هل البعض منا مصاب بهوس ومرض العدائية، وهل تتكون"الجينات"الخاصة بنا كسعوديين بحميمية وسط هذا المرض؟ إنه سؤال تفرضه الأحداث الجارية التي تتكشف حقائقها يوماً بعد يوم، كما تفرضه الأخبار الواردة إلينا عن اكتشاف وجود سعوديين يقاتلون أو يقودون جماعات للقتال في العراقولبنان والصومال وغيرها... بل إننا واستناداً إلى هذه المعطيات قد لا نصاب بالدهشة إذا ما وجدنا سعوديين يقاتلون في جزر واق الواق، أو في بلاد لم نسمع بها! الإشكالية الآن ليست في هذا القتال، على رغم أهمية درس أسبابه ومحفزاته من المراكز البحثية المتخصصة وعلماء الاجتماع والنفس والاقتصاد وغيرهم، بل الإشكالية الكبرى في كيف ينتج مجتمع مسالم هادئ مثل مجتمعنا، لم يُعرف عن أفراده أي ولع بالعنف أو القسوة مثل هؤلاء الدمويين؟ الخطأ ربما يكمن في نقائهم المفرط... هذا إذا ما سلمنا بمنطق نظرية"المؤامرة"وأنه تم التغرير بهم، وأن ما يحركهم هي الحماسة والغيرة الشديدة على الدين وثوابته وتعاليمه، والالتزام إلى حد التزمت بهذه الثوابت والأصول، لكن كلما ركنا إلى التسليم بهذا الأمر، فوجئنا بوجود أناس منهم في أماكن تسقط فيها كل الثوابت الدينية التي يضعونها كسياج لكل من يحاول قراءتهم أو فهم تحركاتهم، فنحن إذا ما سلمنا ? جدلاً ? بموضوع الجهاد في العراق، على اعتبار أنها بلاد مسلمة محتلة، على رغم تأكيد أهل العلم على سقوط هذا النص، وعدم جوازه لاعتبارات فقهية متعددة لا يتسع المجال لذكرها، فما الدافع الذي ذهب بهم إلى لبنان لنصدم بخبر صحافي يفيد بقتل أحد عشر شخصاً منهم في معركة واحدة فقط تم الكشف عنها؟ فإذا ما كان وجود القوات الأجنبية في العراق مبرراً للذهاب إلى هناك بحجة إخراجهم، وهو ادعاء باطل، فما الذي يدفعهم للذهاب إلى لبنان، فهناك لا توجد قوات احتلال أجنبية ولا يحزنون... فما يحدث هناك هو في مجمله خلاف سياسي بين تيارات متعددة، لا يمكن تحويله إلى طائفية مقيتة، وخلق أسباب للقتال ونشر الفوضى والذعر والدمار بينهم، والسؤال الآن هو: أين يكمن الخلل في التركيبة الفكرية والنفسية لمثل هؤلاء، والسؤال الأهم: كيف تتم عملية توظيف الخلل في تفكيرهم ونفسياتهم لتجنيدهم، وما الآلية التي يعتمد عليها كل من يجندهم، وكيف يتم تحويل شاب ملتزم إلى شاب دموي ومنتحر؟ ربما لا أكون مغالياًً إذا ما اتهمت علماء الاجتماع لدينا والمتخصصين والأكاديميين بالتقصير في تناول هذا الجرم بالتحليل والمعالجة العلمية، فهناك تقاعس خطير - كما أرى - عن القيام بدورهم البحثي لمعرفة الأسباب والدوافع لأمثال هؤلاء بيننا... وهناك ركون مريع على إلقاء مواجهة العملية برمتها على جهاز الأمن وحده... وهو خطأ فادح، فجميعنا يشعر بلهاث الأجهزة الأمنية وجهدها في ملاحقة هؤلاء ومحاولتها منعهم من الوقوع في مثل هذه الضلالات، لكن من يعتقد أن التصدي لمثل هذا الموضوع هو مسؤولية الأمن وحده، يكون وقع في خطأ، فالعدد، كما أشار وزير الداخلية قبل أيام، كبير ووصل إلى 9 آلاف، وعلى رغم خروج الغالبية العظمى منهم، إلا أن توجههم وانتشارهم جغرافياً بهذه الطريقة دليل مؤكد على وجود جهات خارجية تعمل وتخطط للتربص بهذا المجتمع، وهو ما يجب أن تعرفه كل المؤسسات، خصوصاً غير الأمنية، لأن الدفاع عن أمن هذا الوطن مسؤولية جماعية وليس مقصوراً على جهة من دون غيرها. [email protected]