نامت ابنتي في وقت باكر هذه الليلة. أنهكتها رحلة المدرسة إلى الأماكن الأثرية. ومن حقها أن تنام وتغفو. ومن حقها عليّ أن أسهر على راحتها. رحت أراقبها بفرح واعتزاز وأمرر يدي على طيات شعرها الذي خيّم على الوسادة. وسنواتها الاثنتا عشرة تهنأ الليلة بنوم عميق غير عابئة بما يجري. في التاسعة ليلاً، يخيم الهدوء على منزلي. حدثتني قبل أن تنام كيف قضت نهاراها الجميل المميز. الغناء في الحافلة، الآثار التي رأتها، الصور التي التقطتها بكاميرا أهديتها لها، حدثتني عن اللهو والاكتشاف وحب المغامرة. إنه حصاد رحلة يوم واحد، حملته على كتفيها الناعمة وعادت إليّ. أحسست برغبة الحديث إليها، إنه يُتعبني، وأريد أن أنزل هذا الحمل قليلاً. استغرقي يابنتي ولتكن أحلامك كوجهك الصافي. لا تنصتي إليّ. لا تسمعيني أرجوك. لا تتفعلي. لا تعكّري صفاء ينبوعك. قبلك حدثت المرآة، الدفتر، الكتاب، الأوراق، فنجال القهوة، لفافة التبغ. لكن حديثي إليك مختلف، أكثر شفافية، أكثر حميمية، لكنه حديث متقطع... تحتجز كلماته الدمع حيناً والانفعال القوي حيناً والابتسامة الهادئة أحياناً. كانت رحلتي طويلة ولم تكن رحلة مدرسية، لأنني تركت المدرسة صغيرة، لم تكن لي صديقات، بل كنت وحيدة. وتزوجت وكانت رحلة زواج قصيرة أنتِ ثمرته، فصرت أنتِ القصة كلها والأهل والأصدقاء. عملت في أماكن كثيرة لا تناسب أحلامي ولا تطلعاتي. تحملت الكلمات القاسية والنظرات الغاضبة، لأحمل الحنان إليك وأجنبك القسوة والألم. لم أكن ألقى الدعم من أحد ولا التشجيع. لم يكن يلفني إلا طوق الشماتة والتشفي ولا يتبادر إلى سمعي إلا همسات المغرضين ووشوشاتهم. كانوا يرون في امرأة مطلقة فقط. وكنت أقاوم بشجاعة وإيمان. وجهك الطفولي ضوئي، ورؤيتك وأنتِ تزهرين وتتفتحين حلمي النهائي. عُرضت عليّ زيجات غير متكافئة فرفضتها جميعاً. وحتى لو كانت متكافئة فهل كنت تظنين أنني سأقبل إحداها؟ سامحة لحرقة أن تخدش حنجرتك أو دمعة تجرح وجنتيك. آثار، آثار كثيرة اكتشفتها ليس في رحلة مدرسية، بل في رحلة الحياة. صخور، وصخور بشرية، كهوف وسراديب وقلوب أشبه بالكهوف والسراديب. إن كل ما التقطته عيناي من صور لم يكن بكاميرا عادية مثل التي أهديتك إياها، بل كاميرا عيني الدامعة لأنني امرأة مطلقة وحيدة من دون دعم أو سند. إن ألبوم صوري وأرشيفي هنا في هذا الملف الغابر الذي يدمي القلب. استغربي يا ابنتي، ولتكن أحلامك كوجهك الصافي. خلف الزاوية: مأسورة أبصرت في وجهك النور والروح عادت لبيت كان مهجوراً عصفورة قضت الأيام في قفص وفجأة لمحت بالباب عصفوراً [email protected]