كم مرة سمعت آباء وأمهات يتحدثون مع أطفالهم بلغة أجنبية، مع أن ألسنتهم عربية قحّة؟! يسمّون أشياءهم بلغات أجنبية.. وأحياناً بلهجات غير لهجاتهم، مع أن الأسماء العربية وفي لهجاتهم لهذه الأشياء أقرب لألسنتهم؟! مرّات عدة أصاب بنوع من الذهول والإحباط والغثيان، عندما أرى أناساً ينظرون لاستخدام لغات أخرى غير لغتهم العربية من دون مناسبة تستدعي ذلك، على أن فيها نوعاً من الرقيّ والتطور الحضاري! ألاحظ هذه الظاهرة في شريحتين محددتين من المجتمع: 1- شريحة الطبقة المخملية. سواء القديمة منها التي ابتسم الزمن لأجداد أجدادها، أو الجديدة التي ابتسمت الدنيا في وجهها بضربة عمر"على الطاير"، و?"مشيت معه الأمور آخر حلاوة". 2- شريحة مدّعي التطور من أشخاص لا يرون في العروبة ولغتها شيئاً يشرفهم! واختاروا الانسلاخ منها شكلاً ومضموناً ولغةً. وأحياناً يقومون بذلك وهم يعلمون، وأحياناً لا يعلمون. تسمع هؤلاء المساكين يلقون بكلمة إنكليزية هنا وفرنسية هناك، بل أحياناً يسترسلون في الحوار بإنكليزية أو فرنسية مكسّرة ركيكة، أو حتى جيدة، ولكن فقط ليقنعوا من حولهم أنهم أناس متطورون، ويعرفون ويعلمون ويرطنون! ولو على حساب هويتهم! فيأتي أحد أطفالهم يقول:?"ماما.. أبغى مُوية!".. فتتفاجأ بالماما تقول له: نو نو حبيبي، دونْت ساي مُوية.. ساي واتر! "no no! say water, don"t say mooyah" ويصبّحون عليهم ب?"غود مورننغ good morning"ويمسّون عليهم ب?"بون سوار bon soir"، بدلاً من السلام عليكم.. أو حتى صباح الخير أو مساء الخير! أو حتى"سعيدة يا بابا وسعيدة يا ماما"، ما عندنا مانع! لكن على الأقل عربي يا ناس! تخيل على غفلة.. تسمع إحدى السيدات وهي تتحدث مع ابنتها وتقول: روحي يا ماما الكيتشن، جيبي لي قطعة غاتو! الغاتو وبلعناها، بس"وش سالفة"الكيتشن اللي نزلت لنا على غفلة! يعني ما هي مشكلة كلمة المطبخ يا ناس؟! أصبحت اللغة العربية في نظرهم خاصة بالجهلة والمتخلفين! فتراهم ينظرون لمن يتحدث بلغته ولا يدخل عليها"بربرة"أعجمية ما لها داع على أنه"قروي"، حسبما يقولون! مع أنني من الناحية الأخلاقية لا أرى بأساً في أن يكون الرجل قروياً! ومن الناحية اللغوية والتاريخية، فالمدن أساسها القرى، وأهل القرى ذُكروا في القرآن في مواقع كثيرة، ولمناسبات مختلفة، بل كانت صفة الثراء والبطر في أهل القرى تتضح أكثر من أهل المدن، الذين أكثر من اشتهر ذكره في القرآن الكريم منهم هو الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى.. لا أكثر! كفاكم تملقاً واحترموا أمّتكم العربية العظيمة ولغة قرآنكم الكريم، حتى لو كان هناك في الشعوب العربية ما يحبطكم من انقسامات وحروب أهلية، وإدمان بعض الشعوب على"القات"، وانتشار الفساد الإداري والسرقة في بعض الحكومات. فإن كان هناك أمل في إصلاح الحال، فلن يكون الأمل معقوداً بإصلاحها باللغة الفرنسية.. أو الإنكليزية..، بل بالعربية ساءت الحال.. وبالعربية تصلح بإذن الله.