اقترن الجمال بالمرأة وهي أجمل من الجمال، بل إن الجمال لا يستحقّ إلا أن يكون لامرأة، وليس للجمال أية قيمة في حد ذاته ما لم يقترن بامرأة. إنها المحرك الأساسي لكل موهبة، فهي ملهمة الشعراء وقاهرة الجبابرة وفاتنة العشاق. الكتابة عن المرأة أجمل من البحث عن الحقيقة والطُرُق المليئة بالأشواك المؤدية إلى مخدع جميلة من الجميلات، أجمل من الدنانير المرصعة بالجواهر الملقاة هنا وهناك وهنالك، لأنه في حال الظفر بالأُولى كسب للعالم وانتصار للذات، وفي حال الحصول على الثانية خسارة للنفس وهزيمة للذات وسحق للإرادة، فالمال يفنى والذات تبقى بعد صاحبها. الكتابة عن المرأة لا بد أن تمر بمأساة وتعب وتراجيديا، لأن هذا المخلوق الجميل الناعم يجب أن نقاسي الأمرّين من أجل الكتابة له أو عنه. بعيداً عن الشعر وعالم الشعر ودنيا الشعراء المليئة بكل جميل وممتع، لا أدري كيف يفكر بعض الشعراء ولا أدري ماذا يريدون؟ لقد شوّهوا الشعر وجعلونا نكره سماع القصائد ولا نفرح حينما نرى شاعراً، وهو في الحقيقة"شعرورٌ قميءٌ"لم يصل بعد إلى درجة"الشويعر"، يطل علينا بين الفينة والأُخرى ليُلقي في مسامعنا كل ما لا يمت إلى الشعر بصلة إلا الوزن والقافية. بعيداً عن الأسلوب الوصفي الحسي للأشياء، وبعيداً عن تسارع الكثير من الشعراء إلى إدمان الفخر بقبائلهم ودورانهم الأجوف في حلقات مفرغة سأوجه حديثي للشعراء الغزليين. الشعر في المرأة من أجمل أنواع الشعر، فمن ذا الذي لم تحركه امرأة وأجمل القصائد تلك التي كُتبت لنساء لا يعرفهن أحد، وأعظم الجبابرة ركعوا لحب امرأة. أما هؤلاء الشعراء"المسترجلون"وأقول"المسترجلون"لأنهم لم يتعاملوا مع الأنثى برجولة، لأن الرجولة تقوم على احترام الذات وتقدير المقابل وإنزال الناس منازلهم وإعطائهم القدر الذي يستحقونه. غير أن الشعراء"المسترجلين"تعاملوا مع هجران المحبوبة بالشتم والسباب وأنهم أبناء"فلان"أو"فلنتان"، وأن قبائلهم التي تصول وتجول، وأن كل النساء لا يحركن شعرة من رؤوسهم: يا معديَ المرقاب خلّه لمشتاق .......... حوِّل وخلّ معذّب القلب يرقى يا ليت ربي ما خلق حبّ وفراق .......... وإلا خلق حبٍّ على غير فرقا إن تعامل السديري - رحمه الله - مع هذه الحال التأزمية التي واجهها من سطوة الحب والهجران، خلقت لديه فضاءً أرحب للتعاطي مع الحب بشكل فريد خالٍ من أية عُقدٍ نفسية مزمنة، كما هو الحال عند الشعراء"المسترجلين". لقد قتل لدينا هؤلاء"المسترجلين"متعة الإحساس بالحب أو التلذذ بعبق الأنثى كما في البيتين السابقين للسديري. ورحم الله أبي العلاء المعري الذي جعلنا نتلذذ باستنشاق رائحة العزلة والاستغراق في الهم الوجودي الإنساني. وكم كان أبو العتاهية ممتعاً عندما جعلنا نستمتع بمضاجعة الموت ومقاساة الشقاء واستطعام لذة الخوف من ضياع الدنيا من بين أيدينا. لقد قَلَب كلا الرجلين