منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكد أن جل السعوديين إما دخلوا تيار الصحوة أو أصابهم غباره! . مشاري الذايدي ل "الحياة": إيران خطرة بلا "نووي"... ولست ظالماً ل "السلفية"
نشر في الحياة يوم 17 - 04 - 2007

الحديث عن التدين والالتزام وما يناقضه من أفكار وتوجهات توصم بالعلمانية والليبرالية ما زال حتى الآن وربما سيظل إلى مراحل لاحقة حديث الناس في السعودية، فلا يزال عدد من المتدينين المزيفين يحاولون سوق الأبرياء إلى محاضن الموت، ناهيك عن آخرين يريدون اتخاذ وطنهم مشروعاً استشهادياً!
مشاري الذايدي اسم معروف في السعودية بأفكاره الجريئة لا الخارجة، وهو يعلل الإشكال الذي جعل الكثيرين لا ينتقدونه بأنه يصف الأمور كما هي دون تعاطف، فالحكم على الأشياء ينبغي أن ينضوي تحت سطوة العقل لا النقل.
ومشاري في حديثه عن التدين وتحوله إلى الخط العقلاني كما يقول والليبرالي كما يتهم لا يحاول الصراخ كثيراً، بل إن حديثه يحاول الاقتراب من الخلل بأكثر قدر اتيح له من الواقعية. وعلى رغم صداميته وجرأته على اقتحام المناطق الوعرة إلا أنه يجبرك في النهاية على احترامه وتقديره.
وفي ما يلي نص حوار معه:
انتقالك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من مدرسة دينية متشددة إلى تحرر من الثوابت ما سر هذا التحول الذي شد أنظار الكثيرين نحوك؟
- أنت لا تختار أحداث حياتك ولا أصدقاءك ولا حتى بيئتك، كنت في مرحلة كان فيها جل السعوديين إما دخلوا تيار الصحوة أو أصابهم غبارها، الصحوة شيء ضخم يشبه البحر، فيها كل الأمواج.
تحدثوا عن أنني كنت في أقصى السلفية، كلامهم صحيح لكنه ناقص، فأنا تدرجت ومررت بمراحل، بدءاً من المكتبات والمراكز الصيفية، وهي ليست سيئة في معظمها بل ما زلت أتذكر أياماً جميلة وأحن إلى بعض الأصدقاء وقتها، كانت مشاعرنا صادقة، بعدها دخلت في مرحلة طلب العلم، خصوصاً علم الحديث والسنة النبوية والصحيح والضعيف وعلم الجرح والتعديل، وكانت"موضة"بالنسبة إلى الشبان في ذلك الوقت.
قبيل حرب الخليج طرحت فكرة الحاكمية بشدة في المشهد الإسلامي السعودي، لكن أحب التذكير هنا بأن لحظة حرب الكويت، لحظة فاصلة للجميع، ووقتها كان أناس قوميون انقلبوا إلى"متأمركين"حسبما اتُّهموا من رفاق الأمس، من دون ذكر أسمائهم، ولا غرابة أن الحرب أحدثت زلزالاً في الظاهرة الإسلامية، كنت سلفياً صرفاً كما يقولون الآن، تستطيع أن تقول إنني كنت ثورياً إسلامياً.
كنت انا وعدد من رفاق الطلب نعتمد على تدريس أنفسنا ذاتياً، هناك تفسيرات طرحت للإجابة على سبب الأزمة التي حدثت، منهم من اختار الانعزال، وأنا كنت مائلاً للفكرة نفسها ولم أكن منتمياً للحركة الجهادية بل أراقبها عن بعد، وكان التفكير أن العمل السياسي عمل خاطئ وارتكابه محرم وضد الإسلام، لأنه لا يخضع للشريعة الإسلامية، والحل كان بالعودة لما كان يفعله السلف الأولون وهو الاعتزال.
من يقول انني انتقلت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار هو يحاول أن يغتال النقد، وأقول هنا لهؤلاء النقاد غير الأبرياء، من كان شاباً ضائعاً ومستهتراً أو"عربجياً"بالدارجة السعودية، ثم أصبح سلفياً متديناً بتشدد.
