نسمع كثيراً عن البذخ والتبذير الفاحش المتمثل برمي مئات الأطنان مما تخلف من فضلات طعام العزائم والمطاعم والولائم في دول الخليج العربية عموماً والمملكة خصوصاً، وما تقوم به الجمعيات الخيرية من جهود جبارة لجمع هذه الأطعمة من المطاعم والبيوت والقصور أقصد قصور الأفراح، لتقوم بتوزيعها على مئات الآلاف من المساكين، الذين لا يزال كثير منّا لا يصدق ولا يتخيّل وجودهم في بلدنا، لتسد بها رمقهم وجوعهم وتغنيهم جزئياً عن ذل السؤال. الجديد في الأمر أن بعض فطاحلة الكرم الجاهلي، استحدثوا طريقة جديدة للبذخ والتبذير، فيها من إنكار وجحود نعمة الله الشيء الكثير، وذلك بقيامهم بطبخ حوالى طن من الرز، وسكبه في صحن ضخم مساحته حوالى 25 متراً مربعاً، موضوع فوقه جمل مقطَّع أو عشرة خرفان، يتجمع حوله بين خمسة وعشرة رجال على الأكثر، ويأكلون منه أقل من 1 في المئة من محتواه، ويتركون البقية للقمامة! إن لم يلحق بهم أحد الصالحين وأهل الخير ليعملوا المستحيل لنقل هذه الكميات الضخمة من الطعام، بطريقة تجعلها صالحة للاستخدام البشري للفقراء والمساكين والمحتاجين. هؤلاء الجاهليون المبذرون، لا يعرفون أن الله تعالى وضعهم والشياطين في وضع أخوة وتوافق، عندما قال سبحانه:"إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين"، ولا يعرفون أن الله سبحانه وتعالى لا يضرب بعصا، وأنه سبحانه منتقم عزيز جبار، من كل من عبث في نعمته ولم يشكرها ويعطيها حقها من الثناء عليه سبحانه وحسن التصرف بها. الذين عرفوا من الكرم كبر صحون الرز وكثرة لحومها فقط، ومن ثم التفنن في رمي الأطنان منها في براميل القمامة، هم أبعد ما يكونون عن الكرم! ومن عرفوا من المراجل مرجلة كبر"التبسي"والتبذير وجحد النعمة والبذخ، هم بئس الرجال، وأسأل الله أن يهدي منهم من كان سيهديه في علم الغيب عنده، وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا... آمين، التبسي هو الصحن الكبير الذي يسكب فيه الرز وتوضع فوقه الذبيحة. هناك شريحة من المجتمع، لا تعرف أن أجدادهم بل آباءهم كانوا لا يجدون لقوت يومهم شيئاً يأكلونه، وكان الذي يجد منهم حبيبات تمر قليلة هو رجل حظيظ، ويعيش في خير كثير. وهؤلاء الذين أتحدث عنهم ليسوا في زمن الرسول أو الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين، وليسوا في زمن الدولة الأموية أو العباسية أو العثمانية أو غيرها من دول الماضي، وإنما هي قبل عقود قليلة لا تتعدى الخمسة عقود. هناك شريحة من المجتمع تغفل أن هناك من فقراء العالم الثالث من يأكل الحشرات وأوراق الشجر والنباتات البرية ليسد رمق جوعه، وتغفل أن في داخل المملكة - أكبر مصدِّر للنفط في العالم - أناساً ينتظرون من يطرق أبوابهم في كل ليلة، ليبشرهم ببقايا وجبة عشاء. [email protected]