"روّحوا القلوب ساعةً بعد ساعة فإن القلوب إن كلت عميت"،"إن لبدنك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً ... فأعط كل ذي حق حقه"، وقال علي - رضي الله عنه-:"أجموا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان "وقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه-:"أريحوا القلوب، فإن القلب إذا كره عمي". من بصيص هذه الآثار الإسلامية السابقة نستطيع أن نخرج بجذوة نور، تؤكد لنا أهمية الترفيه والترويح في حياة الإنسان، لتخرجه من أنفاق الدنيا القاتمة. وهل من شك في أن الترويح اللائق المهذب الذي لا يتعارض مع آداب الإسلام ومبادئه وقيمه ضروري ومهم؟ وهل من حرج في الإقرار بأن الإنسان ميال إلى الترفيه طبعاً وجبلة؟ ناهيك عن حاجته إلى ذلك لمواجهة مشكلات الحياة المعقدة. ومن ذا الذي يدعي قدرته على الصمود أمام المشاهد الخالية من الترويح والترفيه والتشويق؟ لكن ذلك أجمع لم يمنع أطرافاً من التشكيك في أهمية الترفيه. حتى بعد ظهور القنوات والبرامج الترويحية المحافظة التي حاولت أن تظهر الترويح الإسلامي بصورة بديلة، تخرجنا من ضيق الحياة إلى بحبوحة الجمال، وان تزاحم الترويح الهابط، ظلت محاولات بدائية، لم ترق لقطاع كثير من الناس، وبقي السؤال: هل الترفيه والفن حظيا بتنظير جيد من أرباب الفن الهادف أو الإسلامي؟ وهل الغاية السليمة والفكرة الرائعة تبرر ان التجاوزات التي قد تكون عند البعض محرمة؟ وهل الترويح والفن يحتاجان لفقه مستقل عن الفقه السائد الذي كان عالة على ما طرح في السابق؟ يقول رئيس قسم التربية الإسلامية في جامعة الملك سعود الدكتور سليمان العيد:"النفس البشرية في حاجة إلى الراحة، فالنفس تمل وكذلك المجهود العقلي والجسدي يتعب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ويؤكد هذا الجانب في أكثر من موضع منها"سددوا وقاربوا "و"إن الله لا يمل حتى تملوا" ويا حنظلة ساعة وساعة "واعتبر الباحث الشرعي منصور الزغيبي، أن كتب الفقه الإسلامي خالية من فقه الترفيه، ف?"المنظومة الفقهية تراث ضخم، تضم الكثير من الكتب والأبواب والمواضيع التي يحتاجها الإنسان في شؤون حياته، لكن يعتريها الشيء الكثير من النقص والجمود والتقليد، والبعد عن فهم الواقع وتغيراته، هناك مواضيع ضرورية ومهمة وعصرية غير مدونة، وكتب الفقه الإسلامي خالية منها، فمن ضمن هذه المواضيع الأساسية"فقه الترفيه". مع توافر النصوص الشرعية التي تعطي المسلم فسحة للترفيه والترويح والتجديد النفسي". وأضاف:"في نظري أن"فقه الترفيه "لم ينل حقه في التفصيل والشرح الواقعي، بسبب ربطه بالشهوات والمحرمات، والخوف من انزلاق المسلم في المتاهات، كذلك بسبب الإكثار من تناول خطاب الاستعداد للموت والآخرة والعذاب". ورأى أنه"على أهمية الخطاب إلا انه يحتاج إلى تهذيب يعيد المسلم إلى توازنه، والأثر يقول اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. والفقيه العصري مطالب بسد حاجات الإنسان المسلم، ومعرفة ظروف الزمن القاسية، وإنشاء الوسائل الإعلامية المهذبة سلوكياً". ومن خبرة تجربة عملية تقدر بعشرين سنة في مجال الإعلام الهادف، يقول الكابتن صالح العريض:"واقع الترفيه مفتوح للجميع، والقائمون على الترفيه نوعان، إما دارس ومتعلم لهذا الأمر من نواح عدة، منها ترفيهية أو شرعية والبعض لا يفقه شيئاً، فلا يميز بين من يتسلى لكي يتعلم ويربي، ومن يتربى عن طريق الترفيه". واعتبر"الهدف من الترفيه إدخال السرور على قلب المسلم"، مستشهداً بما كان يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم من مسابقة لعائشة رضي الله عنها، ولعبه مع الصبيان، ومع الحسن والحسين رضي الله عنهما. وطالب العريض أن يكون هناك دعم مادي قوي للإعلام الهادف"إذا دعمنا الإعلام الهادف فنحن دعمنا الترفيه الهادف، وينقصنا الدعم المادي بشكل كبير، فلكي تنتج مسرحاً مميزاً وتضفي له صوتيات مؤثرة وإضاءة جاذبة تحتاج إلى الدعم". وزاد:"صناعة النجوم في الغرب يدفع لها آلاف الملايين، لكي يرضي ذلك النجم الجمهور، أما نحن فلا نجد من يقوم بذلك، ونسمع من يقول"يا رجال بزارين وسعوا صدورهم بأي شيء". واتهم العريض متنزهات الترفيه بأنها لا تبحث إلا عن الربح المادي ولا توفر الإمكانات التي تنجح العمل"فهي لا تعطي إلا القليل وتطالبك أن تبذل قصارى جهدك". وطالب العريض بوجود"فقه إعلامي "يحل كثيراً من الإشكالات التي يثيرها الجمهور قائلاً:"نتمنى من المهتمين بالجانب الشرعي أن يصدروا كتباً ويهتموا بالأطروحات الإعلامية، لكي تحل كثير من الإشكالات، فالبعض يحرم علينا الدف والبعض يحرم الدمى، العلماء يفتون لنا ولكن لا يريدون إعلان ذلك يخشوا أن يتوسع الناس في هذه الأمور، أو يساء فهم كلامهم، فيزيدون عليه " وأيد الدكتور سليمان العيد أن يكون هناك فقه إعلامي يهتم بالمسائل المطروحة في الترفيه، مؤكداً أن"الإعلام في حاجة إلى هذا الأمر، وهو ولله الحمد متيسر وسهل ولكن ينبغي أن تبذل الجهود فيه". كما اعتبر الزغيبي وجود الفقه المؤيد للترفيه مهماً في تصحيح مفاهيم وأحكام مسبقة لدى المسلم المعاصر نحو الترفيه والترويح المشروع، الذي يعطي الطاقة والحيوية، والمسلم المكتئب لا يستطيع انجاز وتحقيق أي شيء لذاته، فضلاً عن نفع دينه أو مجتمعه أو وطنه". غير أن ذلك لم يدفع العيد إلى التحرج من بعض وسائل الترفيه التي تكون مصحوبة ببعض المحظورات، إذ"ليس مبرراً أن تكون الغاية سليمة والهدف نبيلاً في الترفيه، لارتكاب التجاوزات والتساهل في الأمور المحظورة والمحرمة". ويعقب على ذلك الزغيبي قائلاً:"النصوص الشرعية ليست حكراً على فئة من الناس من دون فئة أخرى، بل الكل يشتركون في تفسيرها وتأويلها، وطبعاً هنا أخاطب المتخصصين الذين يملكون أدوات الاجتهاد وفهم الواقع المتأزم، ويجب مع الاختلاف احترام الآراء، مع البعد عن التضييق والاهتمام. وغالبية الاختلافات الفقهية فرعية، ومساحات الاختلاف فيها واسع، لكن البعض يتعامل مع المسائل الفرعية كتعامله مع المسائل الأصولية".