أليس من العدل وفق هذه المعيارية أن يقال عنه إنه متطرف؟ رجل مثل محمد عمارة الذي كان ماركسياً فأصبح سلفياً لماذا لا يوصم بالتطرف؟ لماذا ينظر إلى التطرف بطريق واحد، هذا تصنيف تربصي، الغرض منه التربص لا أكثر ولا أقل، وإلا لو قلت أشياء لا تزعجهم في مجالات أخرى، وليس مجال نقد الظاهرة الصحوية، لما أغضبهم ذلك، هم انزعجوا فقط من النقد الموجه لهم، بدليل أنهم لن يعدموا حجة في إلغاء وتهميش أي نقد يوجه لهم، حتى لو جاء من شخص آخر لم يصبح يوماً واحداً أصولياً أو سلفياً.
كنا نحرث في البحر!
أنت تدافع عن نفسك وتبرر لكن أنا أسألك عن سر التحول والتغير من إسلامي إلى منعتق من التدين السائد؟
- طبيعي أن يدافع الإنسان عن نفسه، ما الغرابة؟! أحسب أن سبب ذلك تأملات تراكمت مع الوقت، وبعض الحوادث التي لم يكن لي يد فيها ولم أخترها أسهمت في تسريع وتيرة التغير، السجن ومرحلة خروجي منه، الأحداث والعنف الذي حدث في العالم، كان لدي فضول في أن أقرأ وأتعرف على الآخر وما لديه.
من الأشياء التي أود التنبيه عليها هو اكتشافي أن أزماتنا تكمن في أننا لم نحكم الشريعة، وأن هناك جماعات تائهة لا تعرف الطريق، وأن لدينا الحل البسيط والمباشر، كل هذا كان حرثاً في البحر على ما فيه من قدر طيب من الرومانسية والنية الصادقة، لكن ليس كلاماً علمياً، كما انه ليس تصوراً علمياً، شرارة التحول هي فشل هذا الجواب غير عملي، والفضول في التعرف على أجوبة أخرى، تملك الإقناع وتشبع الفضول، من هذه الزاوية، إضافة إلى زوايا أخرى طبعاً كان لدي فضول للتعرف على الأطروحات العربية النقدية التي تتجاوز الانشداد والاحتكام إلى المنظور الإسلامي كأطروحات الجابري وفهمي جدعان ومحمد جابر الأنصاري.
أين تجد نفسك بعد سنوات من الالتزام الديني ثم الخروج من دائرة السلفية إلى العقلانية كما تقول؟
- أجد نفسي ككاتب وصحافي فقط، أحب العمل الصحافي ومارسته مبكراً بكل أشكاله إضافة إلى المقالة، لي سبعة أعوام في الصحافة وهي قدمت لي منبراً أتحدث منه، لقد قدمت لي الصحافة صداقات جميلة وفي الوقت ذاته عداوات جميلة، وغير جميلة أيضاً، وبالمناسبة لست نادماً على أية مرحلة من حياتي بكل تحولاتها ومجرياتها ففي كل مرحلة استفدت من الحزن ومن الفرح، وفي النهاية الألم والأمل هما الجناحان اللذان نطير بهما.
أميركا لاأحبها .. ولاأكرهها
لننتقل إلى موضوع آخر تهمتان تلازمان مشاري الذايدي دائماً فهو متهم بأنه دائماً ما يبرر لأميركا إضافة إلى تصادمه بشكل مستمر مع التيارات الإسلامية؟
- أنا لست معنياً بأميركا ولم أزرها يوماً في حياتي ولا تعني لي شيئاً، أنا أتكلم عن قوة عظيمة اسمها أميركا أعظم قوة دفاع وجيش واقتصاد واكتشاف، العالم كله في شق وأميركا وحدها في شق آخر، أنا لا أحبها ولا أكرهها أنا أصف الوقائع فحسب.
أميركا حالة حقيقية موجودة هي تتدخل لأجل مصالحها، أرى أن هنالك حال تأزم في أي موضوع تكون أميركا طرفاً فيه ونفقد قدرتنا على الهدوء والتحليل، بالتأكيد أنها ارتكبت أخطاء وتسببت في مشكلات، كما أن لها ممارسات شبيهة بممارسات عصابات شيكاغو، كخطف الإمام المسلم في إيطاليا بطريقة الميليشيات، وألمانيا دوماً ما تشتكي من تصرفات عملاء ال?"سي آي أيه".