لنا الأشياء وصرنا نستمتع بما لا يُستمتع به. أما الشعراء"المسترجلون"فسحقوا الحب وشوّهوا ملامحه الجميلة وهو الجميل أصلاً والممتع من دون أية مقدمات. الشعراء"المسترجلون"جعلونا نكره الحب ولا نستلذ لسماع صوت العاطفة، بسبب ما يصبونه في مسامعنا من غثاء ورغاء وثغاء باسم الشعر تحت مسمى الغزل. ففتاة أرقّ من النسيم وأنعم من النعومة، لا تستحقّ كل هذا"الاسترجال"العنتري الأحمق منك أيها الشاعر البليد حسياً، لا تستحقّ منك كل هذا الشتم والسباب، وكأنك في ميدان معركة ضروس حامية الوطيس مكفهرّة الرؤى دامية المشهد، عظيمة القتلى كثيرة الأسرى "شابتْ نواصي الليالي وهي لم تَشِبِ". كما يقول أحد الشعراء، ولم يبقَ لك إلا لسانك لتشتم به من تريد ومن لا تريد بعد أن تقطعت يديك وتهشمت قدميك. قال أحد الملوك: "كنت أخشى إذا كبرت ألا تحبني النساء، فإذا بي أحبهن". وقال الفيلسوف الألماني نيتشه الذي أثّر في كتاباته على هتلر أيّما تأثير: "المرأة لغز، مفتاحه كلمة واحدة هي الحب". وقال أحد المفكرين: "الحب مبارزة تخرج منها المرأة منتصرة إذا أرادت". أما لدى هؤلاء الشعراء فكل الأمور مقلوبة، وها هو التاريخ يحدثنا عن الخليفة العباسي المعتصم الذي حرّك جيوش الدولة العباسية من أجل دموع امرأة، وكان الملك الفرنسي الشهير لويس الرابع عشر الملقب ب"الملك الشمس"المشهور بالبطش والدكتاتورية، والذي كانت له صولات وجولات في الحروب، وذا نزعة استعمارية، ركع لحب امرأة، وإدوارد الثمن ملك إنكلترا تنازل عن عرش بريطانيا العظمى عندما أصرّ على الزواج من مطلّقة أميركية. وعندما حاصر الحلفاء برلين مقرّ حكم هتلر، وبعد أن فقد كل شيء، لم يجد له ملجأً إلا الزواج من عشيقته إيفا براون التي انتحرت معه في اليوم التالي، قبل أن يقع في أيدي رجال الجيش الأحمر السوفياتي. وشيوخ القبائل وحكام الدول في المنطقة يعتزون بالنساء وينتخون بهنّ، ومنهم من اقترن اسم عائلته باسم امرأة، وذلك إجلالاً لقدرهن وإكراماً لمكانتهن وتعظيماً لدورهن في المجتمع. بينما هؤلاء الحمقى يشتمون ويسبون النساء وكأنهم في مضمار مصارعة للثيران، ويتعاملون مع المرأة كأنها من سقط المتاع، ولا أدري حقيقة من هم سقط المتاع هذه اللحظة. وبعيداً عن الغزل وما به من شطحات وهفوات، قد يكون للدين رأي في الكثير مما يقال من شعر وغزل في المرأة، أقول بعيداً عن هذا الجو الديني لنتعامل مع المرأة بعيداً عن أية حواشٍ جانبية، ألا يخجل هؤلاء الشعراء"المسترجلين"من حديث الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -:"استوصوا بالنساء خيراً". فحبذا من هؤلاء"المستشعرين"إذا لم يكن لديهم القدرة على قول أية كلمة حسنة تحترم إنسانية الإنسان، حبذا وليت أن يكرموننا بسكوتهم عن قول مثل هذا الغثاء الأحمق الممجوج، ورحم الله القائل:"لا يكرمهنّ إلا كريم ولا يهينهنّ إلا لئيم".