سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سفير خادم الحرمين الشريفين في فرنسا يدعو إلى مرونة مالية وإدارية أكثر للسفارات في الخارج! . محمد بن إسماعيل آل الشيخ: الثقافة القانونية في مجتمعنا محصورة في النخبة!
حين يكون الحديث عن أستاذ بحجم الدكتور محمد بن إسماعيل آل الشيخ فأنت تدخل امتحاناً صعباً، وهو امتحان لا يقل في صعوبته عن إدراك معنى القانون الذي دعا طلابه إلى فهمه، ولا عن مفهوم السياسية وتبدلاتها المتلاحقة، فهو أستاذ يحضرك مثل الحماسة للاكتشاف، مثل المثابرة على التميز دائماً، ويمد يده للتحفيز ويلزمك بأن تُكمل المشروع، ليكون شريك المعرفة، فلا يدعي كمالها عنده، ويكون عوناً في المنجز، فلا يغفل جهود طالبه، وحين يقسو يقسو بجودة الأب المحب، وحين يبتسم يبتسم لندرك أن للعطاء معاني كثيرة، هذا هو الدكتور محمد بن إسماعيل آل الشيخ، حين كان أستاذاً للقانون في جامعة الملك سعود، وما أن تقابله حتى تلمس حاجتك إلى أن تستلهم وتستنبط، وتخطو إلى الابتكار والإبداع، فكُنّا بكل فخر طلابه، وكان بكل تواضع أستاذنا. وفي هذا اللقاء نُكمل مع القارئ شيئاً من سيرته في القانون والثقافة القانونية في مجتمعنا، يُطلعنا على تجربته الشخصية في فرنسا طالباً، ثم وهو يعود إلى هذا البلد سفيراً لخادم الحرمين الشريفين، فيأخذنا إلى شيء من تاريخ اللغة الفرنسية وخصوصية الثقافة التي نقلتها للعالم، يجيب عن أسئلتنا بالوضوح الذي يُريده... ونريده أيضاً، يفتح لنا فضاءً جديداً عن السفارات السعودية ومعاناتها التي لا يقف عليها أحد ولا يعرفها أحد، وبشفافية باطنها وظاهرها الصدق معاً، يطلعنا على التجربة الفرنسية في نواح عدة، وتقابلها تجربتنا في السعودية من حيث تنمية الوعي والإصلاح، وفي هذا اللقاء يعدد لنا قضايا ثقافية واجتماعية وسياسية عدة، يثيرها للمثقفين والمعنيين ويضع أيديهم عليها، مفسحاً المساحة كلها للإجابة على الأسئلة التي أثارها، ومضيفاً إلى وعينا ما يجب التوقف عنده كثيراً،"الحياة"هنا تنشر كاملاً جميعَ ما أخذناه منه... حيناً برضا وحيناً بديبلوماسيته الحاضرة أستاذاً وسفيراً... لماذا فازت فرنسا برضاك فاخترتها للدراسة؟ - أنت تعيدني إلى سنوات بعيدة، إلى سنوات شهدت طوراً كبيراً من الانفتاح في برامج الابتعاث لبلدان كثيرة، وكانت الفكرة دائماً تبدأ لدينا بإمكان مراسلة جامعات بريطانية وأميركية، إلاّ أن هذه الجامعات كانت تبعث بقبول عير محدد تتعذر معه معرفة مسار الدراسة والتخصص، وكان الدكتور محمد الجبر - رحمة الله عليه - في تلك الفترة رئيساً لقسم القانون، وهو من خريجي فرنسا، فأشار علينا بمراسلة جامعات فرنسية لكونها ترُسل القبول واضحاً ومحدداً، فإن كنت متخصصاً في القانون التجاري فالقبول يأتي في المسار ذاته. لذلك فإن اختياري فرنسا بسبب وجاهة القبول ووضوح برنامج الدراسة من البداية، كما أن رغبتي في ذلك الوقت كانت تتجه للقانون التجاري، وكذلك تشجيع الدكتور الجبر شكل لديّ قناعة بالدراسة فيها، فضلاً عن مكانة هذه الدولة في العالم من حيث السرعة في سن القوانين وتطويرها تعليمها. دراسة القانون ماذا شكلت بداخلك؟ وما الذي تركه فيك قسم القانون وما الذي تركته له؟ - القانون... ماذا يتبادر إلى ذهنك فور سماع هذه الكلمة؟ لا بد من أنك ستستبطن أعماق هذه الكلمة لما لها من وقع خاص في دلالتها، فهي تدعوك إلى التدقيق وعدم أخذ الأمور على عواهنها، بالمعنى القريب هي التي تتطلب فلسفة الأمور وتحليلها، وأن يشتمل فهمك على أطراف الموضوع وتفاصيله كافة، لأنها مادة فلسفية في المقام الأول. ودراسة هذه المادة تهبك ملكة خاصة، فلديك القدرة على التدقيق والاستنتاج والتوجيه والبحث والمناقشة والابتكار، ما يصدق معه مقولة أن القانوني يمكنه أن يكون إدارياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو مفكراً اجتماعياً. أما ما تركه لي قسم القانون في جامعة الملك سعود، فبكل بساطة ترك سنوات لن أنساها وستظل دافعاً للعودة إليه بالوفاء الدائم، وأنا وثيق بذاكرته وأحنّ إلى العطاء فيه، وحتماً سأرغب إذا ما عدت يوماً في دخول قسم القانون ولو كأستاذ متعاون، وإن تركت له شيئاً فالإجابة لدى أهل القسم. دراسة القانون ممتعة أيام تدريسك مادة القانون في الجامعة شهد لك الكثيرون بأن"قانونك"ليس مملاً ولا سهلاً... ماذا كانت فلسفتك في تدريسه آنذاك؟ - ليس مملاً وليس سهلاً.. لن أعيد هذه العبارة إلاّ إلى الذهنية التي يُنظر بها إلى القانون، فهو في نظر الكثير يُعد من التخصصات التي تعتمد على الحفظ، وفي الحقيقة لا يمكن تصنيفه ضمن التخصصات النظرية أو العلوم الإنسانية بالمطلق، لأنه علم يحتمل جوانب رياضية بحتة، وفنية خالصة، وفي اعتقادي أن تقسيم العلوم إلى ما هو طبيعي وما هو إنساني لم يأخذ في الاعتبار تداخل العلوم، علماً بأن بعض الجامعات العالمية تشترط لدخول كليات القانون الحصول على الثانوية بقسمها العلمي. لذلك فأنا أرى القانون علماً يتطلب الملاحظة والإدراك والتحليل المباشر، وإلاّ كيف يمكن للقانوني أن ينظر إلى قضايا تتنازعها جوانب عدة، منها مثلاً المالي في قوائم الشركات أو في توزيع التركات، والأمثلة التي تضعنا أمام حقيقة واقع القانون كثيرة جداً. وكان هذا منطلقي مع الطلاب، ومبدئي القائم على إعطاء علم القانون حقه، وتجاوز الفهم السائد من كونه علماً يعتمد على حفظ نصوصه فحسب، لذا كان يعنيني من الطالب أن يوضح لي قدرته على التحليل والاستيعاب، وكنت على هذا الأساس أضع أسئلة الامتحانات التي تأتي على شكل حالات دراسية وقضايا عملية، يلزم معها تحليل النصوص القانونية التي درسها الطالب، بدلاً من الأسئلة التي تتطلب السرد الوصفي فقط لعدد من النقاط. كيف هي الثقافة القانونية في مجتمعنا؟ وكيف ترى مستقبلها؟ - الثقافة القانونية في مجتمعنا محصورة في النخبة المهتمة، فليس هناك ما يشير إلى وجود ثقافة قانونية بمعناها الدقيق، ولكن لو نظرنا إلى الثقافة الشاملة، بمعنى القيم التي تحكم المجتمع، فهي صريحة في مضمونها، كالحديث النبوي الشريف"الدّين المعاملة"، فمن هنا يمكننا أن نؤسس تلك الثقافة التي يلزم ابتداء تأسيس مصطلحاتها والوعي القادر على استيعاب المفاهيم الخاصة بها، فالأزمة تقف عند هذه المصطلحات فقط. ولتحقيق الخطوة الجادة نحو الثقافة القانونية في صورتها التي يعرفها النخبة، فإنه يلزمنا أولاً، وبشجاعة، أن نعالج إشكالية مهمة هي تخرج الطالب من الثانوية العامة وهو لا يملك أية قدرة على التحليل والملاحظة والبحث، فإذا تقدمنا في ذلك فإنه يمكننا عندها إيجاد الأرضية الخصبة لثقافة قانونية في المجتمع. أتت كلية الأنظمة والعلوم السياسية القانون متأخرة كثيراً، كيف قرأت الخبر؟ - ابتداء لنعلم أن قسم القانون في جامعة الملك سعود كان يقوم مقام كلية قانون من حيث المضمون، ولم يكن للمسمى أي عائق أمام أداء هذا القسم دوره في نشر ثقافته ومنهجه منذ إنشائه، والدليل على ذلك هو أن الشهادة الممنوحة منه معادلة في جميع الدول العربية، فهي شهادة مثلها مثل أية شهادة تُمنح في حقل الحقوق في الجامعات العربية كجامعة القاهرة، أو في الجامعات العالمية في أوروبا وأميركا. أما عن قراءتي لخبر إنشاء كلية الأنظمة والعلوم السياسية، فأقولها بصراحة: تمنيت لو أنه لم يُعلن هذا الاسم، وألاّ تخرج هذه الكلية على هذا النحو، فالمسمى لا يدل على مضمون هذه الكلية البتة. فالمتعارف عليه في جميع جامعات العالم أن مسميات الكليات دالة على رسالتها والعلوم التي تختص بتدريسها، وهذا ما لم أجده في إنشاء هذه الكلية بالمسمى الذي خرجت به! ومن ناحية أخرى فإنه لا أساس للربط بين العلوم السياسية والقانون، على رغم تداخل العلوم في شؤون يمكن تفصيلها، لكن ليس من المعقول إدخال هذين التخصصين في كلية واحدة، إذ يمكن أن يوجد لاحقاً خلط في العمل الأكاديمي نتيجة لتغليب جانب على جانب، ولو في النواحي الإجرائية، كتقسيم مهام الأساتذة في مجالس الكلية المختصة بتقرير المناهج والبرامج الخاصة بكل تخصص مثلاً. وفي رأيي أنه كان يجب أن تُقسم كلية العلوم الإدارية إلى ثلاث كليات بدلاً من كليتين، فكلية للقانون أو الأنظمة، وكلية لإدارة الأعمال تشمل جميع تخصصات الإدارة، المحاسبة، نظم المعلوماتية والإدارية، وكلية العلوم الاجتماعية وتشمل العلوم السياسية والاقتصاد والإعلام، وأي تخصص يندرج تحت هذا المفهوم. ربما في هذه الحال كان سيفرحني الخبر، وأتمنى أن تكون هذه خطوة نحو مزيد من التطوير. العمل الديبلوماسي لم يكن في حساباتي هل حدّثت نفسك يوماً بالعمل الديبلوماسي؟ - يبتسم... أبداً، ولم أفكر في هذا، على رغم عملي مستشاراً لجهات عدة، ومشاركتي في الكثير من اللجان التي تتطلب دراسات قانونية، ومنها ما له علاقة ببعض الشراكات الدولية، إلاّ أنني لم أتوقع هذا العمل الديبلوماسي البتة. من العمل الأكاديمي إلى العمل الديبلوماسي... هل تعرضت إلى اختلال في التوازن أم أنهما منسجمان تماماً؟ - ليكن في الحسبان أن العمل الأكاديمي يمنح صاحبه الكثير من المزايا، التي تخلق منه شخصاً قادراً على الإنجاز، شريطة وجود روح العطاء وفهم معنى المنافسة في منظومة عمل جيدة في أروقة الجامعات، التي تتطلب على الدوام البحث والتحليل والدراسات الجادة، كما أن هذا المحيط يتيح لك الفرصة للتواجد مع الكثير من الأشخاص، أساتذة زملاء أو زواراً، وطلاباً بعدد كبير، ما يُهيئ أمامك مناخات مختلفة ومتتابعة، وهذا يتطلب القدرة على التغيير وخاصية التكيف والنهل من التجارب المتعددة. لذا فإن العمل الأكاديمي يقدم لك الفرصة المهمة لصقل الشخصية، وليس للإنتاج فقط. فتتضح من ذلك أهمية بناء الشخصية في المقام الأول للعمل الأكاديمي، وحين تدخل السلك الديبلوماسي فأنت بالضرورة ستنفصل عن نشاطك الأول، ويمكنك بقدراتك الخاصة تقبل العمل الديبلوماسي طالما أن خاصية التكيف تسهم في شخصك وتدعمك، ولا أظن أن هناك حال فقدان توازن طالما أن الأمر يتوقف على القدرات الشخصية. ماذا سرقت منك الديبلوماسية؟ - بل ما الذي تركته لي الديبلوماسية؟ لا يخفى على أحد أن"الديبلوماسية"في مفهومها العام قيمة تسهم في الشخصية، ويمكن لمس هذه القيمة في الحياة العامة، وفي أشخاص كثيرين يشاركونك العمل والشارع وغيره، لكن أن تكون هذه القيمة مقرونة بعملك سفيراً، فهنا تصبح المسألة مركبة، فأنت تحتاج إلى أكثر من كادر في شخصك، يعمل ويقترح ويدير ويقرر وينفذ ويشرف ويناقش، هذا هو السفير، وليس كما يعتقد البعض أن عمله مرهون فقط بالمراسم والمناسبات واللقاءات الرفيعة المستوى، بل نجد أن هذا الشخص السفير يمارس أعمالاً لا شأن لها بالعمل السياسي المطلق، كمتابعة شؤون الرعايا، وإنجاز الأعمال الإجرائية... الإدارية منها والمالية، ومتابعة المكاتب والملحقيات التي هي جزء لا يتجزأ من البعثة كاملة. فما الذي يدخل من هذه الأشياء في صلب العمل السياسي؟ يبتسم ويقول: هات لي وقتاً لا تسرقه مني كل هذه الجوانب، وأخصصه بالكامل للديبلوماسية وممارستها مع المثقفين والمفكرين والسياسيين والإعلاميين. المجتمع الفرنسي ليس جديداً عليك... فما الذي تغير فيه منذ كنت طالباً حتى عدت سفيراً؟ - حين كنت طالباً، وببساطة، كنت أملك الوقت لقراءة الكثير من الأشياء، بالدقة التي تدفعني إليها روح المعرفة والاطلاع على حياة أخرى جديدة، لأملك منها التجربة المثلى، أما عندما عدت لهذا البلد سفيراً، فذلك يعني أنني سأكتفي من كل الأشياء بعناوينها ولن أستطيع متابعة فصولها، فهناك من العمل الشاق ما يكفّ يدي - إن صح التعبير - عن الجلوس مثلاً في مقهى مع بعض الأصدقاء، أو السفر في رحلة علمية مع زملاء دراسة، أو متابعة الأطروحات الحديثة في علم القانون، أو التفرغ ساعات من أجل حدث اجتماعي أو ثقافي... أو حتى رياضي. منظومة الحياة الاجتماعية في فرنسا تستحق المتابعة بدقة، وهي في سيرتها الطويلة منذ كنت طالباً حتى عدت سفيراً، من دون تحولات كبرى، وربما أنا تغيرت عليها. أزمة اللغة الفرنسية ألا تزال الفرنسية لغة المثقفين فقط؟ - اللغة الفرنسية، مثلها مثل أية لغة في العالم، تشكّل جذر وهوية أمة كاملة، وتمكنت من الانتشار بحسب الظروف التي ساعدت على ذلك، ولها منعطفاتها التاريخية التي شهدتها كل لغات العالم المعروفة. ولعلّ ذاكرتنا لا تنسى عراقة هذه اللغة، وتنامي الدور الثقافي لفرنسا معها عبر قرون طويلة، وظهور كبار المفكرين العالميين بهذه اللغة مثل جان جاك روسو وسارتر وغيرهما، الذين أثروا الفكر الإنساني بما قدموه. لذلك رسخ في الذهنية خارج