آخر موضة... حذف العقال من الرجال على الرجال كان العربي يعصب رأسه بعصابة بيضاء يربطها على شال ابيض او أي لون يتوافر يغطي به رأسه عن حرارة شمس الصحراء اللاهبة، وقد كانت العمامة او العصابة البيضاء مشهورة، ولم يكن العرب وحدهم الذين يضعونها، بل تشاركهم في وضعها شعوب وسط آسيا وشمال الهند، حتى ان عمامة السيخ هي العمامة الأشهر على مستوى العالم ويصل طول القماش الذي تتكون منه 40 متراً في بعض مناطق الهند وباكستان وافغانستان. وكلما كبرت العمامة كانت دليلاً على مكانة الرجل واهميته في المجتمع، لكن كيف تحولت العصابة العربية البيضاء الى عقال أسود؟ عندما هزم العرب وطردوا من الاندلس حزنوا حزناً شديداً، وقام بعضهم بتبديل العصابة البيضاء بأخرى سوداء على رأسه حداداً على قتلى العرب وسقوط الاندلس، واستمرت العصابة السوداء الغليظة ثم تحولت مع الزمن الى العقال الرفيع المهذب الذي نراه على الرؤوس وتحولت الكوفية نسبة الى شرائها من الكوفة في العراق او الحطة من حطها على الرأس او القضاضة من رقة قماشها الى الشماغ والغترة، وفي بعض انحاء البلاد العربية لا يزال كبار السن يربطون رؤوسهم بالعصابة البيضاء كما في عمان واليمن وليبيا والمغرب، وبعضهم ما زال يضع العمامة كما في بعض قبائل شمال أفريقيا وعمان والامارات. وعمامة الحجاج بن يوسف الثقفي هي العمامة الأشهر في الشعر العربي فهو القائل: انا ابن جلا وطلاع الثنايا متى اضع العمامة تعرفوني وقد بدأت في السنوات الخمس الاخيرة تنتشر موضة جديدة عند القوم، ألا وهي حذف العقال على الرجال من الرجال كأن يقال: جاك عقالي او هذا عقالي تعبيراً عن تقدير الحاذف للمحذوف إليه او المُلقي للمُلقى عليه، والواقع ان هذه الموضة لها أصول، لكن لا نعرف الى أي تاريخ تعود أو من بدأها وأسباب ذلك، وأذكر وأنا طفلة صغيرة أن الرجال في قبيلتي إذا كان الخطب عظيماً بحسب رأيهم سارعوا الى إلقاء العُقل جمع عقال بقوة على الأرض يبدأها أحدهم ويسارع بقية الرجال الى مثل ما فعل الأول. ويقول قائل البدو: خبط العِقل غدا ماله والي والخبط هو إلقاء الشيء بقوة او ضربه بشدة على الأرض أو على أي شيء، أما في السنوات الأخيرة، فقد عادت كحركة صبيانية أو من باب دلع الشباب، ولكننا نلاحظ محاولة ترسيخها كفعل شعبي يعبّر او يُكنّى عن قيمة او عادة مثل تعقيب الفنجال أو إلتفاف الرجل بعمود بيت الشَعر او عقد طرف الشماغ للرجل والشال للمرأة وغيرها من العادات الشعبية وقد قال أحد الشعراء الشعبيين من باب الدلع: أبا ارمي غترتي وارمي عقالي على غض النهد لا اقبل عليّه! وفي اعتقادي ان الحركات الرمزية تشيع في المجتمعات الأقل تعليماً وعلماً، فالبشر الناضجون العقلاء يجلسون ويتكلمون بصراحة ووضوح عن المطلوب ويتفقون او لا يتفقون بعيداً عن الحركات التي قد تجمد الحلول ولا تنهيها بشكل جذري وقد يخلّي البدوي حقه وهو غير مقتنع بسبب إحراجه بعادة من العادات وتقليد من التقاليد وهو غير راض ويحس بالظلم والغبن، كما أن العادات تتحوّل أحياناً إلى وسيلة ابتزاز واستغلال، فتجد ما يطبّق على القوي لا يطبّق على الضعيف.