{ قال عالم السنة السعودي البارز الدكتور حاتم الشريف، إن برامج الحاسوب المدمجة وسعت دائرة الأدعياء على السنة النبوية! لكنه في الوقت نفسه اعتبر اللحظة الراهنة"ذهبية"في جانب الاهتمام بالسنة النبوية، مقارنة بعصور خلت، كان فيها العلماء قبل العامة يستشهدون بأحاديث واهية، جهلاً بها! غير أن الشريف لم يرجع فضل الاهتمام الناشئ الذي تحدث عنه إلى مراكز البحوث والجامعات في بلاده، وإنما إلى مدارس ازدهرت بعد رحيل الألباني وابن باز، أما الجامعات فإنها بحسبه فشلت كلياً في تخريج محدثين أو حتى أنصاف مختصين في الحديث،"والدليل على ذلك إقبال طلاب أقسام السنة على الدورات العلمية بهدف تعويض النقص". وفي نهاية أخرى، اتهم الشريف وزارة العدل في بلاده بأن حججها في عدم تعيين خريجي قسم القضاء في جامعة أم القرى غير موضوعية، إذ"كيف نقبل أن تُصرف الملايين على قسم يخرج طلاباً كل عام، ويكلف الكثير من الجهود، بمقررات في غاية القوة من الناحية العلمية، ثم لا تُستثمر تلك القدرات، في وقت نعاني فيه نقصاً حاداً غير خافٍ لأعداد القضاة". جاء ذلك في حوار له مع"الحياة"هذا نصه: كان لك تقرير ساخن في مجلس الشورى أثناء مناقشته تقرير وزارة العدل قبل أشهر، حملتَ فيه على الوزارة لكونها لا تعيّن قضاة متخرجين من جامعة أم القرى، كما قلت، ما مدى صحة هذا القول؟ ولماذا؟ - أما أني حملتُ وشنّعتُ، فلا. وأما أني ذكرت أن الجهة المسؤولة لا تعيّن الخريجين من جامعة أم القرى، فنعم، مع أن جامعة أم القرى هي الجامعة الوحيدة في المملكة التي فيها قسم متخصص في تخريج طلاب بكالوريوس في القضاء. وليس وجيهاً أبداً ولا مقنعاً ما يقال من أن عدم التعيين يرجع إلى الأخذ بمبدأ"طالب الولاية لا يُولّى"، لأنه لو كان هذا هو السبب الحقيقي لكان من الأولى أن يطبق على خريجي المعهد العالي للقضاء الذي يتقدم إليه الطلاب لتولي منصب القضاء. فكان الذي ينبغي على الجهة المسؤولة أنه كما يتم اختيار الطلبة الأكفاء من خريجي المعهد لتولّي القضاء، أن يتم مثل ذلك تماماً مع خريجي جامعة أم القرى. ثم كيف نقبل أن تُصرف الملايين على قسم يخرج طلاباً كل عام ويكلف الكثير من الجهود، بمقررات في غاية القوة من الناحية العلمية، ثم لا تُستثمر تلك القدرات، في وقت نعاني فيه نقصاً حاداً غير خاف في أعداد القضاة، لا شك في أن ذلك هدرٌ للثروات المادية والبشرية على حد سواء. ولكن عندما طرحتَ هذه القضية في مجلس الشورى، كيف كانت ردود الفعل عليها؟ - هذه القضية بالذات طُرحت في السنة الماضية بطريقة أقوى من هذه السنة، وتُثار من حين لآخر من غيري، بالإشارة إلى موضوع الإقليمية أو المحسوبية في التعيين، لكني قلت إننا نرجو أن يكون التعيين من جميع المناطق بحيث يتم تعيين القضاة الأكفاء من المنطقة نفسها... ما أمكن ذلك، وهذا بلا شك أكثر إراحة للقضاة أنفسهم، وأعون لهم في أداء مهامهم، بحكم معرفتهم بأهل المنطقة وخبرتهم بمشكلاتها وأعرافها، وأنا أرجو أنه لو تم هذا لكان في صالح القضاء والعدالة معاً. ألا يؤثر ذلك في النزاهة القضائية؟ فهل نفترض في قاض أن يحكم ضد عمه أو أخيه؟ - النزاهة ضمانتها الأولى الخوف من الله، ثم الوضوح والصرامة في الترشيح لمنصب القضاء، ثم اتباع الأنظمة التي تنص على التفتيش القضائي، ومراجعة الأحكام الصادرة عن القضاة، وتأديب المخالفين. التفتيش بعد سنوات! وهل التأديب يمارس بشكل صارم؟ - نظام التأديب القضائي موجود في وزارة العدل، لكنه للأسف الشديد غير مطبق بالفعل، وهذا ليس كلامي أنا، بل كلام قضاة يعملون في سلك القضاء، أخبروني أن هناك قصوراً بالغاً في العمل بنظام التأديب القضائي، فالمفترض أن يكون التفتيش القضائي بصورة دورية كل ستة أشهر أو كل سنة، لمراجعة أعمال المحكمة وأحكامها والتأكد من أنشطتها المتعددة، لكن الواقع أن هذا التفتيش لا يحدث إلا كل سنوات عدة، أو في حالات وجود شكوى! ربما لأن التفتيش فيه تشكيك مبطّن في نزاهة القاضي، ونحن نؤمن بأن القاضي موقّع عن الله... ومثله المفتي؟ - لا، ليس فيه تشكيك في نزاهة القاضي، لأن المراقبة واجب لا بد من القيام به للاطمئنان على سير العمل، خصوصاً إذا كنا نتحدث عن عمل في غاية الأهمية كالقضاء. ولا شك في أن من حق الجهة المسؤولة أن تتابع منسوبيها من حين لآخر، وكذلك القضاة، فهم بشر وأحكامهم تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، كما أن الشعور الشخصي بالمتابعة أدعى للالتزام. ما تقوله وجهة نظر، لربما يعارضها قائل يرى أن ما تسميه أنت خللاً في التفتيش لم يؤثر في أداء القضاء؟ - لابد من أن يكون لضعف التفتيش القضائي أثر، والشكاوى من القضاء موجودة وبكثرة، بل إن بعض تلك الشكاوى تأتي من القضاة أنفسهم، وبعضها كان يمكن تداركه لو أن نظام التفتيش القضائي فُعّل بصورة كاملة. ولو أخذنا مظهراً واضحاً من مظاهر القصور لدى بعض القضاة، وهو التأخر الكبير عن وقت الدوام الرسمي، فلماذا لا يكون دوام المحاكم مثل أية إدارة حكومية أو أي قطاع خاص، فيكون تسجيل دخول الدوام عن طريق البطاقات الالكترونية حتى لا يكون هناك أي مجال للحرج أو للمجاملة في هذه القضية. هل من اللائق بوقار القاضي وهيبته أن يوقّع حضوراً وانصرافاً مثل موظف جمارك؟! - أنا لا أرى في هذه المسألة أية مشكلة لو طبقت على جميع من يعمل في السلك القضائي، وبمرونة معينة تراعي هيبة القاضي ومكانته، كونه أهلاً للثقة. لكن ذلك لا يجيز إغفال ضرورة وجود جهة مراقبة وآلية دقيقة وعادلة لها، وفي النهاية... المقصود من هذه العملية هو تطبيق النظام، فليس من العدل ممن يقيم العدل أن يساوي نظامُه بين الجاد في عمله وغير الجاد فيه. وزارة العدل وأعداد من القضاة يرون أن قضايا العدل في الإعلام يتم التركيز على السلبي منها فقط، بينما الإيجابيات أكثر، كما أن الحديث عن حقوق القضاة قليلاً ما يُسمع... فماذا ترى أنت؟ - لا شك في أن بعض وسائل الإعلام في بلادنا لا تمارس المهنة الإعلامية بالحرفية المطلوبة، وتستهويها الإثارة أكثر من ذكر الحقائق. كما أن بعض الإعلاميين والكتاب جعل من المؤسسات الدينية غرضاً لسهامه بحق وبغير حق. وهذا لا ينفي أن هناك أخطاء، ولا ينفي أن بعضنا يحمل راية الدفاع عن المؤسسات الدينية بحق وبغير حق أيضاً، ولسان حاله يقول:"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"بالمعنى الجاهلي لهذه العبارة. والحق يقال إن هناك أخطاء في المحاكم ولدى بعض القضاة، لئن احتملناها سابقاً فإنها اليوم لم تعد محتملة، لأن العالم كله بإعلامه ومؤسساته يتصيد هذه الأخطاء لنظام القضاء الإسلامي الفريد في السعودية، والنقد ولو كان لاذعاً إحدى وسائل الإصلاح، إذا كان بحكمة ونية حسنة. ومن هذا المنطلق فإني آخذ على عدد من القضاة تساهلهم في أداء كثير من واجباتهم في المحاكم"لعدم وجود