عندما تتجول في شوارع الرياض الفرعية خصوصاً، تجدها تعج بكل ما هب ودب، فهناك محال تنتشر في بداية الشارع وحتى نهايته بشكل يخل بجماليته لعدم التناسق في ما بينها، فترى مثلاً محال السباكة والكهرباء وإصلاح المكيفات والنجارة وغيرها كثير، وهذه المحال تديرها وتشرف عليها عمالة وافدة بل تمتلكها، وليس للمواطن من تلك المحال المنتشرة كانتشار الجراد إلا الاسم الموضوع على اللوحات الخاصة بتلك المحال. ودور المواطن يتوقف على اسمه وكفالته لهم، وذلك في مقابل حفنة من الريالات يستلمها نهاية كل شهر في مقابل تستره، وهذه العمالة التي تجد أمثال هؤلاء المواطنين الذين لا وطنية لهم يتمادون بإغرائهم وحثهم على التوسع في أحياء أخرى وبالمهنة نفسها أو أي مهنة جديدة، لأنهم وجدوا دخلهم يزداد والأرباح مغرية، وما دام هذا الكفيل أو ذلك يسيل لعابه عندما يجد متطلباته المالية من هذا التمدد... فالإيجارات سيقوم بدفعها هذا الوافد وكذلك رسوم التأشيرات وملحقاتها، وما على هذا المواطن إلا التستر وأخذ المقسوم عليه نهاية الشهر، وكان الله بالسر عليم. أما هؤلاء الوافدون فهم من ينهب خيرات البلد، ويقومون بامتهان مهن لا يجيدونها أصلاً، ويتعلمون الحلاقة برؤوس اليتامى، وتلك التأشيرات التي يستلمونها في مقابل مبلغ معين يقومون ببيعها لأبناء جلدتهم بمبالغ طائلة، إذ إن هذه العمالة لا يرحم بعضها بعضاً، إنما ادفع واحضر وستجد كل الخير في بلد الخير، والحبل على الجرار. هذا هو واقعنا الذي لا غبار عليه، لا رقابة ولا متابعة لا من الجوازات ولا من مكاتب العمل ولا أي جهة ذات علاقة! الكل نائم عن هذا الداء المستشري والمنتشر كانتشار النار في الهشيم. وما داموا أمنوا العقوبة فقد أساءوا الأدب... فلماذا لا تشكل دوريات سرية بملابس مدنية تتغلغل داخل هذه المحال التي ذكرناها وتتحرى عنها وعن مدى نظاميتها بطرق لا تثير الانتباه أو الريبة. أنا على يقين بأن جميع هذه المحال متستر عليها، كما ذكرت، والأدهى من ذلك كله أنك تجد هذه العمالة موجودة أمام بوابات العمل والاستقدام ينتظرون ضعاف النفوس ويتلقفونهم ليشتروا منهم التأشيرات التي في حوزتهم التي تحصلوا عليها بموجب مؤسسات أو محال لا وجود لها أصلاً. إن مجرد فتح محل أو أكثر تحمل أسماء سعوديين ليس بالضرورة أنهم يديرونها أو يشرفون عليها، ولو عرجنا على صناعة الرياض لوجدنا هناك ورشاً متكاملة للحدادة والنجارة بأنواعها، والألمونيوم ومشتقاته والزجاج بأنواعه، كلها تدار ومملوكة لأجانب تحت مظلة التستر، إذا لم تتحرك الجهات المعنية كل في تخصصه لمكافحة هذه الآفة التي تستنزف الأموال الطائلة، والمستفيد والرابح الأول هي العمالة الوافدة؟ لو تم التشهير إعلامياً بمن يمتهن التستر مع نشر صورته ومن ثم سجنه وتغريمه حتى يكون عبرة لغيره أو لمن تسول له نفسه أن يتخذ هذا السلوك مستقبلاً، فالمواطن هو المسؤول الأول والأخير، ولو أن الوافد لم يجد من يسهل له الطريق ويساعده للتحايل على الأنظمة، ويكون له غطاء عن كل مساءلة قد تطوله لما تجرأ على الإقدام على ما يقوم به اليوم، والضرب بيد من حديد هو الحل الأجدى والأقوم لكل هؤلاء المفسدين... إن المديرية العامة للجوازات تغط في نوم عميق لم تفق ولن