أكدت فئة من المشتغلين في الأدب والثقافة تم اختيارها من مناطق مختلفة، أنها لا تعرف شيئاً عن وكالة وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الخارجية، على رغم أن مدة زمنية ليست قليلة مضت عليها منذ أن انطلقت في ممارسة عملها، في حين طرحت مواقع ثقافية على شبكة النت أن الوكالة يتم اختصارها في شخص مسؤولها الدكتور بكر باقادر، واصفة إياه ب"سندباد جديد"يجوب العالم، من دون أن يقدم نشاطاً يبرر هذه الرحلات المتواصلة إلى عواصم ومدن عربية وأجنبية، ما فتح الباب أمام تساؤلات عدة، عن أوجه النجاح والقصور في ما يجب أن تضطلع به مثل هذه الجهة من مسؤوليات، ومن هنا بدت أهمية الآراء الواردة في هذا التحقيق. لكن السؤال الذي يفرض نفسه. هل إذا سألت أحد المثقفين أو الفنانين العرب، عن عدد أسماء الشعراء أو الروائيين السعوديين الذين يعرفهم، وإذا توغلت قليلاً وسألته عن المسرحيين أو التشكيليين، فكم اسماً سيذكر؟، إنه استقصاء نرجو أن تحاول الوكالة تعميمه على البلدان العربية، كونه من صميم عملها، ساعتها فقط يمكن لهذه الوكالة أن تتفاخر بإنجازاتها أو تعترف بأوجه قصورها. فاللحظة الزمنية الراهنة هي للعمل لا لتقديم الوعود. ما هي هذه الوكالة وأية جهة تتبع؟ عندما سألنا الشاعر محمد العلي عما إذا كان سمع بوكالة وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية أم لا، فكان جوابه:"لا أعرف عنها شيئاً"، ماذا يقترح لتفعيل دورها؟ قال على طريقته الخاصة التي لا تخلو من دلالات:"أن أسمع عنها شيئاً". فيما أوضح الشاعر علي الدميني أنه لا يعرف على وجه التحديد مهمات هذه الوكالة، وقال:"أعتقد أن مهمتها تعميق التواصل الثقافي والحضاري بين مثقفي المملكة ومثقفي العالم، وكذلك تعريف العالم بإنجازاتنا الثقافية المميزة، وكذلك تعريفنا على أبرز المثقفين والمبدعين في العالم، وذلك من خلال الأسابيع الثقافية والندوات ومعارض الكتاب، وذلك هو ما آمله". وعلى النسق نفسه قال الكاتب أحمد بوقري:"لا أعرف عنها الكثير، لكن المفترض أن يناط بها العمل على تجسير الهوة بين الفعل الثقافي الداخلي والفعل الثقافي الخارجي، سواء ما ارتبط منه بشأننا المحلي، وما كان له علاقة بدوائره الثقافية عربياً ودولياً، بمعنى ألا يقتصر عملها على رعاية الأسابيع الثقافية المشتركة، بل العمل على إيجاد أرضية ثقافية مشتركة حقيقية وصحية، يتم من خلالها بلورة مفاهيم أقوى وأعمق لثقافة الحوار والاختلاف، عبر مسارات متنوعة، لا شك أبرزها حركة ترجمة متبادلة ومستمرة". وتساءلت الدكتورة حسناء القعنير:"ما هي هذه الوكالة؟ وأين توجد؟ وإلى أية جهة تتبع؟"، مؤكدة أنها لا تعرف عنها ولا عن أنشطتها شيئاً. وعن دور الوكالة في نشر الثقافة السعودية في الخارج قالت القعنير:"في اعتقادي ينبغي علينا أولاً الاتفاق على مفهوم المثقف، وهل يشمل هذا المفهوم فئة معينة أو أشخاصاً بعينهم؟ إذا كانت الإجابة بالنفي، فالمفترض أن تشمل هذه الأيام أعداداً كبيرة من المثقفين على اختلاف انتمائهم واتجاهاتهم الثقافية، وعندما يكون هناك شمولية في اختيار المثقفين سينعكس ذلك على مستوى ما يقدم للعالم الخارجي". وقالت التشكيلية وداد المنيع:"على رغم اطلاعي على الصحف المحلية والعربية، إلا أنني لم أسمع عن هذه الوكالة شيئاً"، وأردفت:"كيف بإمكاني الإضافة لشيء مبهم؟ كيف أضع عشرة وأنا لم أعرف واحداً؟، عليهم أن يعرفوها لنا أولاً لنضع مقترحاتنا للنهوض بها". واعترف الكاتب عبدالواحد اليحيائي بأنه"لا يعرف هذه الوكالة"، على رغم قراءته الدائمة للصحف السعودية، ومواظبته على حضور الكثير من الجلسات في النادي الأدبي، والتقائه بطريقة شبه يومية بأدباء ومثقفين سعوديين وغير سعوديين. ويؤكد الشاعر ناجي الحرز عدم معرفته شيئاً عن هذه الوكالة، متسائلاً:"هل لا تقوم وزارة الإعلام"بالإعلام"كما ينبغي عن وكالاتها؟"، واقترح ضرورة فتح نافذة اتصال مباشر بين هذه الوكالة، وبين كل المبدعين، وإلغاء كل الوسطاء الذين لم يخدموا إلا من"يعزُ"عليهم، ولم يجن منهم الكثير من ألأدباء إلا التهميش. اختيار الأسماء إما مجاملة أو وساطة! واعتبر الروائي محمود تراوري أن ما تقوم به الوكالة من أنشطة يعد اجتهادات معقولة تمت وفق الممكن والمتاح، وقال:"رصدت عن قرب بحكم مهنتي الصحافية، غياباً شبه كلي لمعظم المثقفين في عديد من النشاطات التي نفذت، خصوصاً تلك التي حضرت فيها وفود ثقافية من عدة دول على مدى العامين الماضيين". وأضاف:"لكن ما أقترحه هو أن تبادر الوكالة إلى توسيع دائرة استشاراتها، بحيث لا تبقى مقتصرة على نخبة أو أسماء معينة، وتنفتح على الشباب، خصوصاً الذين يملكون معرفة وعلاقات ثقافية خارجية، مع عدم الاستهانة برؤى وأفكار ومقترحات الشباب". ونبَّه تراوري إلى أهمية تكثيف التغطية الإعلامية المرئية والمقروءة، مطالباً الوكالة أن تكون دقيقة ومتخلية عن المجاملات في اختيارها للصحافيين المعنيين بالمتابعة الإعلامية لنشاطاتها، وأن تكون على استعداد لتقبل النقد الموضوعي حيال كل ما تقوم من جهد. وقال الكاتب والناقد حامد بن عقيل:"لا أعرف عن هذه الوكالة سوى اسم الدكتور بكر باقادر، إذ أراه يوزع"منحه المباركة"من آن إلى آخر على المثقفين والمثقفات، من دون أية آلية واضحة، سوى ما تختزنه ذاكرته من أسماء، بغض النظر عن إنتاجها أو أحقيتها بتمثيل المملكة خارجياً"، وأضاف ابن عقيل:"أقترح أن تتبرع وزارة الثقافة والإعلام بتغيير شريحة جوال الدكتور بكر باقادر إلى الجيل الثالث، حتى تتسع لعدد أكبر من الأسماء، إضافة إلى الإعلان عن مبررات اختيار أي اسم من الأسماء الموجودة على الساحة الثقافية السعودية لتمثيل المملكة، فمهم جداً أن نعرف إن كان هذا الاختيار يتم بالقرعة أم بالترتيب الأبجدي للأسماء، أم بحسن السيرة والسلوك، أم أنه يتم وفقاً لمخيلة الدكتور المسؤول عن هذه الوكالة فقط، حتى نتنازل عن المطالبة بإيجاد آلية واضحة وعادلة لتمثيل ثقافي يتم باسم الوطن ويكون مقنعاً للجميع". وذكر القاص جعفر الجشي أنه عندما قامت وكالة الوزارة للشؤون الدولية، استبشر المثقفون خيراً، إذ وعدت الوكالة بسلسلة أعمال ومهمات وفعاليات ثقافية خارج المملكة، معتبراً أنه حتى الآن لم يكن سوى فعالية حقيقية واحدة أقيمت في مصر، على رغم الأخطاء التي صادفتها. معتبراً أن قليلين رضوا بهذه الأيام، والكثيرون أبدوا سخطهم أو تذمرهم من تنظيم هذه الفعالية، نظراً إلى ما شهدته من