في العراق كيف كان بعض جنود الجيش الأميركي يقتلون ويخربون، فأميركا لديها حالة تعنت وإصرار على الجهل، وحالة تعالي على الوضع في أية منطقة يتدخلون فيها، فنقاط اختلافي مع أميركا كثيرة على العكس من هذه التهمة، يجب أن ندرك الصورة كلها، لا أن ننتقي منها.
لكنك تنتهج خطاً ليبرالياً وعلمانياً وفي مقالاتك تكرر آراءك في الدفاع عن سياساتها ولهذا أنت مدافع عنها وهنا تكون التهمة وجيهة؟
- مع تحفظي على المصطلحات، لكنه إذا صح لي أن أصنف نفسي، فأنا أحاول أن أكون ذا تفكير واقعي وعقلاني، فأنا عندما كتبت عن الأصولية الشيعية السياسية، قال لي بعض من لا يعجبهم هذا النقد من الشيعة، إن هذا الرجل لن يتخلى عن وهابيته.
التصنيف يخضع من الزاوية التي تشاهد الناس منها ويشاهدونك، وعندما تكتب ضد القاعدة أو الإخوان المسلمين أو ضد تيارات الإسلام السياسي تلقائياً تصنف بأنك متآمر، علينا أن نفكر بعقولنا، فبلوانا هي بسبب فقداننا النزعة النقدية، نحن نخضع للنزعة النقلية وحال من الغيبية السياسية والتفكير المشحون بالعاطفة.
أنا ابن العقل وابن حضارة كان لها أنصار كبار مثل ابن رشد وابن خلدون وغيرهما من رواد العقل، بل حتى داخل المنظومة السنية كانت هنالك رموز لها تجليات عقلية كابن تيمية في نصرته للمنطق الاستقرائي على المنطق الاستنباطي، نحن لم نحسن قراءة التراث العقلاني لدينا، إنما ركزنا على تراث مأزوم نقلي بحت ولم نفعل العقل، ففي جانب من جوانب أزمتنا نحن ضحايا لهذا التراث اللاعقلاني.
نحن تشغلنا التصنيفات
هل التراث السلفي يعتمد على تراث العقل أم أنه يعتمد على النقل فحسب، وهل تصنف نفسك على أنك عقلاني؟
- إذا تحدثنا عن السلفية فهي في المحصلة الأخيرة وكما استقرت عليه الآن، تراث ابن حنبل وابن تيمية ومحمد عبدالوهاب، فهي عقلانية في محاربتها للخرافة ومظاهر التدين الشعبي القديم من التعلق بالأولياء، وتجدها تحاول ربط المسلم بالله مباشرة من غير وسائط بالله، ففي هذا جانب عقلاني ومادي ودنيوي كبير، في المقابل مبالغتها الشديدة في الاعتماد على النقل جانب غير عقلاني وللأسف ما غلب في النهاية هو اللاعقل، فأنا إذا ما أصررت على تصنيفي أنتمي إلى الجانب العقلاني.
أتمنى أن أكون تنويرياً ومؤمناً بالحرية، وإن وصفت بها فهي شرف لا أدعيه، الليبرالية هي الأخرى معنى جميل وما فهمته أن الليبرالية هي الحرية وألا كون مقيداً بقيود، لكنني في النهاية لا أشتغل بالتصنيفات بل المهم هو أن أمتلك ثقة في نفسي، وأن أقول ما اعتقده بحرية.
هل ترى في عالمنا العربي أنه بالإمكان الانتماء إلى أي حزب أو فكرة أو تيار من دون مزايدات أو حتى مضايقات من أي نوع؟
- شخصياً باستطاعتك أن تكون ماركسياً ومن الممكن أن تكون أسوأ من بن لادن أو أسوأ من النموذجين، المشكلة على المستوى الاجتماعي هناك حال قمع وتضييق والغريب أن ذلك ليس من الحكومات فقط، حتى لو كنت متديناً وطرحت رأيا دينياً مخالفاً للسائد قامت عليك الدنيا ولم تقعد.