تفيق منه إلا بغربلتها وتجديد دمائها من القاعدة حتى رأس الهرم، حتى يحظي من يراجعهم وهو صاحب حق بشيء من التقدير، فلا يجد من يحل له مشكلته، وكل دائرة تحيلك لأخرى وكل مسؤول يتملص من المسؤولية! المسألة ليست تجديد جواز سفر أو استخراج إقامة أو تجديدها، والويل كل الويل لو تأخر مواطن عن تجديد إقامة سائق أو عاملة لمدة يوم فقط من انتهائها، فمقصلة الجوازات لا ترحم والغرامة أهم شيء، لا يحسبون حساباً لهذا المواطن أو ذاك، فلربما كان مسافراً أو أنساه الله ذلك وجل من لا ينسى... فمثل هذه الأمور يكونون حازمين فيها، أما غيرها من الواجبات والمهمات الأكثر أهمية وخطورة فهم عنها نيام، فمثلاً لا نراهم يقومون بزيارات مفاجئة لتلك المحال التي تديرها عمالة سائلة وتسلب خيرات البلد من دون حسيب أو رقيب؟، البلد مليء بتلك الآفات التي ابتلينا بها، لدرجة أنهم استحدثوا خدمة التوصيل، فنجد الشوارع التي داخل الأحياء السكنية تعج بدراجاتهم النارية يطوقون الأبواب لعرض خدماتهم وبهذه الطريقة الاحترافية يكون من يفتح لهم الباب الخادمة. ولك أن تتصور ماذا ينتج عن هذا اللقاء، خصوصاً إذا كان أصحاب المنزل غير موجودين فيه: إما سرقات في وضح النهار أو إغراء للخادمات بالهروب من كفلائهم وإيجاد عمل آخر بمزايا ورواتب تختلف عما يدفعه الكفيل لهن، ولا يتورعون في استخدام تلك الخادمات للدعارة، وبهذا الأسلوب نجد كثيراً من الأسر تعاني من هذا الفلتان والهروب. وكم من البلاغات تقدم للجوازات يومياً، ويدفع دم قلبه عندما يقدم على جلب مثل هذه العمالة، فلو أن هناك جولات متتالية من الجوازات لما حدث مثل ذلك، وعندما نتحدث مع أي مسؤول في هذا الجهاز، الذي نسأل الله أن يتغمده برحمته، لا تجد إلا جواباً واحداً لا غيره وهو عندما يتم تطبيق نظام البصمة سيتم القضاء على كل المشكلات لك يا أخي القارئ أن تتخيل أن بلادنا بكل ما فيها من خيرات وأموال طائلة لا يوجد مثيل لها في المنطقة برمتها؟ لم يطبق نظام البصمة فيها حتى الآن. أليست بلادنا في أمس الحاجة لمثل هذا النظام من غيرها من البلدان. أليست مشكلاتنا الأمنية تكبر وتتعدد أسبابها ونحن لا زلنا ننتظر من جوازاتنا المظفرة أن تطلق سراح هذا النظام، وإذا كانت هناك أسباب خفية أجبرتها على تأخيره فليكن لديهم الشجاعة لتوضيح ذلك. أما إذا كان التأخير بسبب تنازع أشخاص أو جهات على من يكون هو الأحق بأخذ امتيازه كوكيل معتمد؟ فهل نحن في حاجة لمثل هذه المهاترات التي أورثتنا التخلف في جميع المشاريع الحيوية، وهل مجاملة مثل هؤلاء يكون على حساب الوطن وأمنه؟ لماذا لا نباعد بين المصلحة الشخصية ونهمها ونغلب المصلحة الوطنية عليها مهما كانت الأسماء والمقامات؟ ألم يأمر خادم الحرمين الشريفين بمحاربة الفساد بشتى أنواعه والضرب بيد من حديد على كل من يريد أن يعبث بأمن الوطن ومصالحه... إن الشق اكبر من الرقعة ونحن نزحف كالسلاحف والسبب يكمن فيمن أوكل لهم المسؤولية، إذا لم نحارب هذا الطابور الخامس الذي يزداد يوماً بعد يوم، وإذا لم نتصالح مع الله ومع أنفسنا ونضع مصلحة الوطن فوق مصلحة الجميع ولا نركن على الاتكال ونهمل الواجبات، فهذا مردود خطير والسيطرة عليه مستحيلة مستقبلاً. [email protected]