الوقوع في فخ نصاب أو محتال لا يعود إلى ذكاء اللص، ولا إلى غباء الضحية، فالواقعة التي نشرتها إحدى الصحف المحلية يوم الاثنين الماضي ربما كشفت عن سبب آخر تماماً يسهم في إنجاح عملية الاحتيال وإتمامها بجدارة تامة من دون ترك أي ثغرة تُمكن الضحية من استرجاع ما تم سلبه منها، سبب يشجع المتربصين بالضحايا على الضحك عليه، ومن ثم ابتكار سبل ووسائل جديدة لاستغلالها وفق آلية تنفيذية ناجحة. تشعر وأنت تقرأ قصص وأخبار ضحايا المحتالين ، أن المحتالين تحركون وفق منهج منظم ومدروس ، يجعل في أحيان كثيرة عملية الاحتيال تبدو وكأنها خطة مدروسة أجيزت بدرجة دكتوراه ، ما تجعلك تشك في أن هؤلاء اللصوص هم خريجو جامعات متخصصة في تعليم فن الاحتيال، وأن القائمين على هذه الجامعات أو الدورات قد تحاشوا الوقوع في بعض الأخطاء التي كثيراً ما تقع فيها جامعات تقليدية تقوم بمجرد صب العلم صباً في عقول طلابها. المحتالون يقومون بدراسات ميدانية لسلوكيات وتوجهات المجتمع الذي يعيشون فيه، ويبتكرون على أساس تلك الدراسات السبل والمداخل لأي عملية احتيال ونصب، ووضع المخططات للإيقاع بالضحية والانسحاب قبل اكتشاف الضحية لحقيقة تعرضه لعملية احتيال ونصب إلا بعد مرور أيام وربما شهور أو سنوات، لأن الصورة التقليدية للص التي اعتدنا عليها في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية اختفت وتلاشت وذهبت بلا رجعة، لتحل محلها صورة جديدة ومبتكرة للص أنيق يبدو مهذباً لبقاً، وقد يتحدث أكثر من لغة، ويتمتع بذكاء وحسن تصرف كبيرين ، كما ينفق على تحركه ومسكنه ووسيلة تنقله مبالغ طائلة توهم الضحية أنه على قدر كبير من الثراء والوجاهة بما يبعد عنه أي شكوك بأنه قد يكون محتالاً أو لصاً! يقول الخبر الذي أشرت إليه"إن سيدة تلقت اتصالاً من امرأة أبلغتها ? كما ورد في الخبر ? أن خطأً قاد إلى سدادها فاتورة جوالها بالخطأ، وطالبتها باسترجاع قيمة الفاتورة، وتمنت المتحدثة المحتالة النصابة أن يكون الإيداع من ذات حساب الضحية لسرية المعلومات... فما كان من الأخت الفاضلة إلا أن منحتها مع كامل الثقة كل البيانات المتعلقة بحسابها المصرفي ، بما في ذلك الأرقام السرية، لتكتشف بعد أيام عدة أن حسن نيتها كلفتها ما يزيد على ال100 ألف ريال سحبت من حسابها! أولاً ، نحن لا نستنكر على أي إنسان أن يكون ذا نية حسنة، وأن يفترض دائماً في الآخر الصدق حتى يثبت له عكس ذلك، لكن في الوقت نفسه علينا ألا ننسى"أن إساءة الظن من حسن الفطن"، وإننا مهما حاولنا تقديم المبررات بأن الدنيا مازالت بخير إلا أن الواقع يفرض علينا أن من الضروري أن نضع في الاعتبار - إضافة إلى الاعتقاد بالخير في الناس - أن في هذا العالم ذئاباً تقتات حراماً من هفواتنا وأخطائنا ، خوفاً من أن نتحول بين يوم وليلة إلى ضحايا لتلك الذئاب البشرية التي تحترف اللصوصية، ونتوه في دائرة ذلك الشعور المرير الذي قد ينسحب على تصرفاتنا اللاحقة وسلوكياتنا مع كل من حولنا من أبناء وأشقاء وزملاء. [email protected]