اعتاد الناس تداول بعض الأوهام والأفكار المتخيلة عن الحب، ودأبوا على ترديدها فيما بينهم بلا تأمل أو تفكير حتى تغلغلت في أذهانهم وصارت عندهم كحقائق صادقة، لا مجرد أوهام، ودعم ذلك عندهم ما تزخر به بعض كتب التراث العربية من كذب ومبالغة في وصف الحب وما يصيب المحبين بسببه، فكان أن رسخت في أذهان الناس أساطير كثيرة حول الحب. من تلك الأساطير التي راجت بين الناس وصارت عندهم كقاعدة لا تتغير، الزعم بأن الحب الأول حب ثابت لا يزول من القلب ولا يتزحزح عنه، (نقل فؤادك حيث شئت من الهوى،، ما الحب إلا للحبيب الأول)، (ولكن حبا خامر القلب في الصبا،، يزيد على مر الزمان ويشتد). ومنها ادعاء ديمومة الحب، بمعنى أن القلب متى تعلق بأحد، لا يمكن أن يزول حبه عنه أو يستبدل به أحدا غيره (قضى الله يا أسماء أن لست بارحا،، أحبك حتى يغمض العين مغمض)، (ولو أصبحت ليلى تدب على العصا،، لكان هوى ليلى جديدا أوائله). (فيا حبها زدني جوىً كل ليلة،، ويا سلوة الأيام موعدك الحشر). ومنها أيضا ادعاء ظهور أثر الحب على الجسد، فالحب يصيب العاشق بالهزال والشحوب، (إن في بردي جسما ناحلا،، لو توكأت عليه لانهدم)، (ولما شكوت الحب قالت: كذبتني،، فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا؟). ومنها أن الحب (مراتب) بعضها أشد من بعض، وكلما علت مرتبة الحب اشتد تأثيرها على المحب، فأخف مراتب الحب أن يصعق العاشق أو يغمى عليه كلما وقع على سمعه ذكر الحبيب الغائب، وأعلاها أن يحل به الموت بسبب الحرمان منه، (وقالت: هويت فمت راشدا،، كما مات عروة غما بغم)، (خليلي، هل ليلى مؤدية دمي،، إذا قتلتني، أو أمير يقيدها)؟ وبين هاتين المرتبتين مرتبة وسطى وهي مرتبة الجنون فيسلب الحب العقل من صاحبه، (بي جنون الهوى، وما بي جنون،، وجنون الهوى، جنون الجنون)، (قالوا جننت بمن تهوى، فقلت لهم،، ما لذة العيش إلا للمجانين). الحب سر غامض، لا أحد إلى الآن استطاع أن يفك طلاسمه، وأن يغوص إلى خفايا مكنوناته، ولعل هذا العجز عن إدراك مفهوم جلي لحقيقة الحب، هو ما أدى بالناس إلى وضع تلك التخيلات عنه وترسيخ ما فيها من أساطير منسوبة إلى الحب.