أوروبا مع التقدم المعرفي من طباعة وغيرها، أن اللغة الفرنسية لغة مثقفين، لكونها ارتبطت بتحولات ثقافية وصراعات فكرية عدة، في الوقت الذي يمكن أن يتم التعاطي معها كلغة أمة وجدت حظوظاً كبيرة في الانتقال إلى خارج فرنسا، واعتمادها لغة رسمية لبعض الدول، أو لغة ثانية، ثم تغيرت الظروف الداعية لانتشار هذه اللغة، فانحصرت في أرضها الأصلية مع بقائها مستخدمة في دول محدودة. هل هي حقاً لغة بقيت لهدف سياسي بحت؟ - متعجباً: هل تعود بنا للتكييف السياسي لكوني ديبلوماسياً؟ إني أؤكد أنها لغة مثلها مثل أية لغة في العالم، لكنها توسعت في رقعتها نظراً إلى الظروف المساعدة، ولعلّ سؤالك يُشير إلى أحد تلك الظروف وهو الاستعمار لعدد من الدول في العالم، منها الأفريقية والعربية، لكن هذا الظرف لم يكن العامل الأوحد في الثقل التاريخي لهذه اللغة، فهي لغة حيّة منذ أكثر من خمسة قرون مضت، ومرت بالعديد من المنعطفات المهمة، ولا شك في أن هذه اللغة لعبت دوراً كبيراً في العمل السياسي الفرنسي وتطوره حتى اليوم، وليست هناك دولة يفرض عليها تاريخها أن تلعب دوراً مهماً، ولا تتقدم نحو هدفها بالوسائل المهمة... ومنها اللغة. ومما لا يخفى على أحد تصارع القوى بعد الحرب العالمية الثانية، والبحث عن تبني الأدوار الكبرى في العالم، وهذا كان يفرض على فرنسا - بحكم مكانتها - أن تنتج من فكرها السياسي ما أنتجته بعدد من الوسائل، منها نشر هذه اللغة وإعادة وترسيخ دورها، لكن هذه المرة ليس خارج فرنسا فقط بل وخارج أوروبا أيضاً. لفرنسا باع طويل مع التنوير والتعرف على الشعوب الأخرى... كيف تقوّم هذه التجربة؟ وكيف ننقلها إلى السعودية؟ - الحديث عن التاريخ الثقافي يدعونا لسجال، هذا ليس محلّه، ولكن إن كان لفرنسا شواهد على خدمة الإنسانية بالأفكار التقدمية، وربما أهمها المناداة بحقوق الإنسان وتجربة التشريعات وسن القوانين وإنشاء البرلمان وحرية التعبير، فلدينا تجربة عريقة حيّة ومثمرة، وهي برامج الابتعاث التي بدأت منذ الستينات الميلادية، واليوم يدعمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بلا حدود، وهذا المنهج بلا شك أوجد الأسس نحو تنمية واعدة. واليوم كما ذكرت لدينا ما يقارب أربعمئة مبتعث ومبتعثة، وسبقهم الكثيرون عاشوا في المجتمع الفرنسي، يتبادلون التجارب الحياتية والعلمية، ولا أظن أن هؤلاء المبتعثين سيعودون من دون أن يتركوا شيئاً خلفهم، أو يأخذوا معهم شيئاً من الحياة هنا. كما أنه لا يمكن أن يغفل عاقل دور السعودية في العملية التنموية، إذ دأبت إلى تنمية الوعي الاجتماعي بجميع الوسائل، مع اختلاف المفاهيم، وهذا يندرج تحت خصوصية كل بلد. والسعودية دولة شريكة للعالم في الحفاظ على حقوق الإنسان بتشريعات الإسلام السمحة، وكذلك سن القوانين التنظيمية وفق الشريعة الإسلامية، كما يقف مجلس الشورى اليوم شاهداً على التطور الكبير في العملية الإصلاحية المستمرة في البلاد، وهذا ما دعا سفارة خادم الحرمين الشريفين في باريس إلى دعوة رجال فكر وسياسة فرنسيين لزيارة المملكة، وللحق... كان لبعضهم موقف سلبي مسبقاً من التجربة لدينا، فعادوا في دهشة مما شاهدوه في مؤسسات الدولة، وما رأوه من صورة مشرقة ومعاكسة لما تتناقله، للأسف، بعض الأوساط عنّا، لذلك فتجربتنا متاحة للاطلاع والنقل والمحاكاة مع الآخرين. لكن أين هي الخطوات الجادة لنشر هذه التجربة؟ أعتقد أني سأترك الإجابة للمعنيين. السفارات... هموم وغياب! البعض يسأل عن دور السفارة الغائب عن المشهد الثقافي ونقل ذخيرتنا الثقافية إلى الآخر والعكس... هل هذا صحيح؟ - لقد وضعت أصبعك على الجرح تماماً. فسؤالك هذا ليس ببعيد عن موضوع نقل تجربتنا للآخر أو العكس. لدى صحيفتكم قائمة طويلة بمساعي السفارة في المشهد الثقافي الفرنسي وما قدمته تجاه ثقافتنا السعودية، وهي قائمة ليست محل السرد هنا، ولكن السؤال: لماذا لم يعلم أحد بالأنشطة على رغم استمرارها وتواليها؟ وأجيبك بأن كل جهود السفارة بكامل طاقمها جهود شخصية، وفي الوقت الذي ترقى هذه الجهود إلى المستوى المطلوب، فإنها للأسف لا تُبرز إعلامياً على النحو الكافي. وهنا يلزم ذكر أكبر معضلة تواجه السفارة السعودية في باريس والسفارات بشكل عام، وهي عدم وجود خطة برامج ثقافية معتمدة من الجهات المختصة يمكن معها اعتماد آلية التنفيذ على أرضية الواقع، فأنت يلزمك التنسيق مع مراكز ثقافية عالمية ومؤسسات ذات علاقة قبل البدء بأي نشاط، لذلك من المستحيل أن أقدم نشاطاً لافتاً من دون أن يكون مدعوماً منذ البداية حتى تنفيذه من الجهات كافة. وللأسف منذ عقود طويلة معظم ما نقدمه عبارة عن أنشطة وليدة اللحظة، وهنا يكمن الفارق بين اعتماد رسمي لهذه الأنشطة طوال عام كامل بموازنة مقررة مسبقاً، ومبادرة شخصية تتوقف في أي وقت لأي ظرف كان. كما أننا نجد أنفسنا في كثير من المناسبات في حرج بسبب أن المؤسسات المعنية في فرنسا تتطلب تنسيقاً قبل تنفيذ أي برنامج بمدة طويلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر"معهد العالم العربي"في باريس لم نستفد منه مثل دول أخرى، على رغم الدعم الكبير الذي تقدمه المملكة لهذا المعهد منذ إنشائه حتى الآن، وذلك بسبب عدم وجود برنامج خاص بنا يمكن إدراجه ضمن جدول برامج هذا المعهد. ولا يفوتني أن ألقي بشيء من اللاّئمة على الصحافة التي لا تتلمس عين الحقيقة في هذا الموضوع بالذات؟ فضلاً عن عدم توجيهها هذا السؤال للجهة المختصة. ما الذي تعانيه السفارة السعودية في باريس من حيث آلية العمل؟ - ما تعانيه السفارة في باريس هو ما تعانيه معظم السفارات السعودية في الخارج، فهناك عائقان كبيران تواجههما السفارات، أولهما إجرائي يتعلق بالجانبين المالي والإداري، فالسفارات السعودية ملزمة بتطبيق الأنظمة والتعليمات الخاصة بهذين الجانبين، المعمول بها في الأجهزة الحكومية في المملكة، ما يترتب عليه صعوبات تطبيق هذه الأنظمة في البلد المضيف في جوانب عدة، والحل هو تطبيق أنظمة البلد المضيف في هذين الجانبين. أما العائق الثاني فيضع السفارات في حرج مع سلطات البلد المضيف. ويكمن هذا العائق في وصول بعض الوفود السعودية الرسمية للبلد الذي توجد فيه السفارة، من دون أن يكون لدى السفارة علم بها إلاّ من سلطات البلد