تنص معظم القوانين التي تنظم القضاء الإداري على استثناء الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة من النظر أمام المحاكم وبعيداً عن الكلام عن شرح مفهوم أعمال السيادة وتحديد المقصود به، إلا أن الواضح أن هذا الاستثناء يحصن بعض قرارات جهة الإدارة من الخضوع للقضاء، وهذا ما دفع كثيراً من فقهاء القانون إلى وصف هذا الاستثناء - المستقى من القانون الفرنسي - ب"وصمة في جبين العدالة"! لقد كنا ? وما زلنا ? نزهو فخراً في المؤتمرات والمناسبات الدولية، بأننا في المملكة نختلف عن بقية الدول في هذه المسألة، إذ إن ديوان المظالم قرر من المبادئ ما هو كفيل بمحو هذه الوصمة، إذ قضت أحكامه بأنه وإن منع النظام الطعن في القرارات المتعلقة بأعمال السيادة لما لذلك من مساس بالمصلحة العليا، فإن المصلحة العليا لا يضيرها أن يتم التعويض عمن أصابه ضرر جراء ذلك القرار تعويضاً عادلاً، وفي ذلك توفيق بين المصلحتين، وتلك نقطة تسجل للقضاء في المملكة خصوصاً ديوان المظالم. في نظام ديوان المظالم الصادر أخيراً، نصت المادة الرابعة عشرة على ما يبدو أنه سيكون ? بكل أسف ? وصمة أخرى في جبين العدالة، فلم تكتف تلك المادة باستثناء القرارات الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى ومجلس القضاء الإداري من النظر أمام ديوان المظالم، إذ جاء فيها: لا يجوز لمحاكم ديوان المظالم النظر في الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة، أو ما يصدره المجلس الأعلى للقضاء ومجلس القضاء الإداري من قرارات! وظاهر هذا أن المقصود بذلك القرارات الإدارية، بل هو أمر مؤكد لا سيما بعد التنظيم الجديد الذي حصر دور تلك المجالس في النظر بالأمور المتعلقة بالجوانب الإدارية المتعلقة بالقضاء والقضاة من ترقيات ونقل وتأديب واستقالة وخلافه، إذاً لماذا هذا الاستثناء والتحصين لتلك القرارات ما دامت إدارية؟ إن كنا بررنا الاستثناء الأول بالمصلحة العليا، فما المبرر لاستثناء قرار بنقل قاض أو ترقيته من الطعن أمام القضاء شأنه شأن بقية القرارات الإدارية؟ أليس مما يدعو للدهشة والاستغراب أن يكون الطعن في القرارات الصادرة بحق أي موظف مكفولاً لجميع العاملين في الدولة إلا القضاة؟ أليس القائمون على العدالة هم أولى الناس بالتمتع بها؟ أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس؟ إذا كانت القرارات الصادرة عن وزير الداخلية ومن وزير الدفاع، بل ومن الملك قابلة للطعن ما دامت إدارية وغير متعلقة بأعمال السيادة، فما المبرر لاستثناء قرارات مجالس القضاء من قابلية الطعن؟ إن هذا الاستثناء إضافة إلى غرابته، فإنه مخالف أيضاً لمبادئ الأممالمتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية والمعتمدة بقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 في 29 تشرين الثاني نوفمبر 1985 ورقم 40/146 في 12 كانون الأول ديسمبر 1985، إذ نصت المادة 02 من تلك المبادئ التي تأتي في معرض الحديث عن تأديب وعزل وإيقاف القضاة على ما يأتي: "ينبغي أن تكون القرارات الصادرة بشأن الإجراءات التأديبية أو إجراءات الإيقاف أو العزل قابلة لإعادة النظر من جانب جهة مستقلة". لا نشك أبداً في أن الجهات التشريعية وهي تصدر هذا التنظيم القضائي الجديد الذي فرح به المهتمون بالشأن القضائي لما احتواه من نقاط إيجابية هي أكثر من أن تحصى، لا نشك في أنها لا يسرها أن ينغص تلك الصفحة الناصعة من العدالة مثل هذا الاستثناء، وكلنا أمل بأن يتم تدارك ذلك بحذف هذا الاستثناء. [email protected]