمور يدركون تماماً أن السواد الأعظم من اللبنانيين يتمنون لو أن القدر يتدخل وينفي كل الرموز التي تتقاسم السلطة الآن، لكن شعورهم باللاجدوى والعبثية هو ما جعلهم يسيرون في الشوارع مطأطئ الرؤوس ولسان حالهم يقول"فخار يكسر بعضه"! لا بأس في أن يكون ميشال عون واجهة للبنان، ولا بأس في أن يشارك نصر الله في صياغة لبنان الجديد، ولا مشكلة في أن يأخذ سمير جعجع نصيبه من الكعكة اللبنانية، وأهلاً وسهلاًً بالرمز جنبلاط في جبله الأشم، وليأمر على بيروت ما شاء من أوامر... لكن لي رجاءً صغيراً، بالنيابة عن الشعب اللبناني،"اتفقوا رجاءً... اتفقوا رجاءً، فمن الظلم أن تختطفوا البلد وتظلوا مختلفين، فاختلافكم أكثر مأسوية على اللبنانيين من اختطافكم لروح لبنان"! * إعلامي سعودي.