أضرب لك مثالاً بالشيخ دبيان الدبيان من منطقة القصيم وهو متدين وطالب علم شرعي، ألف كتاباً في مسألة فرعية في الفقه، خلاصتها أن الأخذ مما زاد عن القبضة من اللحية ليس محرماً، واستدل بفعل بعض الصحابة، صدر بحقه بيان من هيئة دينية سعودية تطالبه بالتوبة، ما تسبب في تأجيج حملة عنيفة ضده، وهذا دليل على حال الإرهاب الاجتماعي وصعوبة اعتناق أية فكرة أو رأي مخالف للسائد.
ليس من طبيعتي الحضور في المشاركات والجلسات العلمية، وإن حضرت فأنا على استعداد للمناقشة، الناس يخضعون لحال من التعبئة العامة في المساجد والمدارس والإنترنت، فإذا كان تعاملهم مع حال كالشيخ الدبيان فكيف معي أنا؟ أنا أتصور أن ممارسة الحرية الفكرية أو شيء منها في بلادنا مهمة صعبة.
المواجهة الفكرية مطلوبة
هل رافد هذه الجماعات هو رافد محلي، بمعنى أنهم يعتمدون على فكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومن قبله ابن تيمية كما يطرح الآن على الساحة؟
- الجواب مركب ومتعدد، وبداية اعتقد أن هناك رافد التراث الذي يجب إصلاحه، فالتراث السلفي لدينا في جوانب كثيرة منه مأزوم، خصوصاً في قضية التعامل مع الآخر غير المسلم، والتعامل مع المسلم المخالف، فعندنا توتر في المفاهيم التي تتصل بالتعامل مع غير المسلم أو الكفار.
كثير من السلفيين يفتون بأن أصل المعاملة مع الكفار هي المنابذة والعداء، وهو كذلك ما يطرحه بعض مشايخنا في الصحف ووسائل الإعلام، وكما قلت قبل قليل اعزو هذا إلى عدم وجود مواجهة فكرية جادة، نحن نريد أن نناقش مفهوم الولاء والبراء من جديد والتعامل مع الآخر بكل حالاته، فالتراث السلفي هو بلا شك رافد من روافد تغذية الفكر المتطرف، فكثير من أقوال ابن تيمية وابن حنبل هي مستند حقيقي لهم، لكن ليس هذا كل الجواب.
لكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وشيخيه ابن تيمية وابن حنبل من الرموز المحترمة عندنا ولا يمكن انتقادها، وآراؤهم هي مدارس فقهية لها حقها في طرح فكرها اجتهاداًً، أنت تتحدث عن رموز جليلة بل إن البعض يقدسها؟
- على كل حال، المقدس عند أي مسلم هو القرآن والسنة هذا ما تعلمناه وفهمناه، ربما قالوا أقوالهم في سياقات تاريخية معينة، محمد بن عبدالوهاب كان يقاتل لبناء دولة، فمن الطبيعي أن يكون هناك توتر في الأحكام.
عندما تقرأ لأبرز منظّر للجهادية السلفية وهو أبو محمد المقدسي فسترى أن استشهاداته مليئة بالنصوص المأخوذة من"الدرر السنية"- أكبر كتاب ألف في فتاوى ورسائل أئمة الدعوة النجدية - هذا يعني أن هناك أزمة حقيقية في هذه النصوص، الآن هل هي أزمة فيها هي نفسها، أم أزمة في فهمها وتوظيفها؟ هذا سؤال يجب أن يطرح ويناقش بصراحة وشفافية.
التراث السلفي وأزماتنا
قد يلوي المقدسي في استشهاداته أعناق النصوص، ليس بالضرورة ان تكون هذه هي دلالات النصوص، هل تدعو إلى مراجعة الفكر السلفي من جديد؟
- يلوي أعناق النصوص أو يفهمها بشكل خاطئ أو غيرها من الفرضيات، كل ذلك يجب أن يخضع للنقاش بشفافية ومن دون حساسية، أنا أدعو إلى مراجعة التراث السلفي بشكل جاد ومن دون مجاملة، وفهمي أن التراث هنا يعني اجتهادات تاريخية صدرت من بشر ولدوا في سياقات سياسية واجتماعية متحولة بطبيعتها.
