هذه قصة ستثير في نفوسكم الدهشة، لأنها عن حب شيخ طاعن في السن، لا ليس كما تحكي الرواية عن أنه أحب شابة في سن بناته، ولكنه أحبّ عجوزاً شمطاء. قال الشاعر: عشقتُها شمطاءَ قد شابَ وليدُها***وللناسِ في ما يعشقون مذاهبُ نعم، مذاهب وفنون حد الجنون، إنما ليس للحب سن قانونية. هذا هو الحب. لكن أيُعقل أن يكون الحب ضرباً من الجنون فقط؟ لا، مستحيل في مجمله وبكلمة مختصرة نوع من أنواع الاحتياج مع الرغبة ومن ثم التفاهم لتحقيق هذين البندين. وهكذا تعاونا معاً في مكافحة الشيخوخة حد الشفقة والعطف، وفي العطف الكثير من الحب. آلامهما مشتركة، تعودهما مشترك، تعرف هي كيف تحترم مشاعر شيخوخته، لأنها تفهم ذلك، تفهم مثلاً أنها لو تجرأت وأزاحت الكرسي من مكانه فإن ذلك سيقلق حبيبها، ويعرف هو أنه لو تجرأ ووبخها فإن سنها لا تسمح بسماع كلمات التوبيخ. مخاوفهما من المرض والموت مشتركة، ولذا فتعلقهما ببعضهما يزداد قوة... وهكذا قرار الزواج. وتعال وتفرج! أولادهما يرفضون ذلك رفضاً قاطعاً لا شك فيه ولا عودة عنه، والسبب في ذلك هو الخوف من كلام الناس، سواء من أبناء الزوج أم الزوجة، التي يخاف أولادها أن يقال عنها إنها تصابت فجأة وقررت الارتباط. أصبحا أضحوكة على لسان الجميع وسيرة من سير الناس وأخبارهم وقت اليقظة ووقت القيلولة. أولادها يرفضون ذلك رفضاً قاطعاً وأولاده أضرب حالاً. ماذا حلّ بأبينا؟ قالوا جميعاً: أيتزوج وهو طاعن في السن، عجوز مخرف؟ لا بد من أنّ هذه المرأة ومن ورائها عائلتها يرسمون على امتلاك ما تبقى له من ثروة. قطعاً! قطعاً يرسمون على أخذ الميراث. وكل هذا اللغط والممانعة والعجوزان يزداد تعلقاً ببعضهما بعضاً. لا بد لهما من الزواج. ماذا يفعلان؟ وكلما تعرقلت أمورهما كلما ازدادا هياماً واحتياجاً. فكرا ملياً. تنازل هو عن كل ما يملك لأولاده، وهكذا ارتاح أولاده ولم يعودوا يفكرون إذا تزوج بها أم بأربع من أمثالها. أما هي، فلم يكن لديها أي شيء لتتنازل عنه لأولادها سوى ما كتبه القدر عليها، ألا تختار حتى في شيخوختها هذا المرأة العجوز، أن تختار من تحب وما ترغب. نادت ابنتها لعلها تفهم معاناتها وأخبرتها عن هذا الحب الذي يُحييها، وهذا السر الذي يمزق أحشاءها، وهذه الطمأنينة معه التي تريدها لآخرتها، فضربت الابنة المتعلمة صاحبة الشهادات كفاً بكف وتأوهت باكية: أهٍ أمي قد جُنّت، أمي ستلوّث سمعتنا بزواجها، أهٍ وآه أمي قد جُنت. خلف الزاوية أهواك في زمن أضاع صوابه فكأنه كهل شريد مجهد والناس منشغلون في أوهامهم ينجون من أمس ليدهمهم غد لم يبق لي من علم الحياة ونورها إلا هواك المنجد المستنجد فاهرع إليّ حقيقة كانت أو كذبة أنا في غيابك لحظة لا أصمد [email protected]