إرباك وعدم تنظيم. من زاوية أخرى، أفاد رئيس نادي الشرقية الأدبي جبير المليحان، أن الوكالة كانت بعيدة من الأطياف الثقافية المتفاعلة في البلد، خصوصاً من خلال وفودها المشاركة في الأحداث الخارجية، والتي ابتعدت عن تمثيل الأدباء والمثقفين والفنانين. لكن مع تغيير مسمى الوزارة إلى وزارة الثقافة والإعلام، واضطلاع الوزير إياد مدني بقيادتها، بدأت تأخذ دوراً ملموساً،"نأمل أن يتسع ويتسارع". أما الروائي أحمد الدويحي فيرى أن الوكالة حاولت طرح أكثر مما هو ممكن ومتاح، إذ إنها ركزت في أكثر من مناسبة خارجية على إبراز دور سينمائي للمملكة, في حين لا توجد في المملكة دار سينمائية واحدة, بل محاولات شابة لأفلام"قصيرة"لا ترتقي إلى مستوى التمثيل, مضيفاً أنها فعلت ذلك مع المسرح أيضاً, الذي يفتقد حتى الآن أحد مقومات بنائه ممثلة في مشاركة المرأة, ويضيف الدويحي:"كما أن الوكالة قدمت عرضاً للواقع التراثي والفلكلوري, في حين أنه لم تعط اهتماماً كبيراً لإبراز واقع الثقافة المتاحة لدينا شعراً وسرداً وفكراً". مبيناً أن عملية اختيار الوكالة للمشاركين تعاني من"الشخصنة والمحاباة", في حين أن المأمول منها أن تنظر بشمولية لكل أطياف المشهد الثقافي وفي كل المناطق. على صعيد آخر، أكد الكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي أهمية العلاقات الثقافية الخارجية، وقال:"لو كنت مسؤولاً في وزارة الثقافة والإعلام لما تركت فرصة أية مشاركة إلا وأسهمت فيها، ولحرصت على إقامة أسابيع ثقافية شهرية"، واعتبر الحارثي أن الدور الذي لعبه الدكتور بكر باقادر في الأسابيع الثقافية دور إيجابي يحسب له، لكنه استدرك موضحاً أن ذلك لا يمنع من وجود سلبيات في هذه المشاركات، منها ضعف الموازنات المرصودة لها، وضرورة اختيار المشاركين بعناية، إذ إن الأمر لم يخصص للمجاملة أو السياحة، وطالب بتخفيض العدد الكبير من الإداريين، لمصلحة العدد الفني والإبداعي. وقال الناقد القاص علي فايع الألمعي:"علينا أن نُقرّ أنّنا أمام مشكلة حقيقيّة، تكمن في الزجّ بأسماء غير معروفة لتمثيلنا عربياً أو دولياً، إذ إن المشكلة تكمن في خضوع مسألة الاختيار لعلاقات شخصية، أو نتيجة بحث عشوائي هدفه سدّ الفراغ، وتسجيل مشاركة ثقافية خارجية". ويلخص فايع الألمعي سلبيات اختيار المشاركين في الفعاليات الخارجية في عدم وجود بيانات فعليّة عن المثقفين السعوديين، وطغيان العلاقات الشخصيّة في الاختيار والتمثيل، وعدم الالتفات للمبدعين الشباب الذين جاءوا للساحة الأدبيّة بعيداً من تزكية الكبار. ويرصد الشاعر فيصل أكرم السياسة المتبعة داخل الوكالة، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن هو امتداد لما كان يجري قبل اندماج"الثقافة والإعلام"في وزارة واحدة. فالاختيار والترشيح والتنسيق للمشاركات الخارجية والتمثيل الدولي لا يزال كما هو. وقال:"لم يستمع أحدٌ لكل نداءاتنا التي وصلت ذروتها إبّان اختيار الرياض عاصمة للثقافة عام 2000"، وطالب الشاعر فيصل أكرم أن يتم الترشيح من لجان تشكّل دورياً،"على ألا تكون لجنة واحدة أزلية ودائمة". وأضاف أن"وزارتنا الموقرة تقهقر كلّ ذلك بتصديرها لبعض المواهب الضعيفة والأسماء التي لا ينتظرها أحدٌ خارجياً ولا يعرفها أحدٌ محلياً. فأية جدوى من مثل هذه المشاركات؟ إنها لا تفيد في شيء، لكنها تضرّ في أشياء". إلا أن الفنانة التشكيلية زهرة بوعلي كانت تتوقع في ظل الحضور المميز والمختلف لوزارة الثقافة والإعلام، أن تكون وكالة الوزارة للعلاقات الخارجية مرآة لهذا الحضور، وأن تعكس المنجز الإبداعي والثقافي بالشكل الصحيح، وزادت:"لو أخذنا معارضنا الرسمية الخارجية أو ما نسميه أياماً ثقافية سعودية، مثالاً، وبشكلها المطروح حالياً، لوجدناها ضعيفة، تميل إلى مفهوم المعارض التسويقية والإعلامية، أكثر من ميلها إلى كونها أحداثاً إبداعية أو ثقافية. ولوجدنا أن الإبداع الحقيقي يعامل كسلعة أولاً، وليس كمشروع ثقافي يقف نداً محاوراً لثقافة الآخر". مستثنية - بتحفظ - المحاولة الجادة للأيام الثقافية السعودية في مصر، التي اعتبرت أنها أخذت أبعاداً أفضل من غيرها، لكنها بحاجة إلى التطوير أيضاً. واتفق القاص محمد البشير مع الرأي الإيجابي لدور العلاقات الثقافية الخارجية، مستشهداً بإقامة الأيام الثقافية في مصر، وبمشاركة عدد من المثقفين في السعودية.. موضحاً أهمية هذه الأنشطة ودورها الحيوي في تعريف الدول الأخرى بالثقافة السعودية، الأمر الذي يثري الإبداع السعودي بقراءة النقاد في البلدان لهذا المنتج الفني. كما أيد الشاعر الإعلامي علي النحوي الدور الذي تقوم به الوكالة، معللاً ذلك بأنها تقوم بنشاطات ثقافية دولية للتعريف بكل جوانب وأطياف الثقافة السعودية من أدب وفن تشكيلي ومسرح وفنون شعبية وفكر، لذا فهي تحيي الندوات والأمسيات الثقافية والمهرجانات في دول ذات علاقة بالمملكة. عمل ثقافي بعيداً عن الإطار الوظيفي أما اعتدال عطيوى فارتأت أن المرحلة الحالية تحتاج إلى ضرورة الاهتمام بتقديم المبدع السعودي إلى العالم بالشكل اللائق، وإلقاء الضوء على المنتج الفني المميز، مجزمة بضرورة وضع معايير دقيقة لمن يمثل السعودية في الخارج، حتى يكون خير نموذج للمبدع والمبدعة، ويدلل على الحراك الثقافي داخل المملكة. واعتبر الفنان التشكيلي عبدالله إدريس أن طموحات الفنان التشكيلي أو المبدع بشكل عام، تعد أكبر من الإمكانات المتاحة، وتمنى ألا يكون دور وزارة الثقافة والإعلام دوراً وظيفياً من دون أن يكون هناك هدف حقيقي يحقق بالفعل التواصل مع الآخر، وهو ما يجب أن تهدف إليه المشاركات الخارجية. واستشهد إدريس بتجربة سابقة مع رعاية الشباب أثناء معرض عربي أقيم في إحدى العواصم العربية، موضحاً أنها كانت تجربة محرجة للغاية، وقال:"في المقابل شاهدنا زملاءنا من إحدى الدول العربية يحظون بالدعم والمتابعة، بينما كان الفنانون السعوديون يبحثون عن طريقة لتمديد فترة وجودهم لمتابعة الندوات والفعاليات المقامة على هامش المعرض، فما كان مني إلا تنفيذ أعمال هناك وبيعها، للوقوف إلى جانب المعرض والجناح السعودي". واستطرد إدريس:"إن الملاحظ عن المشاركات الخارجية في كثير من الأحيان، أنها لا تمثل حقيقة الحركة التشكيلية، وفي كثير من الأحيان تكتشف أن هذه الأعمال المشاركة دون مستوى العرض". مفيداً أن أعمالاً كانت تشارك في معارض دولية، على رغم أن أصحابها"استقالوا من الفن ولم يعد لهم وجود".