الحكمة ليست حكراً على المتعلمين. هذا هو الانطباع الذي تخرج به عندما تقابله، فهو رجل قروي بمعنى الكلمة، شخصيته تجمع بين طرافة وسرعة بديهة الكاتب الإيرلندي جورج برنارد شو، وأسلوبه في الحياة يقترب من الفطرة التي لم يشوهها التعليم، وهي قريبة من أسلوب زوربا اليوناني، فهو لا يحتاج لأكثر من وجهة نظر واحدة لكل شيء تقريباً، ولديه القدرة على إقناع أكبر متعلم بوجهة نظره، لذلك فالقلق والتردد وبقية الخصال التي تأتي بها المعرفة لا يعرف بوجودها أصلاً. سرعة البديهة والطرافة البالغة أصبحتا جزءاً من ملامحه فهي تخرج منه بعفوية وتلقائية وكأنه تدرب عليها من قبل. كان الجميع يخاف من سلاطة لسانه ويتحاشى أن يكون مادة لتعليقاته كان عيّار من طراز نادر. بالطبع أعداد كبيرة من المريدين والأتباع كانوا يلاحقونه وينقلون تعليقاته، وكان يستمتع في ما يبدو بهذه العلاقة، فهي تشعره بالأهمية. كان يسخر سرعة بديهته وحضوره الحاد لخدمته ولإنقاذه من المآزق التي تحدث من وقت لآخر. فعلى سبيل المثال في إحدى المرات أراد البعض إحراجه في مجلس عام وطلبوا منه التبرع لضحايا زلزال وقع في إحدى الدول وهم يعلمون أن إخراج الريال من أصعب الأمور عليه فتخلص من الموقف بطريقته المعهودة، إذ رد منكراً عليهم التبرع قائلاً هل تظنون أنكم أعرف من الله هو يعاقب وأنتم تتبرعون. بالطبع هذا الرأي ليس صحيحاً وغير منطقي ولا يقره الدين أصلاً ولكنه أراده مخرجاً له من هذه الورطة. فالعيّار كما يبدو مثل الشاعر يجوز له ما لا يجوز لغيره. في مناسبة أخرى ذكر أحد الحاضرين أن فلاناً من الناس يجلب جراداً للسوق هذه الأيام وأنه جمع مالاً وفيراً من ذلك، فما كان من صاحبنا إلا أن نظر إليه باستهزاء وقال هل تصدق أن أحداً يجلب جراداً للسوق يصبح غنياً لا يمكن أن يحدث ذلك، وأضاف أن مهنتين تضمنان للواحد الفقر الدائم وهما بيع الجراد وبيع الحطب، وعلق هل رأيتم بحياتكم شخصاً اغتنى من هذه المهن. فسكت الجميع ليس اقتناعاً ولكن خوفاً منه. ولكن شاباً صغيراً بالسن قليل التجربة رد عليه قائلاً إن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى رجلاً فأساً وأمره أن يحتطب ففتح الله عليه واغتنى. فشعر بعض الحاضرين أن هذا الشاب أحرج صاحبنا العيّار وأفحمه ولبضع لحظات ساد الصمت حيث كان الجميع ينتظر الرد، فما كان من صاحبنا إلا أن نظر إلى الشاب طويلاً ثم ابتسم وهو يقول له الله يصلحك يا وليدي وأنت تبي واحد يعطيه الرسول فأساً ويدعي له ما يتجر. هالحين الواحد لو الله يفكه من عيونكم كان يصير بألف خير. فانفجر الجميع بالضحك فأحس ذلك الشاب أنه ليس نداً له ويجب عليه أن يحذر. في حكاية أخرى كان يحذر الجلساء من أن إعادة تصدير الأغنام قد يؤدي إلى انقراض الأغنام من السوق نهائياً، وكان واضحاً أنه يهول ويبالغ ولكن لا أحد يتجرأ على مغالطته. لسوء حظ أحد الحاضرين أنه رد عليه بأن ذلك غير صحيح وأن الموضوع تهويل، فغضب صاحبنا العيّار مما اعتبره إهانة فرد عليه مقنعاً ومعاقباً قائلاً له اسمع إن ما وقفوا ذولا اللي هجوا بغنمنا السنة الجاية والله ما تلقى إلا حمار تضحي به لأبوك فانجر الجميع بالضحك. من قصصه الكثيرة أيضاً أنه في إحدى المرات كان عائداً بغنم اشتراها وكان نصفها نعيمي والنصف الآخر غنم نجدية، وكان يخشى العين ومهووس بهذا الأمر فكل ما نفقت نعجة أو أصيب خروف اتهم أحداً بأنه"نظلها". المهم أنه عندما انحدر بغنمه من تلة وأخذت الأغنام تتسابق بألوانها المختلفة مرت أمام جماعة يعرفون خوفه من العين والحسد وأراد أحدهم أن يستفزه فقال بصوت عالٍ ناظروا إنذاع تدفق هالخضري مع اليبيس. كان يشبه الغنم النجدية السوداء بالتمر الخضري فيما يصف الغنم النعيمية بالتمر اليبيس لأنها فاتحة اللون، فلما سمعه صاحبنا جن جنونه وبدأ يدعو عليه ويهدده ويطلب منه أن يذكر الله وأن يخاف ربه من إيذاء الخلق. فرد عليه الشخص الذي حاول وصف غنمه بأنه ليس"نظول"ولن يصيبها مكروه. فما كان من صاحبنا إلا أن صرخ به وشلون ما تصير"نظول"وعمك يبيعون بوله بالتولة عند العطارين؟ [email protected]