أرجوكم أخبروني هل: تتضمن فعاليات الصيف التي تشهدها المدن السعودية حالياً مهرجاناً للتسول؟ وإلا لماذا يندفع علينا جيش من المتسولين في كل أماكن التنزه والمرافق السياحية والأسواق وعند إشارات المرور وعلى الأرصفة ومحطات البنزين داخل المدن والطرقات السريعة، فضلاً عن المساجد والمطاعم وأماكن وقوف سيارات الأجرة، وأمام أجهزة الصراف الآلي والمستشفيات والمقابر، حتى المنتجعات السياحية البعيدة وصل إليها المتسولون! كدت اصدق أن ظاهرة انتشار المتسولين بشكل لافت هي واحدة من ضمن فعاليات الصيف التي استعدت لها المناطق، ففشلت معظم البرامج ونجح مهرجان التسول كقطاع اقتصادي مهم لتغطية نفقات المهرجانات التي لا تزال تعاني من العجز، وآخر الأخبار عن عجز تغطية فعاليات الصيف ما أوردته صحيفة"الاقتصادية"الأسبوع الماضي عن أن غرفة جدة تعاني من عجز قدره 5 ملايين ريال، ولهذا اضطرت إلى رفع قيمة الاشتراكات بالنسبة للمحال والجهات المشاركة في الصيف. تصور وأنت جالس مع أسرتك داخل السيارة مبتهجاً بالصيف وتنوي أن تتجول في أكثر من مدينة، وتنتظر أن يضيء اللون الأخضر لإشارة المرور لتنطلق مع باقي السيارات إلى حيث تريد، مع إلحاح أطفالك بأن تذهب إلى المتنزهات التي أعلنت فعاليات أو مسرحيات أو حتى عروض السينما الخاصة بالأطفال، فإذا بشخص ما يدق على نافذة سيارتك يطلب منك مساعدة فتتعاطف معه وتقدم له ما تجود به نفسك، وقبل أن يغادر وهو يغرقك بالدعاء تفاجأ من الجهة الثانية بامرأة بملابس رثة تطلب من زوجتك مساعدة مالية، وتتجاوب زوجتك مع الحالة الإنسانية... ولكن فجأة تنط عليك مجموعة من الأطفال يتوسلون إليك لتساعدهم أيضاً فتضطر أمام إلحاح أطفالك ورغبتهم في أن يتقاسموا السعادة مع هؤلاء الأطفال إلى مساعدتهم، كل هذا وأنت عند إشارة المرور! وما تكاد إشارة مرور تضيء باللون الأخضر، لتنقذك من الورطة وتنطلق قبل أن تعود الإشارة إلى اللون الأحمر لتفاجأ بأن مجموعة أخرى والطريقة نفسها تقابلك عند الإشارة التالية... وهكذا الحال طالما انك تسير داخل المدينة قاطعاً طريقك إلى المنتزه، تستقبلك مجموعة من المتسولين بأشكال وأعذار غير مقنعة، وتكتشف في نهاية رحلة يوم في الصيف بأنك أنفقت 20 في المئة من مصروفك للمتنزهات وزيارة الأماكن التي تريدها على المتسولين والمتسولات! هذا الصيف أتيحت لي الفرصة أن أزور خمس مدن سعودية في مقدمها مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة وأبها والطائف وجدة، قد لا تصدقون أن ظاهرة انتشار التسول هي السمة البارزة هذا الصيف، أمام الحرمين الشريفين وداخلهما بشكل لافت... ظننت في بادئ الأمر أن هذا الازدحام ربما يعود إلى نجاح مشروع العمرة ونجاح الشركات العاملة في هذا المجال، وان ثلاثة ملايين معتمر وهذا الرقم المتوقع لإعداد المعتمرين القادمين من الخارج أنهم قد وصلوا دفعة واحدة، إلا أنني اكتشفت أن البعض منهم يتسول وهو يطوف والبعض الآخر يتسول أثناء السعي، وفي المسجد النبوي عند الحجرة النبوية، فيما تكون خاشعاً في الصلاة والسلام على النبي الكريم وصاحبيه، فتجد من يدفعك من الخلف وحينما تنظر تجد من يمد يده نحوك يطلب منك مالاً أو مساعدة، تضطر لأن تقدم له ما تجود به نفسك طمعاً في الأجر والثواب، وأملاً في قبول الدعوة، والكثير منهم يلح في الطلب حتى تخجل منه، لأنه يشعرك بالذنب إذا أنت لم تقدم له أي مساعدة أو رمقك بعينيه فيفسد عليك رحلتك الروحانية! ?تصوروا محطات البنزين في الخطوط الطويلة ما بين المدن إلى هناك يصل المتسولون، إذ تجد من يقترب منك نساء ورجالاً وأطفالاً وشباباً،"يا الله"كيف وصل هؤلاء إلى هذه الأماكن البعيدة التي لا أرى قرى أو مناطق قريبة منها؟ كيف استقلوا سيارة، وأين ينامون في الظهر، وكيف يعودون في المساء، وعن ماذا يتحدثون في ما بينهم حينما يعودون إلى وجهتهم في المساء؟ لم نعد نفرق بين سعودي ومقيم، جميع النساء يلبسن العباءة والأطفال ينتشرون بكثافة في كل مكان، ومطلبهم الأول والأخير هو أن تدفع لهم شيئاً من المال. زارني صديق لي من نيويورك الأسبوع الماضي يخبرني بعد أن عاد من أداء عمرته، يقول صديقي: الأطفال لديكم لماذا لا يلتحقون ببرامج صيفية؟ فقلت له متسائلاً لماذا؟ فأجاب: لقد التفوا علي أمام الحرم وطلبوا مني مالاً وحينما دخلت مطعماً وجدت أيضاً هناك مجموعة، وعند جهاز الصراف الآلي وقفت مجموعة مختلطة من الرجال والنساء والأطفال والشباب يبحلقون فيّ، فاعتذرت منهم لعدم?وجود"فكة"... إلا أن احدهم تطوع وقال انه يمكنه أن يصرف لي! سألت صديقي: وما أن أعطيته، قال ورقة ال 100 ريال فانقض عليه جميع زملائه وأصبحوا يركضون خلفه، حتى اختفوا عن نظري، ولا علم لي بالورقة النقدية! صديقي سيغادر غداً بعد أن زار المدينةالمنورة وتسوق من جدة، وفي كل مرة يريد أن يُخرج محفظته من اجل الشراء يتأكد أولاً من أن أحد المتسولين لا يقف خلفه. إن أعداد المتسولين خصوصاً في المناطق السياحية في تزايد، وهذا ليس كلامي، حتى لا يقول الناس أنني"أفتري"على المتسولين، فالمسؤولون في مكتب مكافحة التسول يقولون إن أعداد المتسولين في جدة ارتفعت مع توافد المصيفين والزائرين من مختلف مناطق السعودية، بعد أن كان مؤشر عمليات التسول أخذ في التراجع خلال الشهور الفائتة على خلفية الحملات التي نفذتها الأجهزة الأمنية في محافظة جدة... هذه الأعداد في تزايد على رغم استمرار الحملة من مكافحة التسول، وإن الأمر بات في حاجة إلى مساندة الأجهزة الأمنية مثل الشرطة والجوازات، إذ تواجه فرق مكافحة التسول مشكلات مع المواطنين الذين يتدخلون لإطلاق المقبوض عليهم بحجة أنهم مساكين! ولم نعد نرى السيارات الفارهة أو التقارير الطبية أو حمل الأطفال من اجل التسول، فهناك متسولون يحترفون أساليب عدة، فمثلاً المتسول الذي يقابلك أمام مطعم يطلب منك أن تشتري له عشاءً ويصر على أن تساعده، وعند محطة نقل الركاب أو سيارات الأجرة بين المدن تجد عائلة مكونة من رجل وامرأة وأطفال يرجونك أن تشتري لهم تذاكر إركاب ليسافروا ويعودوا إلى مدينتهم، البعض منهم يحمل تذكرة طائرة ممزقة يزعم انه فقدها ويريدك أن تساعده في شراء تذكرة أخرى... وتفاجأ أمام منتزه أو عرض مسرحي بمن يلتفون حولك، إنهم مجموعة من الأطفال يريدون منك أن توفر لهم تذاكر ليشاهدوا معك. احد الأصدقاء الفضوليين أراد أن يفعل خيراً فوجد أن الكثير منهم يبيع هذه التذاكر بأسعار مخفضة لأشخاص آخرين! من المخجل أن تكون ظاهرة التسول لدينا تتمدد بشكل لافت ويسيء إلينا كمجتمع تتوافر فيه مختلف الإدارات والمؤسسات الاجتماعية والخيرية، ولم يقتصر الأمر على التسول فقط، بل امتد ليصل إلى التفاعل مع المواسم، فمتسولو رمضان غير الذين يتسولون في عيد الفطر، وكذلك في عيد الأضحى، ومتسولو موسم الحج غير أولئك الذين يظهرون أيام المدارس والاختبارات! وقريبا سنرى متسولي اختبارات الدور الثاني للطلاب الذين لم يحالفهم النجاح... وسنرى متسولين أمام ديوان الخدمة المدنية للباحثين عن العمل، وأمام مكاتب الاستقدام الذين يرغبون في استخراج تأشيرات عمل، وأمام شركات التأمين ومكاتب العمل والعمال بالنسبة للسعوديين الذين يريدون العمل في القطاع الخاص، ويشترط الحصول على الوظيفة أو تحقيق النجاح بالدفع مقدماً للمتسولين لضمان تحقيق الغاية. في السعودية متسولون من 18 دولة، النسبة الكبرى منهم من الأطفال ويتمركزون في الأماكن المقدسة، هذا الكلام قاله مدير برامج منظمة اليونيسيف في الخليج إسماعيل الأزهري، ويقول هذا المسؤول إن المتسولين يأتون إليها عبر طرق عدة سواء كانت الطرق شرعية أو غير شرعية، وان المنظمة تعمل مع 160 دولة للتشجيع على مصادقة وتنفيذ حقوق الطفل والبروتوكولين الملحقين بها المتعلقين بمشاركة الأطفال في الصراعات المسلحة وبيع الأطفال واستغلالهم، معتبراً أن المنظمة والدول الأخرى تواجه تحديات تتجاوز بكثير قدرة أي منظمة فردية للعمل على بناء عالم ملائم للأطفال، وتم تحت إشراف المنظمة عقد اجتماعين تشاوريين بين الجانب السعودي والجانب اليمني على تجريم أي شكل من أشكال تهريب الأطفال. هذا مسؤول عالمي يعترف بوجود 18 جنسية في السعودية تمتهن التسول، فهل بالله عليكم يستطيع جهاز مكافحة التسول ملاحقتهم؟ أمر مخجل حقاً أن تنتشر ظاهرة التسول بهذه الحدة والحرفية والمهارة في مدن مختلفة، اسمعوا نصيحتي... اقترح أن تقام جمعية للمتسولين تشارك العام المقبل في فعاليات الصيف كراعٍ رسمي. * إعلامي وصحافي اقتصادي [email protected]