سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أتمنى أن تشملني مقولة سلفادوردالي: العظماء لا يموتون ... ولا أصلح خبازاً ولا وزيراً ولا غفيراً فأنا لا أجيد سوى الإعلام . تركي الدخيل ل"الحياة": الكتاب الساخرون "أندر" من الكبريت الأحمر
في شهر تموز يوليو من عام 2002 ودّع الصحافي السمين بثقله أرض الرياض، ممتطياً صهوة النجومية إلى حيث تقطن قناة"العربية"في دبي، يومها لم يكن"سميناً سابقاً"بل حتماً كان"رشيقاً لاحقاً". رجل معجون بالإعلام، مهووس بال"إضاءة"، مفتون بالسخرية، متفرد بالشخصية، فهل سبق أن التقيته؟ يحدث أن تصادفه في الشهر ذاته يمارس رياضته الصباحية في أبو ظبي مرتدياً"شورت جينز"، مطلقاً شعره وساقيه للريح، أو قد يكون موقّعاً كتابه في بيروت، وربما ضيفاً على"أرامكو السعودية"في الظهران، أو محاضراً في صنعاء، مشاركاً في الكويت، مرافقاً في نيويورك، فضيفنا ابن بطوطة لا يستمرئ قراراً على أرض، يحط أينما حط الإعلام رحاله، وأيّما كان، يجزم تركي بأن كل مرحلة في حياته كانت"لبنة مهمة في لبنات بنائي، وتكوين شخصيتي، وبلورة مجموعي، إن كان ثمة مجموع"، واعتبر انتقاله إلى التلفزيون منعطفاً مهماً ومؤثراً في حياته المهنية"لقد نقلني التلفزيون نقلة كبرى، وقدمني إلى شرائح أكبر، وفتح أمامي آفاقاً جديدة ما كانت لتفتح لولا الشاشة السحرية"، رشحته مجلة"أريبيان بزنس"Arabian Business بنسختيها العربية والإنكليزية للمرتبة الثلاثين في قائمة المئة المؤثرين في العالم العربي، مع الإشارة إلى نجاح كتابيه"سعوديون في أميركا"و"ذكريات سمين سابق". تركي الدخيل رجل الإعلام في دردشة مع"الحياة"، في"إضاءات على تركي"، وهو يبدأ اليوم مرحلة صحافية جديدة إذ يبدأ الكتابة اليومية في الصفحة الأخيرة من صحيفة"الوطن"السعودية، فإلى نص الحوار: اتجهت أخيراً إلى كتابة ما يشبه مذكرات شخصية، ترى ما الذي ألهمك سلوك هذا التوجه الجديد، بداية من"مذكرات سمين سابق"إلى"سعوديون في أميركا"، ومقالات تحكي تجارب ومواقف شتى؟ وهل جلها يحمل انعكاساً لشخصك؟ - لا يمكن إلا أن تكون الكتابة انعكاساً للكاتب، وإلا لأصبحت شيئاً آخر غير الكتابة، لا أريد أن أضخّم الأشياء فأتصور أن هناك مصدراً للإلهام، قصة، أو مرحلة، أو نحو ذلك. غاية الأمر أننا نعيش تجارب كثيرة جديرة بالرواية، بعيداً عن طريقتنا الشفهية، من خلال الكتابة. لكل شخص قصة جديرة بالكتابة، إذا أحسن اقتناصها وتقديمها للآخرين، سواء أكان هؤلاء الآخرون جمهوراً عاماً أم جمهوراً خاصاً، انتقاهم ممن حوله ليتعاطوا مع منتجه، أستطيع التأكيد أن نجاح التجربة الأولى ممثلة في كتابي"ذكريات سمين سابق"كانت دافعاً قوياً للمواصلة، ليس من أجل تحقيق نجاح موازٍ، ولكن على الأقل للانطلاق في التجربة، ومواصلة شجونها وشؤونها. بعد سنوات من ال"إضاءات"هل بدأت تشعر?بالملل أم ما زال الوقت باكراً؟ - أصدقكِ أني أخوض مع هذا المدعو مللاً حرباً شعواء لا رحمة فيها، من حيث طبيعتها، وهي على كل الجبهات من حيث أرضها والتعاطي"اللوجستي"معها، وأخشى خشية حقيقية من أن يتسرب إليّ هذا الملل، ولو للحظات في أي مشروع أتعاطى معه، لأن تلبس المرء بالملل شعور يحيل الأشياء الجميلة والمتجددة إلى أشياء رتيبة في أحسن الأحوال، وإلى قطع من قبح في الحالات السيئة. إنني أتعاطى مع نفسي?وفقاً لقاعدة العصا والجزرة، وأحياناً وفقاً لجوائز السُكّر التي تُمنح للحصان النشط، حتى تساعدني في لجم كل ما قد يكون سبباً لممارسة الملل، أو الإحساس به، أو حتى الاقتراب منه، إن مشكلة هذا الكائن المسمى مللاً أنه يجعلك تفقد الطعم الحقيقي للأشياء، فتصبح الأشياء كلها بطعم واحد، خالٍ من الملح والبهارات عادة، كما طعام المرضى، كفانا الله وإياكم شر المرض، والمستشفيات. إضاءات على"إضاءات" ما الذي أكسبك تنوع الشخصيات في برنامج"إضاءات"، لا سيما أنك استضفت مختلف التوجهات والفئات والمشارب؟ - بطبيعة الحال مثّل لي تجربة غنية، وأنا محظوظ أن أجلس اليوم لأسامر إسلامياً يفيء علي بالتحريض على أدب الفضيلة، ثم أجلس بعده بساعات في اليوم التالي إلى جانب حداثي، يرى التجديد في القوالب أدباً، وحياةً، ومعيشة، ونمط حياة، من أوجب الواجبات، هذا مصدر ثراء عجيب يطربني، ويجعلني والملل على طرفي نقيض، حتى الآن على الأقل، أحسبُ أن"إضاءات"قام بداية على فكرة رئيسة أصلية، هي ضرورة?تقديم جميع المشارب الفكرية، والمناحي التوجيهية، في ما يختص بالضيوف. هذه إحدى أهم رهانات التميز التي يراهن عليها البرنامج. إنه يقدم أطياف الساحة بتجرد، من دون ميل إلى طرف منهم على الآخر. هل حدث أن ندمت على استضافة أحدهم؟ - لم أندم على استضافة أحد حتى الآن، وأرجو ألا أفعل، وأحسب أني لن أفعل، فلكل ضيف طريقته وأسلوبه ومنهجه، وكل واحد منهم ينعكس علي بشيء مما عنده، ولا أحد يمكن تصنيفه خارج دائرة الإثراء والإثارة. وماذا عن المهنية في التعامل بعيداً عن القناعات والإيمان بالأفكار بالنسبة إلى تركي؟ - أحاول أن أكون مهنياً مع الضيف ما استطعت، فأستخلص منه سبب التضارب في آرائه، وأي الرأيين أصوب في نظره، ولماذا انتهج منهج التباين في اختيار آرائه حول قضية واحدة. وهل هناك أسماء حالت الأسباب دون استضافتها؟ - كثيرة هي الشخصيات التي حاولت أن أستضيفها، ولم تتسن لي الفرصة. أحياناً يعتذر الضيف بلطف، وأحياناً يحيلني إلى عذر عدم مناسبة الوقت، وأتابع معهم في العادة، فأنجح مع معظمهم في استقطابهم للبرنامج ضيوفاً أعزاء، بعد فترة من التمنع. لكني لم أقابل حتى الآن من يرفض الظهور معي في البرنامج بشكل مباشر، بسبب اعتراضه على البرنامج أو طريقة الحوار، أو شخصية المذيع، والحمد لله. العنصر النسائي في برنامج"إضاءات"لا يكاد يحتسب، فما السبب؟ - هذا صحيح، والسبب بسيط هو أننا مجتمع ذكوري، والرجل هو الفاعل في مجتمعنا، وبالتالي يقل ظهور المرأة مقارنة بالرجل، وذلك ليس تعمداً مني لإظهار الرجل من دون المرأة، وليست هي القضية، ولكن ربما لأن بعض الرجال يقودون الأحداث الأكثر فاعلية، وحلقاتهم تشاهد أكثر أحياناً. كما أن المسألة تعتمد على اشتراطات معينة من ضمنها عنصر"القصة". كتابة المقالات جزء رئيسي من يومياتك، ومعاركك الكتابية على حد قولك على صفحات الجرائد... فهل تمارس طقوساً كتابية معينة؟ - إذا كان أهل السنة يعتقدون أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإني أرى أن العطاء والإنتاج يزيد بالحماسة والإصرار، وينقص ويضمحل بالتقاعس والتضعضع والكسل، والمقالات لديّ خاضعة للقاعدة السابقة، فعندما ترتفع همتي ونشاطي، أكتب مقالاً كل يوم أو أكثر، وليس بالضرورة أن أنشرها كلها، فأنا أضع بعضها لنوائب الدهر، وعاديات الزمان"قالها بابتسامة ساخرة. "المسبار"لعاديات الدهر "المسبار"هو مركز دراسات وبحوث... متى أنشأته؟ وماذا أضاف لك؟ - أنشأته بدافع شخصي قبل عامين في دبي، وكنت أريد منه أن أحافظ على وجودي في الساحة، إذا ما غدر الواقع الإعلامي بي، كما يفعل من وقت لآخر بزملاء وزميلات كثر، أعلم أني أحترف العمل الإعلامي حالياً، وأن سوق المحترفين رائجة بفضل الله، ثم بفضل عملهم على أنفسهم لصناعة شيء من التميز. ولأني أخشى أن أجلس في بيتي، ذات يوم، فأنازع زوجتي في إدارة مملكتها، والتعاطي مع الأبناء، وقطع الأثاث، والتعامل مع السائق أو الخادمة، أو حتى تحديد نسبة الملح في الطعام، أو السكر في الشاي. ليست المشكلة في أن يكون لي رأي في هذه القصص، المشكلة في أن تعتقد أنك من يجب أن يتخذ القرار في هذه الأمور، لأنك انصرفت عمّا كان يشغلك سابقاً، إلى تخصصات غيرك. هذا الهاجس، يؤلمني قبل أن يقع، وأستفيد من تجارب الآخرين حولي، فأحترز ألاّ يكون واقعياً نسخة من واقع البعض. هذه الفكرة البسيطة كانت هي شرارة فكرة المركز. بدأ المركز بجهد ذاتي، ولا يزال، ومن خلاله نحاول أن نسد ثغرة مهمة في ما يتعلق بالمواضيع التي نتناولها حالياً، ونختص بها، وهي مواضيع الجماعات والشخصيات الإسلامية. ولكن...؟ - قبل أن تسأليني: لماذا اخترنا هذا الحقل من المعرفة تحديداً، فسأجيبك على الفور: إن هذا الموضوع غير مطروق بما فيه الكفاية، من جهة، ومن جهة أخرى، فهو أحد المواضيع التي نحسبُ أننا نستطيع أن نقدم فيها ما لا يقدمه غيرنا. الرشيق اللاحق هل يعاني تركي قلقاً من عودة السمين؟ وهل يعيش حمية مستمرة؟ وهل هناك أكلات يلقي عليها باللائمة في عودة السمين المحتملة؟ - إن ثمة أموراً لا يفيدك فيها إحساسك المترف بالراحة والطمأنينة والدعة، مثل أن يضمر جسدك، بعد امتلاء، فلا تأمن عودة الشحوم إليك ثانية، إن المعارك اليومية التي نمارسها في حياتنا هي جزء من معادلات عدم الطمأنينة إلى المنجز، تلك التي تقود إلى الاستسلام لحال الماضي التليد، لا أزال أكافح وأجاهد، وأسوس نفسي، وألجمها عن السيئ من عاداتها، فترتدع مرة، وتكبو مرة، وأستمر في خوض الصعود والهبوط معها، ولا ألقي باللائمة على أكلات معينة، فلقد رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي، فنفسي هي الملومة في الأولى والأخرى، هي التي تختار ما لا يناسبها، وما يراكم شحومها. من بابٍ بعيدٍ موارب... هل تعتقد بوجود محاربين وأعداء لنجاح تركي الدخيل؟ - لو انسقت خلف هكذا أسلوب في التفكير، لما حققت انجازاً، ولما تقدمت إلى الأمام خطوة، ولما صنعت تميزاً، ذلك أن تملك هذا المنهج في التفكير على ذهنيتي قابل للتمدد، إلى حيث الوصول إلى كون عدم الإنجاز مني مرده إلى تربص المحاربين، ومنع الكارهين لي من الحركة، وهي أعذار لو تمكنت من نفسي لما صنعتُ تميزاً، إن كان ثمة تميز، أن يكون لدى البعض شيء من التحفظ، أو كثير منه، هذا من حقهم، ولو اعترضت على هذا الحق لَلَزمني أن أستمتع بالجلوس في بيت أمي، مدللاً مرفهاً من قبلها - حفظها الله -. أما وقد اخترت أن أخرج للناس، فعليّ أن أستعد لآرائهم، ما أصنفه منها منطقي، وما لا أصنفه منطقي على الصعيد الشخصي، فتصنيفي لا يصادر لأحد حقه في أن يقول ما يشاء، ويعتقد ما يشاء، حيال منتجي الذي أقدمه للناس، بشكل دائم، أسبوعي في ما يتعلق بالبرنامج، وشبه يومي في ما يختص بالمقالات، ودوريٌ تقريباً إذا كان الحديث عن الكتب. وكيف تبني علاقتك مع الناس؟ وهل لنا توقُّع أن يكون جانب الصداقة صاخب لديك؟ - علاقتي مع الناس أبنيها من المنطقة الأسهل، والأصعب في الوقت نفسه، من البداية... من حيث تتوقع أنك قد لا تحتاج إليه فتتعامل معه بإنسانية مفرطة، موفراً له جميع حقوقه، بدايةً بإبداء رأيه، مروراً بحقة في أن يناقش منتجك، وليس نهاية بقبول ما تحسب أنه رأي غير منطقي، نزولاً عند إعطاء الناس حقوقهم في إبداء آرائهم في القضايا العامة، إذا أحسنا التعاطي مع البداية الأصعب- الأسهل، فلن تكون لدينا مشكلة في ما بقي، لأننا، حينها سندخل إلى حيث التفاصيل، والتفاصيل أمرها سهل، مقارنة بالعناوين العامة والأسس الرئيسية. أما جانب الصداقة فمن فضل الله عليّ أن أصدقائي كثيرون، والمقربون منهم كُثر، يصعب حصرهم، لكنهم بالعشرات والحمد لله، وأبشرك أنهم كذلك قبل التلفزيون وبعده، وأحسبهم سيستمرون كذلك حتى لو اضطررت إلى أن أعمل عتّالاً في يوم ما! تركي في مهب ال?"احتراف" بدأتَ صحافياً منذ سن مبكرة جداً عام 1989 في صحف سعودية مختلفة، فالصحافة كما علمنا الهاجس الأول لتركي، وحملت رسائل أخرى أضأت بها مختلف القضايا من خلال حواراتك مع ضيوف من فئات وتيارات متباينة، ورسائل أخرى متعددة قيد الانتظار...?هل بنظرك وصلت إلى غاية الاحتراف الإعلامي؟ - هذا سؤال مفخخ! والإجابة عليه ذات شقين بالنظر إلى مقصد السائل! فإن كان المراد بالاحتراف، الوظيفي، فقد فعلت، مذ أصبحت وظيفتي الوحيدة هي الإعلام، فأنا أعلن الآن أني لا أحسن القيام بأي شيء آخر غير الإعلام، سواء عملت خبّازاً، أم وزيراً، غفيراً، أم رئيس وزراء، لا أحسن كل هذا، أقولها بفخر، من لا يعرف إلا الإعلام. وأرجو أني أعرف فيه ولو قليلاً، أما إن كنت تتحدثين عن احتراف المهنة، أي الوصول بها إلى الاحترافية صعوداً، فهذا شأن تضرب له أكباد الإبل، حرصاً، واهتماماً، وأسأل الله أن يمنحناه، أو بعضاً منه، لا تواضعاً، بل استناداً إلى أنه يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. بعيداً عن الإعلام... هل يستمر تركي الدخيل؟ وهل هناك احتمالية بالتوقف؟ - ما أفهمه من سؤالك، أن إجابتي تعني القول بأن التوقف هو الموت، بشكله الحسي أو المعنوي، أتمنى أن تشملني مقولة سلفادور دالي:"العظماء لا يموتون"، لذلك لن أموت. تركي محاور خلف الشاشة الفضية وكاتب صحافي، فمن تركي الذي يجهله الناس؟ - تركي الساخر من كل شيء، بداية من نفسه، وليس نهاية بما حوله، ومن حوله، قريباً كان من حوله أو بعيداً، فأنا شخصياً أحب الكتابة الساخرة، وأحسبُ وأرجو أن يكون ذلك صواباً، إنها أقرب إلى شخصيتي ونفسي، خصوصاً أن هذا النوع من الكتابة بات عملة أندر من النادرة في عالمنا العربي، والكتاب الساخرون أندر من الكبريت الأحمر، مع أن لدينا من الهموم ما يجعلنا نسخر من الآن حتى قيام الساعة، مشكلتنا في الكتابة الساخرة أمرين، أننا لا نعرف ألاً معيار للسخرية، فمن يحاول أن يسقط معايير الجدية على السخرية، يفرغ السخرية من معناها، والسخرية في الغالب قائمة على المبالغة، والذين يحاولون أن يمنطقون السخرية لا يفهمونها، أو لا يريدون أن يفهموها. المشكلة الثانية هي أن السخرية إذا لم تكن كما هو الحال في معظم الكتابات العربية إلا في الشؤون الاجتماعية، بعيدة عن التطرق للسياسة والتدين، ولا أقول الدين، فهي ستكون سمجة، لأنها تبتعد عن اهتمامات الناس وما ابتعد عن اهتمامات الناس، لم يكن في مرمى عنايتهم، ففقد كل أهمية له. ما هي طموحاتك الإعلامية المقبلة؟ وهل أسست خطة بعيدة المدى لمستقبلك المهني؟ - هل تعتقدين أن عالمنا العربي يهيئ الأجواء للمخططات المتوسطة المدى؟ فكيف بالبعيدة المدى يا عزيزتي، خطتي تتلخص بألا أموت وفقاً لقاعدة سؤالك السابق ومقولة مولانا سلفادور دالي. وهل ننتظر برنامجاً بأفكار مغايرة خلاف"إضاءات"قريباً؟ الأفكار كثيرة، لكنني لا أريد أن أجرح إحساس"إضاءات"، فأتحدث عما بعده في حياته. تركي بعد 10 سنوات بعد عشر سنوات من الآن، كيف يرى تركي نفسه إعلامياً وتجاربياً؟ - الحديث عن المستقبل تحدوه مخاطر كثيرة في العالم العربي. هل تستطيعين أنتِ أو أي ناطق رسمي باسم دولة عربية، أو متحدث باسم إعلامها أو اقتصادها أن يتحدث أين ستكون دولته بعد عشر سنين؟ أو اقتصاده؟ أو إعلامه؟ استبعد ذلك، خصوصاً أن دولنا العربية أصبحت في معظمها تبتعد عن الكذب الفج، أما الكذب المقبول فقد أدمناه، وقد باتوا يقدمونه لنا فقط من باب الرأفة بحالنا، وحتى لا نصاب بحالات فصام ما بعد الإدمان، إذا كان هذا وضع الدول المدججة بالأجهزة والمؤسسات الرسمية، فكيف الحال بفرد مثلي؟ لو اضطررت للإجابة عن سؤال حول تقويم نجوميتك الجماهيرية، فبماذا سترد؟ - أعتقد أن إدارة قناة"العربية"من خلال أرقام المشاهدة التي تتوافر عندها بناء على المسوحات الإحصائية، هي التي تملك أرقاماً تؤهلها للإجابة على هذا السؤال، والأرقام"تقطع قول كل خطيب". في كتابك الأخير"سعوديون في أميركا"تطرقت لشخصيات حقيقية، فهل واجهت استياء من أحدهم؟ - لم أكتب اسم أحد في الكتاب، وبعض الأسماء المستخدمة رمزية، ولم يصلني حتى الآن عتب أحد، وأتمنى ألاّ أكون أزعجت أحداً. كيف تقوّم ردود أفعال القراء حيال الكتاب؟ وأيهما أكثر نجومية في نظرك"ذكريات سمين سابق"أم"سعوديون في أميركا"؟ - وجد الأخير قبولاً ممتازاً في تقديري، فعندما تنتهي الطبعة الأولى وهي مكونة من 5 آلاف نسخة في معرض الرياض، قبل أن يتم توزيع الكتاب على مكتبات أخرى غير الناشر في السعودية، فكيف بالتوزيع في الخارج، فإن هذا قبول ممتاز في تقديري، لكنه لم يصل إلى مستوى"ذكريات سمين سابق"، الذي نفدت أول طبعة منه 10 آلاف نسخة هي الطبعة الأولى في معرض الرياض للكتاب العام الماضي، الناس فوجئوا ب?"ذكريات سمين سابق"، وفي"سعوديون في أميركا"، كان هناك بعض المعارضات التي أتوقعها وأتفهمها وأعتقد أنها تصب في مصلحة العمل إجمالاً. وهل هناك كتب أخرى قادمة؟ - نعم، وفي جعبتي غير واحد من الكتب. يمثل الإعلام هاجساً لك، فكيف تنظر للإعلام داخل المملكة على مستوى المهنية والأفراد والحرية؟ - نحن لدينا مؤسسات وأفراد مميزين، لكننا نحتاج المزيد لكي يليق ببلد كبير مهم ومؤثر، ويليق بالسعوديين أنفسهم وبقيمهم ثقافياً وسياسياً، فإشكاليتنا الرئيسية تنمية القدرات والمواهب والتطور في المجال الإعلامي، بأن نزيد من إنتاجيتنا في شؤوننا الشخصية، وهذا الأمر يلح علي بقوة لأسهم في تطوير نفسي، والدائرة التي حولي لتكون فاعلة ومؤثرة، ولن يتم هذا إلا بالعمل من الجميع لكي تتحقق الطموحات، وأنا ضد الإعلام الإيديولوجي الذي يقدم أفكاراً ليست لها علاقة بالناس، وهو بالتالي إعلام فارغ ليست له أدنى قيمة. بعيداً عن الإعلام، هل ينتمي تركي لفكر أو تيار معين؟ - أعتقد أن لي رؤيتي الخاصة التي لا تلزمني بتيار محدد، فلدي مواقفي الشخصية والفكرية، ولا أشعر بوجوب الالتحاق بتيار معين، خصوصاً أن التغيرات لا تزال تطرأ على كل اتجاه وتيار، وفي المملكة لم تتبلور تلك التيارات بعد. البيت"العود"والأمهات الثلاث قبل حوالى ثلاثة وثلاثين عاماً، شهد حي المربع في الرياض ولادة طفل مشاغب، وثمرة حب لأبوين متعلمين في العشرينات من عمرهما لصلة القرابة الرئيسية التي جمعتهما. ولد تركي في الثاني من حزيران يونيو عام 1973، وتربى بين ثلاث أمهات من أعمار متباينة، الأمر الذي اعتبره تركي"مصدر ثراء عجيب بالنسبة إلى طفل مثلي، ولأني كنت أكبر الأبناء، فقد تضاعفت فرص الثراء بالنسبة إليّ، لم تكن شخصيتي في المدرسة مميزة حد الإبهار، كما لم تكن باهتة حد النسيان، كنت أحوز درجات ممتازة في الغالب، وأبني علاقات جيدة جداً مع زملائي، فلا أنا بالمصنف والمحسوب على السلطة، ممثلة بالمدرسين، ولا أنا شعبوي نضالي لا أعرف إلا جحافل الطلاب. كنت مقرباً من الجهتين، علاقتي بالمدرسين ممتازة لتميزي الدراسي، وبزملائي جميلة، لأني دائماً ما أتبنى مواقفهم. المنتصف دائماً لا يثير الاهتمام بقدر ما يفعله التطرف يميناً أو يساراً". يبدو من أحاديثك ومقالاتك علاقتك المميزة بوالدتك، فما الذي صاغ هذا الارتباط الوثيق؟ - فرضت هذه العلاقة عوامل كثيرة، أحدها أنها كانت تقوم في فترات طويلة بدور الأم والأب معاً، يوم كان والدي مشغولاً بالعمل والسفر إبان الطفرة الأولى. وماذا عن دور والدك؟ - يقول ضاحكاً: في الحديث عن والدي، لا بد لذاكرتي من أن تستعرض تلك اللحظات التي كنت أداعب فيها بكل جلافة عنزة شاردة عن صويحباتها في حوش فناء قرب بيتنا، والذكرى لا تستند إلى قوة الذاكرة، بل إلى توثيق والدي لحالة التلبس بالتصوير، لقد كنت امتطي صهوة العنز، كما لو كنت فارساً، وأكاد أتخيل كم من التأوهات تصدرها في غفلة من جماعات حقوق الحي وان، وبخاصة جمعية: ماعز بلا حدود، التي أتصور أنها ستشرئب للدفاع عن كل إساءة للماعز، سواء أكانت من دون قصد، أم مع سبق الإصرار والترصد. واليوم ما دور"أم عبدالله"في يومياتك كشريكة؟ - تبدأ منذ أن توقظني إذا كان لدي موعد صباحي، ثم تمتد إلى قهوتي التي تحملها لي صباحاً، وأحياناً تلحقني بها إلى سيارتي، عندما أكون مستعجلاً، وهي معي في معظم يومي بالرسائل تطمئن على عملي، وتسأل عن رضاي عن الحلقة إذا كنت أسجل حواراً، ولا تتورع عن نقدي نقداً علمياً بعيداً عن العاطفة، سواء لجهة اعتراضها على بعض الضيوف، أم على أدائي خلال الحوار، أستمع إليها، وأناكفها كثيراً، لكني اشهد أن معظم آرائها منطقية. بعد سنوات من العمل في دبي، هل تحن للعيش في الرياض؟ وهل تضمر نية وإن كانت مؤجلة على العودة قريباً؟ - يرد متأملاً: أنا ابن الرياض، ولدتُ بها، وعشت معظم سني عمري فيها، بنيت فيها آمالي وأحلامي وطموحاتي، وتعلمت فيها المهنة، وأحببتها فيها. لا يمكن لي أن انفصل عن الرياض بحال من الأحوال، ولكني الآن بسبب عملي أقيم في الإمارات، وأنا مسرور بالإقامة في الإمارات بين أبو ظبي ودبي، وأحمد الله أني تصالحت مع المكان الذي أقيم فيه، فالذي لا يستمتع بالمدينة التي يعيش فيها من أجل السكن سيعاني ألماً يومياً، نفسياً وعملياً، وسينعكس ذلك عليه وعلى عمله.+