أنا لا أحمل التراث السلفي الأزمة فقط، هناك تراث سيد قطب والإخوان المسلمين وهم معاصرون وليسوا من أتباع المدرسة الوهابية، كما إنني لا أريد أن أظلم السلفيين وحدهم، لأنه من المؤكد أن"القاعدة"وظّفت التشدد السلفي وحولته إلى أيدولوجية قتل وإلغاء، وصعدتها إلى مستوى أخطر مما كانت عليه، فالإخوان هم أول من طرح فكرة تسييس الإسلام بصورة عصرية.
السلفيون كانوا"كلاسيكيين"بمعنى أن مشكلاتهم كانت في الماضي لا الحاضر، من جعل من الإسلام مشكلة سياسية في هذا العصر، هم الإخوان من خلال طرح فكرة الدين والدولة والمصحف والسيف، والفكرة الأخطر"الحاكمية"التي عمقها سيد قطب بالمضمون الرهيب الذي كان يبثه في أدبياته، وغذاه بدمه.
هذه الخلطة النظرية هي خلطة متفجرة، فسيد قطب وتأزماته ومشكلات السلفية القديمة مع الآخرين تم خلطهما ببعضهما، وأنتجا خليطاً متفجراً أسوء مما هو موجود، وهي مفارقة، فالظواهري في كتابه"ستون عاماً من الحصاد المر"قدم هجاء للإخوان المسلمين وتجربتهم السياسية.
بل حتى بعض الجهاديين ينتقدون سيد قطب، وطرف آخر ينتقد المدرسة السلفية، هم تمردوا على الاثنين مع أنهما أخذوا منهما فكرهما، إضافة إلى بنية خطابهم النظري المتأزم والمنعزل. يجب ألا نغفل دور الأحداث المعاصرة في العراق وفلسطين في توفير المناخ الملائم لكسب الجنود.
كما يجب ألا نغفل تأزم الدولة العربية الجديدة التي فشلت في إيجاد نموذج تنموي حقيقي، إذ كان من الممكن وليس متيقناً! أن نجاح أية تجربة تنموية عربية حقيقية بمفهومها الواسع الشامل لكل المجالات، كان سيمنع هذا الخطاب الأصولي المتوتر من الانتشار وسط الجماهير.
ولو نجحت الدول العربية في تطبيق الديموقراطية والتنمية الحقيقية القائمة على أرضية ثقافية واجتماعية صحية، لربما كان من الممكن أن يكون خطر الإرهاب أقل من هذا، وكان من الممكن أن تفرغ طاقات الشباب الذين ذهبوا إلى الجهاد في أوعية سياسية واجتماعية ملائمة.
بين أميركا وإيران أين مصلحتنا؟
إذا كان لأميركا مصلحة في المنطقة، فماذا يجب علينا فعله كي نحمي مصالحنا في ظل تقاتل أميركا وإيران على المنطقة؟
- نحن عرب ومسلمون قد تتفق مصالحنا مع أميركا وربما تختلف، المهم أن نعي مصالحنا ونعي ماذا نريد، وإذا كان ما نريده يتوافق مع ما تريده أميركا فليكن، إذا كان ما نريده أمراً يمكن تأجيله وتطبيقه لأنه ربما يصطدم مع أميركا فلماذا نصطدم بها ونحن أضعف؟.
إذا كان ما تريده أميركا يصطدم مع مصالحنا الحيوية مباشرة فنقاتل ضد المصلحة الأميركية في هذه الحال لأن مصلحتنا تتضاد مع مصلحتها... تلك هي لغة الواقع بعيداً عن الشعارات والعواطف.
خطر إيران على المنطقة حقيقي فهي دولة كبيرة وثقيلة جداً، خطورتها في أطماعها القديمة التي لا علاقة بها بالإيدليوجيا والدين، لكنها تستخدم هذا الخطاب فقط لأغراض التمرير والترويج لمصالحها، والإيرانيون من أيام الشاه يحاولون الهيمنة على المنطقة، وتضاعفت خطورة إيران مع هذا الهيجان الأصولي الشيعي لأن جمهورية الخميني ثورت وفجرت الإسلام الشيعي من داخله، وأطلقت آمالاً كبيرة جداً، وحاول آخرون التماهي مع نموذج الخميني.
