احترام مشاعر الأطفال وتقدير أحاسيسهم يتطلبان وعياً وصبراً، فمن المآسي التي يعيشها الطفل في أسرته أن يرى أمام عينيه الخلافات الحادة من ضرب وإهانة، وتجريح بين والديه، هذه اللحظات القاسية التي يمر بها تمزقه أيما تمزيق، فيقع فريسة في أنياب العقد النفسية, ويتباين التعبير من طفل لآخر لمواجهة أزمة كهذه لا يستوعبها عقله، فمنهم من يبكي، ومنهم من يصاب بالجمود الحركي، وعلى المدى البعيد تتكون شخصيته العدوانية أو الانطوائية المريضة. قد تكون هذه المعلومات غير جديدة على القارئ, لكن المهم هنا هو: كيف نصنع جيلاً من الأمهات والآباء يرقى بتفكيره، ويشعر بما يعانيه الطفل من لحظات إحباط مؤلمة، بعد الضرب والإهانة، وكيف لنا أن نعلمه أن يتجنب أخطاء غيره من الأجيال القديمة التي لم تتح لها فرصة الثورة الثقافية على فن التعامل مع الطفل، فربى أطفاله بطريقة عفوية تخللتها بعض الأخطاء. المطلوب من هذا الجيل أن يتعلم الشيء الكثير عن مشاعر الطفل وعواطفه وحاجاته النفسية، فعلى من تقع مسؤولية توعية أمهات وآباء المستقبل لفهم ضرورة تجنيب الطفل مشاهدة المشكلات الزوجية العنيفة؟ لأن هذا الوعي يسهم بالتأكيد في خفض نسبة المعقدين نفسياً في مجتمعنا, كما نأمل ألا يكون تحقير مشاعر الطفل واللامبالاة به بمثابة جينات وراثية تنتقل من جيل لآخر، فيصعب التخلص منها، أو أنها البيئة التي تحاصر أفكارنا فتزج بسلوكياتنا في سجن التربية السلبية, متجاهلين متطلبات العصر في تغيير إطارها. أليس من الأفضل أن تعمل الأم على تجنيب أبنائها ساحة الصراع مع أبيهم؟ أليس من العدل أن يجاهد الأب في احترام الأم أمام أطفاله, على رغم كل خلافاته الزوجية معها؟ هل نحتاج إلى آلاف الكلمات لتوعيتهما بأهمية مراعاة مشاعر الأطفال أثناء نشوب الحرب الكلامية أو الجسدية بينهما؟، أم أن منطق الوعي يغيب عند نوبات الغضب والعصبية فيرتكبان أبشع جريمة في حق أطفالهما، ليبقى أثرها حتى آخر العمر. إن تعاسة أطفالنا تبدأ حينما نصدر مشكلات علاقاتنا المعقدة إلى أرواحهم البريئة. أرجو أن يقرأ الآباء والأمهات كثيراً عن فن التعامل مع الأطفال، وثابروا على أن يعيش أبناؤكم في عالمهم البريء سعداء بكم, فقط بتجنيبهم كل ما قد يؤذي مشاعرهم وأحاسيسهم. عاتكة دهيم أستاذة علم الاجتماع