المضيف، وفي حالات أخرى قد تعلم السفارات بوصول بعض هذه الوفود وتقوم بالواجب معها، ولكن لا تعلم السفارات بتفاصيل مهامها وما تصل إليه من نتائج! علماً بأن التوجيهات السامية تقضي باحترام أنظمة البلد المضيف، هذا من جانب... ومن جانب آخر تنص هذه التوجيهات الكريمة على وجوب التنسيق مع السفارات قبل وصول أي وفد رسمي، ووضع السفارات أمام صورة متكاملة عن مهمة أي وفد وإطلاعها على ما سيقوم به وعلى النتائج النهائية. لماذا أصبح الغضب يتسلل إلى المجتمع الفرنسي، فأصبحنا نرى المظاهرات والإضرابات بكثرة؟ ما الذي حدث؟ - هذا ليس موضوعاً حديثاً في تاريخ فرنسا، ولدي تصور خاص في هذه المسألة، هو أن تطور الاتصالات بكل وسائلها، جعل هذه الأحداث حديث الساعة، وحاضرة باستمرار كما لو أنها حدث جديد. بعد 11 أيلول سبتمبر... هل تغيرت نظرة الفرنسيين تجاه السعوديين؟ - بل لنقل نحن السعوديين: هل يُعقل هذا بنا؟ فالدهشة المؤلمة أصابتنا نحن حين اتُهمنا في عقر دارنا، ومسّنا من الضرّ ما مسّ العالم، بل أدهى وأمر. أما عن نظرة الفرنسيين فهي أقل حدّة من مواقف أخرى خرجت بعد 11 أيلول، ولم يركز الفرنسيون على السعوديين بشكل خاص، بل على الفكر الذي يتخذ الإسلام ذريعة وهو براء من ذلك. كما أن طبيعة الفرنسيين تتضمن الفضول للتعرف على كل جوانب الأحداث، لكن بشكل عام لم نلمس نظرة قاسية تجاهنا، مقارنةً بما حدث لنا في دول أُخرى. بعد أحداث المدينةالمنورة الأخيرة، هل أثيرت أسئلة متطرفة تجاهها؟ - للحق لم تثر أسئلة متطرفة ضد السعودية شعباً وحكومة، ولم نقرأ تعليقات معادية، فالفرنسيون كانوا يعون أن هذا العمل الإجرامي لم يستهدف الضحايا كفرنسيين بصفتهم وجنسيتهم. أنت شخصياً بم أقنعت نفسك أنه سيكون الأفضل لذكره حيال هذا الحدث عند الخروج أمام المجتمع الفرنسي صبيحة اليوم التالي؟ - القناعة بالموقف موجودة دائماً، وهو أننا شركاء سلام وأمان ينشده الإنسان حيث يكون، وأنا بملء ثقتي بالمجتمع الفرنسي الذي يتفهم أننا براء من هذه الأعمال الإجرامية، لذلك لم أجد في نفسي إلاّ الحزن ذاته الذي يسكن ضمير كل فرنسي أو أجنبي تجاه ما حدث، وإدانة هذا العمل الإجرامي. الديبلوماسية السعودية مبادرة بعضهم يرى أن الديبلوماسية السعودية مجر رد فعل فقط، ما رأيك؟ - بل السياسة السعودية مبادرة دائماً، وأؤكد أن رد الفعل لا يكون إلاّ للفعل البديل دائماً، ولم تقف السعودية يوماً ما في محلّ رادٍ للفعل، لأن هذا الدور لا يتلاءم مع ثقلها السياسي ومكانتها الدولية. دعني أقل لك شيئاً... السياسة في مكنونها الثبات، وهذا ما ينتجه القرار السعودي في جميع المواقف، مع الأخذ في الاعتبار بوجهات النظر والمتغيرات التي لا يمكن لها أن تُحرف السياسة السعودية عن منهجها الواضح، في جميع المنعطفات التي مرت بها المنطقة أو الأمة أو العالم أجمع، أو ما نعيشه حالياً من أحداث. لذا أنا أدعو لأن تتخلى وسائل الإعلام عن هذه العبارة لأنها عبارة لا تلامس أي طرف للحقيقة، فالسياسة السعودية بجميع تحركاتها هي الدّال على الصورة القائمة في المحافل الدولية، وإلاّ لماذا كل هذا الثقل لهذا البلد؟ ولماذا تجدون السعودية في طليعة الدول المشاركة بمد يد العون للدول الشقيقة والصديقة، وإعمارها إمّا تنموياً أو إصلاحياً، كما هي الحال في العراق الآن بصفتها دولة عربية ودولة جوار، أو رعايتها لقاء الإخوة الفلسطينيين في مكة، ودورها التاريخي الكبير في استقرار لبنان؟ ألاّ يعطي هذا دلالة واضحة على الدور السعودي ويُجلي ما يُقال عنه؟ سأترك الإجابة للعالم. يشعر كثير من الطلاب المبتعثين بأبوة حانية منك، فهل تستمتع بتفقدهم؟ - أنت كسفير حين تقابل الملك وولي عهده في مؤتمر عام للسفراء السعوديين، حتماً ستحدث نفسك بأنك ستسمع توجيهات حيال العلاقات السياسية بالمطلق، لكن تُفاجأ في خضم ما يحصل في العالم الآن، بأن الملك وولي عهده - يحفظهما الله - يبدآن حديثهما بالتأكيد على وجوب متابعة أحوال المواطنين السعوديين من طلاب وغيرهم والاهتمام بهم. فعلام يدل التوجيه الكريم من راعي النهضة وولي عهده؟ بالتأكيد المتعة الحقيقية تكمن في العمل على استثمار هؤلاء الشباب لأجل مستقبل زاهر للمملكة. يشيد الكثيرون بجهود زوجتك في المشهد الديبلوماسي وحسن أدائها... هل الديبلوماسية فطرة في عائلتك؟ - دور حرم السفير لا يقل أهمية عن دور السفير، هذا مبدأ عام. وكنت مؤمناً من البداية بأهمية دور زوجة أي ديبلوماسي يعمل في الخارج بشكل عام. أما في ما يخص حرمنا فهي لديها القدرة على القيام بهذا الدور، لتمكنها من اللغة الفرنسية ومعرفتها بالمجتمع الفرنسي، ولديها الإمكانات لمخاطبة هذا المجتمع والتحرك فيه، وأيضاً فإن تخصصها العلمي في مجال الأبحاث الطبية فتح أمامها فضاءً أوسع، تعمل من خلاله على مدّ جسور ثقافية وعلمية بين المجتمعين السعودي والفرنسي. تاريخ الميلاد: تشرين الثاني نوفمبر 1964. مكان الميلاد: المملكة العربية السعودية. الحالة الاجتماعية: متزوج ووالد لثلاثة أطفال. الشهادات الجامعية - دكتوراه في القانون من كلية القانون والعلوم السياسية من جامعة أوفيرن كليرمون في حزيران يونيو 1994. فرنسا - ماجستير في القانون من كلية القانون والعلوم السياسية من جامعة رين 1990. فرنسا - بكالوريوس في القانون من كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود في الرياض. الخبرات الوظيفية - سفير المملكة العربية السعودية لدى فرنسا منذ تشرين الثاني 2003. - وكيل كلية العلوم الإدارية، جامعة الملك سعود، الرياض 2000- 2003 - أستاذ مساعد في قسم القانون في كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود في الرياض. 1994 - 2003 - مبتعث من جامعة الملك سعود إلى فرنسا للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في تخصص القانون. 1987 - 1994 مؤلفات وإصدارات - المشروعات المتعثرة: تشخيص وعلاج من الجانب القانوني أطروحة دكتوراه باللغة الفرنسية. - السكوت المعيب أطروحة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة باللغة الفرنسية. - مقالات ودراسات قانونية عدة نشرت في دوريات متخصصة في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة - وجامعة الكويت وجامعة القاهرة.