جهة رقابية أو تفتيش، بل إن بعضهم أضاف إلى ذلك العزلة عن المجتمع خارج المحاكم. لقد وصل الأمر ببعض القضاة أن ظهرت عليه دلائل الضعف في العلم الشرعي، بسبب انشغاله عنه، فلا نرى للكثير منهم دروساً في المساجد مثلاً، ولا أية مشاركة علمية ولا اجتماعية، كما أغفل الكثير من القضاة دورهم في الدعوة والإرشاد، ما زاد من ضعف أثرهم في كثير من النواحي. وهذا لا يعم الجميع بالطبع، لكني أزعم أنه ظاهر. أقسام السُّنّة فشلت في تخريج محدّثين! لننتقل من القضاء إلى السُّنّة، ماذا عن أقسام السُّنّة في الجامعات، طالما تخصصك هو السُّنّة؟ - بالنسبة إلى أقسام السُّنّة النبوية خصوصاً والعلوم الشرعية عموماً، فقد طرحت نقدي على طريقة المناهج السعودية وعموم التوجّه العلمي فيها، لأنني أجد أن هناك خللاً بالفعل في طريقة التدريس وفي المناهج العلمية، لأنها لا تخرّج محدّثين بالمعنى الصحيح. دعنا نحصر الحديث في أقسام السُّنّة، بوصفك متخصصاً فيها كيف تراها؟ - يكفي أن أذكر لك أننا ما زلنا نسير على منهج التلقين والتحفيظ الذي لا يخرّج أصحاب تحليل ونقد وإبداع. وعدم فهم التخصص ما زال يغشى مناهجنا، وأهدافنا التعليمية قبلها، ما زلنا نكرر عبارات عصور الجهل في العالم الإسلامي، كعبارة"احفظ فكل حافظ إمام". وننسى أن الأولى منها بالحفظ والترديد والعمل قوله صلى الله عليه وسلم:"من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". فالفقه والفهم العميق هو الأهم، بل هو المقصود من العلم أصلاً. ومن نواحي الخلل المبنية على ما سبق ضعف المناهج، فهل تعلم أن كثيراً من طلاب أقسام السُّنّة يتخرج منها؟ ولربما لم يقرأ مجرد قراءة مئة حديث فقط! ولا مرّ على كتاب واحد من كتب علوم الحديث بصورة كاملة! ولا عرف مصادر العلم ولا منهجية البحث العلمي؟! ثم هذا بهذا الضعف يلتحق بالماجستير ثم بالدكتوراه ليكون بعد ذلك دكتوراً وأستاذاً جامعياً، وحصيلته العلمية هي تلك الشهادات التي يحملها فقط. لقد شعر طلبة العلم الجادون بهذا القصور في الجامعات فذهبوا يعوضون هذا النقص الكبير من خارج الجامعات، لذلك نجد أن الدورات العلمية التي تقام أثناء الصيف في المساجد تلقى إقبالاً شديداً من طلاب الجامعة، لأنهم يجدون فيها مالا يجدونه في الجامعات. في ما يتعلق بتمييز صحيح السنة من ضعيفها، هل بعد تطور أدوات البحث عبر وسائل التقنية، بقي دور ل?"المحدّثين"؟ أم أن الساحة لم تعد في حاجة لأكثر من باحث متقن أدوات التخريج؟ - بل ما أحوجنا في هذا العصر إلى متخصصين حقيقيين في علوم الحديث، وما أغنانا عمّن يظن علم الحديث مجرد جمع مظان الحديث من خلال الحاسب الآلي، لأن هذا إنما يدل على انعدام معرفته بالسُّنّة النبوية، لأن السُّنّة تحتاج إلى فقه وفهم للحكم عليها، وكما أن هذه الآلة الجامدة الحاسوب غير قادرة على استنباط الحكم والفتوى من النص الشرعي، فهي غير قادرة أيضاً على الحكم على الحديث من خلال معطيات معينة يبرزها الحاسب، لذلك نحن في حاجة إلى علماء متعمقين يكون الحاسب بالنسبة إليهم مجرد فهرس، ومن قال إن لهذا الحاسب دوراً غير هذا الدور فهذا دليل على جهله بحقيقة الحكم على السُّنّة النبوية. الحاسب أكثر من أدعياء علم"السُّنّة"! ولكن من حيث الواقع العملي هل الحاسب الآلي جعل الأدعياء على السُّنّة النبوية كثراً ؟ - هذا واقع بالفعل، لأن بعض طلبة العلم المبتدئين يظنون أن كثرة مصادر عزو الحديث دليل على كثرة العلم والاطلاع. فتسلق بذلك بعض الأدعياء على علوم السُّنّة واغتر بهم من لا علم له بالسُّنّة. مدارس الاعتناء بالسُّنّة في الوقت الراهن هل لها أسماء معينة أو رموز؟! - هناك في الساحة الحديثية آراء متعددة في علوم السُّنّة النبوية يحب البعض أن يصنفها على أنها اتجاهان: الأول: المقتصرون على اجتهادات العلماء المتأخرين في تقرير القواعد وتفسير المصطلحات. والثاني: يجتمع دعاته على أن الأصل تقديم كلام العلماء المتقدمين كالبخاري ومسلم في مسائل السُّنّة وعلومها. وأصحاب الاتجاه الثاني يتباينون في كثير من الآراء وإن اتفقوا في ذلك المنطلق. والشيخ الألباني كان من الاتجاه الأول، وهذا طبيعي، فإن من مارس الإحياء لا يمكنه إكمال عملية البناء، وعلى من جاء بعده إكمال مسيرة العلم. أفهم من ذلك أنك تمثّل المدرسة الثانية؟ - لاشك في أنني أنقد الاتجاه الأول، وإن كنت أرى أصحابه ممن سبقونا على خير، وكيف لا وأنا أعترف بأنهم هم من أحيوا علوم السُّنّة؟ لكني لا أرى الجمود على كل ما كانوا عليه، بل لا بد من الاعتراف بوجود أخطاء منهجية عندهم. لماذا ترى أن التعددية في مدارس السُّنّة أفضل؟ - التعددية في التيارات المهتمة بالسُّنّة أفضل، بشرط أن نحسن التعامل مع الاختلاف، وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"إن الاجتهاد السائغ لا يؤدي إلى فتنة وفرقة إلا مع البغي والاعتداء في الخصومة". إذاً، الاختلاف المنهجي إيجابي إذا كان من أهل الاجتهاد ويؤدي إلى نتائج ممتازة جداً، أما إذا ابتدأ البغي والاتهام في النوايا والسباب والشتائم والخروج عن المنهج العلمي في النقد... فعند ذلك ستكون للاختلاف نتائج سلبية. وهل ابتدأ البغي؟ - الساحة لا تخلو من بغي، لكن بحمد الله تعالى لم يخرج هذا البغي من رموز أو أناس لهم وزنهم العلمي، وإنما خرج من طلبة علم صغار، السكوت عنهم وتجاهلهم أفضل، فمن المحتمل أن يعرفوا هم أخطاءهم إذا ما ازدادوا علماً وإيماناً. ولكن أنصار"المدارس الفقهية"يحمّلون الاهتمام الناشئ بالحديث وزر تراجع تطوّر فقه المعاملات؟ - أصحاب المدرسة الفقهية حقاً لن يقولوا ذلك، لأن التجديد الفقهي الحق إنما يكون بالرجوع إلى الكتاب والسُّنّة، وأول دعوة للتجديد الفقهي كانت بالرجوع للدليل، وألا يُكتفى بالتقليد. ولا شك في أن الفقيه الذي لديه القدرة على النظر في الدليل وعلى الاستنباط منه، سيكون هو القادر على مسايرة النوازل الفقهية بالأحكام الشرعية الصحيحة، أما الذي يقلّد ويلغي عقله تماماً فإنه مجرد ناقل لآراء الفقيه السابق، وهو بذلك يفقد عنصر الأهلية المُشتَرط في المجتهد. النبي طبيب أيضاً ذكرت في بحث لك عن"شبهات حول السُّنّة"، أن هناك من يشككون في أن السُّنّة وحي، هل يوجد فعلاً من يقول هذا؟ - نعم يوجد قديماً وحديثاً، ولكن ليس المقصود به كل السُّنّة، وإنما بعض أبوابها، فهناك من يقول إن أحاديث الطب النبوي ليست بوحي وإنما هي تجارب تلقاها النبي عليه الصلاة والسلام عن الأطباء العرب، وممن يتبنى هذا الرأي أناس لهم وزنهم السلفي، وهناك من يتكلم عن أحاديث المعاملات عموماً والبيوع والأنكحة ويصفها بأنها كلها من أمور الدنيا وليست من الوحي، ففي كل هذه يقولون إنها آراء للنبي عليه الصلاة والسلام وليست من الدين ويحق لنا أن نعارضها! وهذا ليس بصحيح طبعاً. وهل هذا ما يعنيه من يقول إن النبي ليس طبيباً؟ - من أوائل من قال هذه العبارة ابن خلدون، فهو يرى أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يبعث ليبيّن الطب، ولذلك كل ما حدّث به في الطب ليس وحياً، وطبعاً هذا رأي خاطئ وغير صحيح، لأن النبي عليه الصلاة والسلام تكلّم في مسائل معدودة في الطب، ويجب تصديقه وطاعته صلى الله عليه وسلم فيها"لأن ذلك من مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله. إذاً، كيف نميّز قول النبي عليه الصلاة والسلام حين يكون وحياً؟ ومتى يكون في سياق"أنتم أعلم بأمور دنياكم"؟ - هذا يتبين بأمرين: الأمر الأول أنه عليه الصلاة والسلام يصرح بأنه ظن، مثلما جاء في أكثر من حديث نبوي، وعندها نعرف أنه ليس بوحي، والأمر الثاني هو أن يقول الرسول الحكم ثم يأتي الوحي لتصويب كلامه عليه الصلاة والسلام، سواء كان أحكماً أم خبراً، فإن كان الأمر الأول فهو اجتهاد، وإن كان الثاني فهو وحي حق بدليل النصوص العامة المطلقة الدالة على وجوب طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام وتصديقه في كل ما جاء به وأخبر عنه. وقد بيّنت ذلك بوضوح في مقال منشور في كتابي"إضاءات بحثية". في إحدى مقالاتك عبر موقع"الإسلام اليوم"دافعت عن التلقُّب بالشريف، هل هناك من عارض حتى تحتاج إلى إثبات العكس؟ - نعم... ففضيلة الشيخ بكر أبو زيد أورد لقب الشريف ضمن المناهي اللفظية، وهناك كتابات صحافية من حين إلى آخر في بعض الصحف الوطنية والمحلية، ولقاءات شخصية مع بعض المشايخ وطلبة العلم بخصوص هذه القضية، فحاولت أن أبيّن لهم أن هذا اللقب موجود منذ قرون طويلة، وعلماء المسلمين كانوا يلقبون به آل البيت، ولا ينكرون ذلك بل يقررون مشروعيته، كما بيّنت ذلك في مقالي المشار إليه. وليس هناك وجه من وجوه الإنكار الشرعية، فقبيلة الأشراف موجودة منذ قرون، وقد أصبح هذا اللقب اسماً علماً عليهم، وليس أهل هذا العصر أول من استحدثه، ولذلك لا أرى للمنكرين أي وجه شرعي واضح! ولكن هل بحثت المسألة شرعياً، أم من باب الدفاع عن النفس؟ - لا.. أبداً، بل كتبتها بنَفَسٍ شرعي بحت بعيداً عن العصبية القبلية، وحاولت أن أثبت مشروعية هذا اللقب بالاستدلال بكلام علماء أجلة، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، وعلماء الفقه الحنبلي والشافعي والمالكي والحنفي كلهم قاموا بتقرير هذا اللقب. وما كان لمن لبس اللباس الشرعي، ولا لمن شدا شيئاً من علومه، أن تستهويه العصبية القبلية والحمية الجاهلية. وأرجو من الله تعالى أن أكون بعيداً عن ذلك. نشرت الصحف وتناولت المنتديات ردك على مي يماني حول الحجاز وأهله ومذهبه، لماذا قمت بالرد عليها شخصياً، هل فُوّضت أم أنك اخترت أن تكون في وجه العاصفة؟ - المؤكد أنني لست المعني الوحيد بما جاء في كتاب مي يماني عن"الحجاز"من الخلط، ولكني بعدما قرأت عرْضَ الكتاب على موقع قناة"الجزيرة"، رأيت من واجبي الرد على مزاعمها، بوصفي أحد أعيان الإقليم الذي تحدثت عنه، والرد ليس على يماني وحدها، ولكن على كل من يتبنى طريقة طرحها، التي تصوّر"الحجاز"كما لو كان وقفًا على طائفة معينة من المنتسبين للتصوف، فهذا الذي أردت أن أبيّنه، ووجدت الفرصة سانحةً حين طرحت"الجزيرة"موضوع الكتاب، وشعرت بعد ذلك بتفاعل كبير من الناس حول ما جاء في الرد. من يصوّرون الحجاز على أنه تيار من الصوفية فحسب كثيرون أم قلة؟ - أصحاب هذا الرأي مجموعة قليلة جداً، والحقيقة أن كثيرًا ممن ينتسبون إلى الصوفية في الحجاز إنما يفعلون ذلك من باب التعصب الإقليمي فقط، عندما أوهمهم البعض بأن التصوف هو مذهب علماء الحجاز، ولذلك ربما كان بعض هؤلاء المنافحين عن التصوف لا يعرفون عنه شيئاً يُذكر، بل ربما كان الواحد منهم في واقع أمره لا يتبع إلا المنهج السلفي الذي درسه في المدارس الحكومية، وهو ينافح عن اسم التصوف فقط لا عن مضامينه التي يخالفها هو نفسه. وإن كنت أريد أن أنبّه إلى أنني لست معادياً لكل من انتسب إلى التصوف، ولست ممن يتوسع في التبديع أوالتكفير, بل أرى أن الصوفية إخوان لنا مسلمون، وفيهم أهل علم وفضل، ولا أرى سبباً لإيجاد حواجز بيننا، كما أنني ضد الإقصاء وإلغاء الوجود. إلا من غلا منهم كبعض الفرق الباطنية المتزيين بزي الصوفية، أو من استغل هذا الاختلاف لإشاعة الفُرقة والفتن بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد. تعتيم على أوقاف الحرم! الأوقاف حول الحرم المكي قليلة جداً بحسب الوزارة المعنية، ...؟! - لست مهتماً بمسألة الأوقاف حول الحرم المكي، ولكن قلّتها لها وجه كبير من الصحة، وبالفعل هناك أوقاف كثيرة غير مشهورة وتُستغل بطريقة غير صحيحة، وبعضها زالت أوراق وقفيتها، وبعضها الآخر لا يزال مُخفىً عند أصحابه ولم يُشهر بعد! في مسألة الطائفية ثمة دعوات متضاربة، هناك من يدعو للتعايش، وآخرون للتقارب، كما وجد من لا يرى الخلاف جوهرياً أصلاً؟! - التعايش هو المرحلة الأولى، فلا يُعقل أن أدعو إلى التقارب بمعنى الحوار وأنا في الأصل لم أوجد أرضية التعايش، ولهذا فإن الخطوة الأولى هي التعايش، فلا بد من إيجاد وسيلة وآلية شرعية صحيحة وواضحة لإعطاء الجميع حقوقهم"لأننا جميعاً مسلمون. هل هذا يعني أنه لا خلاف في الزواج بين الطوائف؟ - ابن تيمية سئل عن زواج الشيعي من السنية فكره ذلك لكنه أجازه، وهذا أكبر دليل على أنهم عنده مسلمون، ولكنه كرهه خوفاً من تحوّل المرأة السنية إلى التشيّع. مولد النبي لا يثبت مكانه! هناك آثار يجب أن تبقى وهي الثابتة التي تتعلق بالعبادات الشرعية مثل المسجد النبوي والمشاعر، فهذه لا خلاف فيها، وهي من الآثار النبوية، ومثل مسجد قباء وما شابه ذلك فهذه من الآثار ولابد من الحفاظ عليها والدفاع عنها. وهناك قسم آخر من الآثار على العكس، وهي التي ليس هناك ما يكفي لإثبات أنها آثار نبوية، فهذه لابد من أن تُزال على اختلاف الآراء في مسألة التبرك. لأن من يرى التبرك بالآثار النبوية يشترط أن تكون نبوية، فإذا غلب على الظن أنها ليست كذلك ينبغي الاتفاق على إزالتها. ومن هذه الآثار القبر المنسوب إلى أم النبي عليه الصلاة والسلام. وأما موضع المولد النبوي فهي مسألة مختلف فيها، إلا أن الذي أراه فيها أنه ليس هناك ما يقطع بصحة تعيين ذلك الموضع، وأقدم ما يحتج به مثبتوه عبارة ابن إسحاق ت150? عندما قال:"وقيل إنه ولد صلى الله عليه وسلم في الدار التي تعرف بدار ابن يوسف". وهذه العبارة فوق كونها بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بقرنين من الزمان، فهي تدل على ضعف ثقة ابن إسحاق بالمعلومة الواردة فيها. وهذا يجعل الثقة بها غير كاملة، فإن اتفق الباحثون على عدم صحة نسبة هذا الأثر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجب على الجميع ألا يعطيه أية قدسية، وأن يسعى الجميع لإزالته.