العاشق يصوم إذا لم يرَ محبوبه، وليس في ذلك من غرابة، فالحيوانات تصوم إذا لم ترَ محبوبها الإنسيّ حتّى، وعند العشاق أن الصوم ضرب من ضروب فداء المحبوب. وحكى لي أحدهم - هداه الله - أنه التقى محبوبته وهي صائمة، ولم تنقض له وضوءاً. قلت: إن لم ينتقض وضوؤك فقد انتقض صيامك، فما لك منه حظ إلا الجوع والظمأ. وكان العشاق العرب يتباهون بالانقطاع عن الأكل والشراب، حتى يحمر لون أحدهم، ثم يصفرَ ثم يسودّ، كانوا كذلك، لكن مجالس الأنس لم تكن تصوم عن سيرتهم، إذ كانوا أساطير حية تمشي على الأرض، ومن ذلك ما تباهى به المجنون، وهو يحكي لنا دلال حبيبته. قال مجنون ليلى: إذا ما شكوت الحبّ قالت كذبتني/ فمالي أرى الأعضاء منك كواسيا. فلا حبّ حتى يلصق الجلد بالحشا / وتخرس حتى لا تجيب المناديا.