وقفات على تأملات المولد النبوي المنشورة في العدد 16072 بتاريخ الجمعة 6 نيسان أبريل 2007، ألا ما أرخص الحب عندما يكون كلاماً، وأغلاه عندما يكون قدوة وذماماً، هكذا تكلم الغزالي - رحمه الله - عن الحب اللازم للنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أمر يتفق عليه العقلاء والمصلحون، وقد توقفت عند تأملات الداعية السعودية نوال العيد حول المولد النبوي، وهذا نقاش هادئ لما ورد فيها من نقاط: - التعبير عن الحب لا يكون له شكل معين، فقد يعبر المحب لحبيبه عن حبه بوردة، وقد يكون كلمة أو بسمة"وعبَّر الصحابة بأشكال مختلفة عن حبهم للنبي الكريم"، ذكر ذلك باستفاضة القاضي عياض في كتابه الشفا، ولا يحق لأحد أن يحدد شكل الحب ما لم نقل إن هذا الشكل عبادة، وما لم يرد نص توقيفي تعبير شرعي على تحديد شكل الحب، وما دام الحب اتباعاً فليكن جمعاً للناس إلى الاستماع إلى الكلمة الطيبة، وذكر شمائل الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، والحث على الاستمساك بهديه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، وعندما تلتقين مع الكثير ممن يحتفل بذكرى الميلاد العظيم يؤكد أنه لا يقوم بعبادة منصوص عليها، وإنما هي صدقة ودعوة للعلم. - عدم فعل السلف للمولد لا يعني تحريمه، فليس ثمة نص يحرم أن نجتمع على ذكر، وفكر، وإنشاد وعبرة في يوم أو شهر الولادة، وقد حضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتفالات في مسجده ولم ينكر، ثم إن السلف منهج وليس مرحلة تاريخية، فكل من تمسك بأصل المنهج السلفي الذي يقوم على دقة النقل وعمق الفهم يكون سلفياً، ولو كان من غير القرون الثلاثة الفاضلة، ولو رأى السلف ما حل بشرائع الدين من ترك لاستثمروا كل يوم في عقد اجتماع على الخير والتذكير بفعل الجميل، فكيف بشهر الخير والرحمة وعنوان بعث الرسول الأرحم. - الاختلاف في الناحية التاريخية أو ضبط تاريخ ميلاد الرسول ليس سبباً للإنكار على من يقوم باحتفال المولد، مع أن هناك رؤى رجحت تاريخاً معيناً ذكره أحمد باشا وقدم له المرحوم العلامة علي الطنطاوي، ولكن أخذنا بتعدد التواريخ اغتنام لحض الناس على كل ما يبصرهم برسولهم وبدينهم، ثم وفاة الرسول وميلاده في نظر من يستمسك بمنهج السلف سيان، فسنَّة الله في خلقه هي سنَّة الحياة وسنَّة الموت، وهما سنَّتان ماضيتان بلا تأخر، ولو وافق يوم الميلاد يوم الوفاة فالعبرة بالمضمون، أي على ماذا نجمع الناس. - ليس في إقامة المولد تشابه بين المسلم وغيره من أتباع الأديان الأخرى، والتشبه المنكور كما يقول حكيم الإسلام محمد الغزالي يكون في العقائد والخلال، والاحتفال ليس من العقيدة في شيء. ثم إن النصراني أيضاً يحتفل بيوم الأحد، فهل نلغي خصوصية يوم الجمعة عندنا لأنهم هم ينظرون إلى يوم الأحد برؤية معينة تشابه رؤيتنا ليوم الجمعة أي كأنه عيد، أو نلغي كلمة الصلاة من قاموسنا الديني لأن غيرنا أساء معناها؟ ثم ليس كل ما يقوم به اهل الكتاب محل إنكار، بل فيه تفصيل ثم من قال إن الاحتفال بالمولد النبوي هو عقيدة أو ركن من أركان الإيمان، حتى نعقد بين معتقد من يحتفل ومعتقد النصراني، او نخاف على عقائدنا من المشابهة؟ - لا شك في أن ثمة تصرفات غير شرعية يقوم بها بعض المحتفلين ذكرت الكاتبة جانباً منها، ولكن الأصل في هذه الظاهرة الخير، وكما يقول ابن تيمية - رحمه الله - عن المتصوفة إنهم طوائف، فلا يجوز الحكم عليهم بالإجمال بل ثمة تفصيل أي أن منهم المحسن وفيهم المسيء وفيهم المقتصد و.... وهذا ينطبق أيضاً على من يحتفل بالمولد المبارك. بقي أن اذكر أن الإسلام أكبر من أن يختصر في مولد ونقاش حوله، والسؤال الأكبر كيف نقيم يوماً يكون عالمياً نذكر الناس بخلق وهدي النبي الرحمة؟ لم لا نجعل من شهر الميلاد عنوان النظافة والطهر والالق والحب والجمال والخير والحق والكرامة؟ لتنسحب من ثم كل تلك المعاني على حياتنا عامة. ثم كيف نجعل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم الرقم الصعب الذي على العالم بأسره اقتفاء أثره؟ وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن الكاتبة الداعية كانت حكيمة في نقاشها رحيمة في طلباتها، فكل التقدير لها، وأعاد الله على الامة الإسلامية شهر الميلاد وقد تمسكت بأهداب الهدي النبوي الكريم، وسادت معاني الكرامة والعزة والرفعة، اللهم صل على محمد وآله وسلم، وارض على الصحابة الكرام. * المدير الإعلامي في مركز الراية للمعرفة الفكرية.