لا شك أن التقدم الطبي أحد أوجه التنمية الحديثة من أجل محاربة الأمراض والمحافظة على صحة الإنسان، ولكن لا أحد ينكر أن هناك جوانب سلبية لهذا التقدم تتلخص في تلوث البيئة بالنفايات الطبية، وبالتالي خطر ذلك على صحة الإنسان الذي ? أصلاً ? هذا التقدم وجد للحفاظ عليه سليماً معافى. الأمر أصبح في غاية الخطورة، فالعدد الهائل من المستشفيات والمراكز الطبية، وما يرقد بها من مرضى، وما ينتج عن ذلك من كميات كبيرة من المخلفات الطبية، كالإبر والحقن والقطن والشاش، وبقايا العينات الملوثة من تحاليل المرضى من دم وأشياء أخرى، إضافة إلى المخلفات الصيدلانية والكيماوية، وأحياناً المخلفات المشعة، ومخلفات العمليات، من أعضاء بشرية وغيرها، أمر يحتاج إلى خطط طويلة المدى وأخرى قصيرة المدى، وآلية للتنفيذ، لا تقبل أي نسبة، مهما صغرت، من الإهمال. السؤال الذي نحتاج الإجابة عنه هو: لماذا وجدت هذه المرافق الصحية المتقدمة؟ إذا كانت الإجابة هي من أجل صحة الإنسان والحفاظ عليه سليماً معافى، فالواجب أخذ التدابير والحيطة مما ينتج عن تلك المخلفات من مسببات للمرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، الأمر الذي دعا العديد من الدول المتقدمة والمنظمات العالمية إلى الاهتمام بهذه المشكلة، بعدما أثبتت بعض الدراسات والبحوث مسؤولية هذه النفايات الطبية عن إحداث أمراض وأوبئة فتاكة وسريعة الانتشار. فإذا كان الأمر كذلك فلسنا في حاجة إلى إجراء مزيد من البحوث والدراسات للتأكد، بل يجب علينا أن نستفيد من خبرة الآخرين في هذا المجال ونبدأ من حيث انتهوا. في تلك الحال يلزمنا الاستعانة بالجهات المتخصصة في هذا المجال، وبناء جسور التواصل معها، والاستفادة من التقنيات الحديثة التي استخدمتها في التخلص الصحيح من النفايات الطبية، والتعرف على ما أحدثته من آثار جانبية، ومعرفة العلاج الناجع من تلك الآثار، لأن ذلك النوع من النفايات يحتاج إلى عناية خاصة. ذلك النوع من المخلفات يحتاج إلى طريقة خاصة في جمعه ونقله وكيفية التخلص منه، من دون أن يلوث البيئة، أو أن يضر بصحة الإنسان، تبدأ هذه الطريقة من الممرض أو الممرضة حينما يحقن المريض بإبرة ? مثلاً ? وينتهي بالمكان المخصص للتخلص من النفايات والمسؤول الفني ، ولا أقول، العامل العادي، وأؤكد على كلمة"فني"نظراً لخطورة ما يتعامل معه، ودرجة حساسية الموضوع، وإشارة إلى أن معظم المخاطر تنجم من بين أيدي أؤلئك العاملين غير المختصين في مثل تلك الأمور، ما يحتم، مستقبلاَ، ضرورة التركيز على التخصص، واشتراطات العمل في المواقع الطبية أياَ كان نوع العمل. يروي لي أحدهم أنه رأى ذات يوم مجموعة من الأطفال بجانب إحدى الحاويات الطبية المهملة أمام أحد المستشفيات، وهم يقومون بأدوارهم في تمثيلية، كأنهم طبيب ومساعده وممرض، أو اثنين، ومريض، ويستخدمون بعض تلك الأدوات المستخرجة، طبعاً، من الحاوية، في تمثيليتهم تلك، وإلى جانبهم طفل آخر يضع في فمه بعض أشياء بلاستيكية، وممكن تكون من ذات الحاوية، يعبثون بالموت وهم لا يدركون، لطفك يا رب!! أكيد أن المسؤولية هنا مشتركة بين أكثر من طرف. ومما لا شك فيه أن الجهات المسؤولة عن النواحي الصحية تعمل على تطبيق الآلية الصحيحة للتعامل مع النفايات الطبية، ولكن الأمر لا يخلو من بعض التجاوزات، كأن يسند الأمر إلى عمالة عادية غير متخصصة، أو تهمل بعض الجهات التنفيذية، مثل ترك العبوات مفتوحة لفترة طويلة، أو وضعها في غير موضعها في بعض الأحيان، أو أن تترك تلك النفايات أمام بوابة إحدى المصحات في أحد الأحياء السكنية، ويأتي الأطفال ? من شقاوتهم ? ويلعبون بها، ويظن أحدهم أن أحد مكوناتها قطعة حلوى. إذن الأمر هنا يحتاج إلى المتابعة الجادة في التنفيذ، فما الفائدة أن تتوافر أدوات التخلص من تلك النفايات، ولكن لا تستخدم كما ينبغي؟ وما دام الأمر بهذه الخطورة، التي اعتبرها البعض تفتك أكثر مما تفتك الحروب، فلا شك أننا في حاجة إلى الاهتمام بهذا الأمر، واتباع الخطوات الصحيحة للتخلص من النفايات الطبية، والتأكد من سلامة التنفيذ، للحفاظ على المجتمع الذي أوجدت المنشآت الطبية العملاقة من أجله... فهل من مستجيب؟ محمد بن ناجي آل سعد مدير التخطيط والتطوير التربوي بتعليم نجران [email protected]