نحن شهدنا في فترة الرئيس خاتمي وكانت البدايات مع جمهورية رفسنجاني هدوء فكرة تصدير الثورة، لكنها عادت الآن مشتعلة مع جمهورية أحمدي نجاد، إيران خطرة الآن من دون سلاح نووي فكيف إذا امتلكته، الأمر الآخر الذي لا يقل خطورة هو تفجير الأوضاع الداخلية في البلدان العربية التي بها شيعة، إذ قد يحلق بعضهم بالمشروع الثوري الإيراني!
صراع السنة والشيعة أخيراً، ما هي مسبباته ودواعيه على رغم ظهور دعوات تقريب قبل أعوام بين المذهبين؟
- هناك أسباب سياسية وفكرية لأننا كمسلمين أخفقنا في خلق فكرة التسامح إلى الآن، لا توجد حرب دينية صرفة، صحيح أن الدوافع موجودة لكنها تتغذى بشرارت عادة ما تكون سياسية.
فمثلاً صراع إيران الصفوية قبل قرون مع العثمانيين كان الشكل الخارجي لهذا الصراع طائفي، وفي تلك الفترة تعمقت العداوة وتمأسست بين الشيعة والسنة، لكن الجانب السياسي كان يطغى عليها، فالعثمانيون كانوا لا يريدون توسع الدولة الصفوية، والصفويون يريدون الهيمنة على العالم الإسلامي، بل حتى بداية صراع السنة والشيعة كان سياسياً، ولاحقاً تحول إلى بنية فكرية وخيال ووجدان اجتماعي وثقافي.
نحن متأزمون وما دمنا كذلك فلن ننجح على رغم كل هذه المجاملات والمؤتمرات في خلق التسامح، في ظل الوضع القائم سيسير الوضع بين السنة والشيعة بالذات في العراق وربما لبنان إلى مزيد من التوتر والخراب.
هناك مثال العلاقة بين السعودية قائدة العالم السني وإيران قائدة العالم الشيعي، فوقت ظهور فكرة تصدير الثورة كان هناك توتر مذهبي، فهم يشتمون الوهابية ونحن نشتم الرافضة والشيعة، لكن بعد فترة هدوء الثورة ووصول رافسنجاني إلى الحكم هدأت الأمور كثيراً، وبدأنا نسمع بفكرة التقارب، ورأينا الحوارات الوطنية الرجل السني مع الشيخ الشيعي، في هذا الوقت من الصعب أن ترى المشهد نفسه بجماله وزخمه السابق بسبب الصراع السياسي، إذ إن للدين علاقة بالسياسة في هذه الحالات.
+++++++
بعض الإسلاميين السعوديين يحاولون
حرف معركة التطرف إلى"العلمانية الموهومة"
من المؤكد أن رموز القاعدة كانوا يخططون من أيام الجهاد الأفغاني لإحداث تنظيم جديد يكون له دور جهادي إسلامي بالمعنى الذي كانوا يفهمونه، وتتويجاً لذلك أعلن عام 1998عن ميلاد الجبهة العالمية لمقاومة الصليبية والصهيونية، التي أعلنها ابن لادن مع جماعة الجهاد المصرية والجماعة الإسلامية المصرية إضافة إلى جماعةٍ أصولية كشميرية، وهو كان أول إعلان لمؤسسة عمل جبهوي بهدف تكوين نواة للقاعدة.
العمل قبل هذا الإعلان بدأ بمحاولة تفجير مبنى التجارة العالمي في عام 1993 المحاولة كانت بمثابة"البروفة"، وأميركا تنبهت من أيام الرئيس كلينتون بأن شيئاً ما يحدث، وأن من كانوا يقتلون الشيوعيين الروس إبان الجهاد الأفغاني سيتجهون إليهم، تيارٌ مصري يقوده أيمن الظواهري أثر في ابن لادن كان يرى أن يُمارس القتال مع أميركا والدول العربية.
وشرعوا بتفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998 وتفجير المدمرة"كول"عام 2000 انتهاءً بهجمات 11 أيلول سبتمبر، بعدها مباشرة كشفت لنا منطقة معتمة من التطرف لم نكن نعلمها.
المعلومات تشير إلى أن التحضير لإنشاء تنظيم إرهابي في السعودية كان يتم منذ عام 1991 بعيد حرب الخليج مباشرة، بل كانت هناك مراسلات بين يوسف العييري وابن لادن كيفية إنشاء فرع للتنظيم في السعودية، رغبة في سد الاختلالات التي نتجت بعد حرب الخليج، والاستفادة من الطاقات الموجودة في"بيشاور"وتكتيلها وتنظيمها من جديد لإنشاء حالة عمل عسكري.
بعد هجمات سبتمبر تحولت استراتيجية أميركا إلى مقاومة الأصولية ومحاربة الإرهاب، وتحول خطر القاعدة في الخارج إلى هنا في السعودية، إذ كانت تفجيرات 12 أيار مايو 2003 في مجمع الحمراء السكني في الرياض بالنسبة إلينا تماماً كحادثة 11 سبتمبر في أميركا، أشير إلى حالنا في التعاطف مع"القاعدة"من 2001 إلى ما بعد تفجيرات 12 أيار إلى أن حدثت تفجيرات مبنى الأمن العام في الوشم في الرياض نيسان إبريل 2004.
كان حال الشارع السعودي ملتبساً في الموقف من القاعدة، وحدث وقتها تردد كبير، فعلى المستوى الرسمي أعلن الاستنكار لكل أعمال التخريب والتدمير التي تشنها القاعدة على بلدان العالم.
وعلى المستوى الشعبي تعاطف الكثيرون مع ابن لادن والقاعدة، لكن بعد 12 أيار تأثر مستوى التعاطف، وبدأ بالتناقص إلى أن بدأ النفور بعد عملية الوشم، ولاحظ الجميع أن الأمن بدأ يختل وأن الكل مستهدف، حينها تضعضع التعاطف الجماهيري الذي حصده ابن لادن والظواهري في السعودية والعالم الإسلامي، لكنه لم ينته ولم يزل، وبعد توالي الضربات انهارت بنية التنظيم لا فكره، وبدأت حملة عالمية على الإرهاب.
نحن هنا عانينا أعواماً حتى عام 2006، إذ بدأت المشكلة في الانحسار ورجحت كفة الحكومة على كفة الإرهابيين، حال التنظيم الآن هي تعبئة إعلامية وأيدولوجية متوالية، ومحاولات لاستيعاب الضربات القاسية، وإنعاش التنظيم مجدداً.
ويجب علينا ألا نستهين بها فقد تنجح بالذات مع استغلال الوضع في العراق أو في فلسطين، الوضع الأخطر سيكون في العراق، فهو الآن البيئة الملائمة لاجتذاب التنظيم وتهيئته من جديد، المشهد الآن هو: التنظيم مضروب والفكر موجود والحال الآن هي غيوم متلبدة قد تهطل في أي لحظة، إذ لم تحدث حتى الآن منازلة فكرية حقيقية، ما يحدث هو منازلة عسكرية وبعض ال"بربغاندا"الإعلامية.
لا يزال الفكر موجوداً وهناك من يؤمن به، لدينا في السعودية من يؤمن بنظرية التطرف والتطرف المضاد، أي لا تقاوموهم حتى لا يتحمس الشباب فيقاتلوا ويفجروا، فالبعض ممن ينتسب إلى العلم الشرعي والتيار الإسلامي يظهر في وسائل الإعلام بدعوى النصيحة مع شباب القاعدة.
لكن ما يطرح في الحقيقة هو نفسه طرح متطرف، ويحاول حرف المعركة من كيف نفكك هذه الألغام فكرياً إلى كيف نواجه العلمانية الموهومة؟ فيضخم ما يسمى بخطر العلمانية على البلد، على حساب تهميش خطر القاعدة الفعلي على الأرض، باعتبارهم وفكرهم حالة عابرة وشاذة عن الخطاب الإسلامي السائد، وهذا طبعاً وهم أو تواهم كبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.