يعتقد كثير من المديرين أن ما وصلوا إليه كان نتيجة ما يتمتعون به من قدرات إدارية خارقة، وأن الصف الثاني من الموظفين لا يُعتمد عليهم في إدارة أبسط الأمور، ولهذا فهم يعتمدون مبدأ المركزية في الإدارة اعتماداً على"وهم"ألا أحد يستطيع القيام بإنجاز الأعمال وإنهائها، وأن مبدأ المركزية في القرار بما له وما عليه من عيوب ومميزات هو الصحيح، على رغم أنه - في الغالب - يسلب حقوق الكثير من الموظفين، الذين لديهم قدرات إدارية متعددة. دعوني أضرب مثالاً لمدير عام افتراضي لإحدى الإدارات، فمثلاً لدى هذا المدير عشرة فروع في مناطق متعددة، واعتمد مبدأ المركزية في جميع القرارات الصغيرة منها والكبيرة، فإن الحال هنا ستكون كالآتي: تجميد جميع قدرات مديري الفروع، ومن ثم تفرغهم لكتابة الخطابات لأخذ التوجيهات والتعميدات من المدير العام، الذي بدوره لن يستطيع إنهاءها بشكل سريع، وذلك لأن كل فرع سيرفع طلباً مختلفاً عن الآخر، وربما تكون الطلبات في مجملها لا تحتاج لأكثر من إمضاء مسؤول في قسم صغير، فتمر أيام على معاملات بسيطة من دون أن تنجز وأشهر على المعاملات المهمة التي حتماً سيكون مصيرها داخل الأدراج. لا شك في أننا امام هذه الحال، سنجد أن وظيفة المدير العام انتقلت إلى وظيفة سكرتير عام وهو بدوره سينهمك في اعداد خطابات التعريف والتقويم والتعيين والمشتروات وغير ذلك. وعندها سيقتصر دور الكثير من مديري الفروع على التنفيذ فقط من دون وجود فرصة لإبراز ما لديهم من مقترحات أو خطط تطويرية فعالة، ولهذا فإن عليهم أن يكبحوا طموحهم لو وجدوا أنه ما زال حياً يرزق! بقي أن نشير إلى فرق رئيسي واضح بين مديرنا العام في هذه الحال، والمدير العام الآخر الواثق بنفسه وبالآخرين، وهي أن أحدهم يتفرغ للسياسات والخطط الاستراتيجية العامة التي من شأنها زيادة الإنتاج، وبالتالي تحفيز العاملين وزيادة كفاءتهم والعمل على خلق جيل آخر من المديرين والقيادات لكي تأخذ فرصتها في إثبات الوجود. وأما الجانب الآخر من المديرين فسيكون اهتمامهم منصباً حول كيفية سلب نجاحات الآخرين، من مديري الفروع وقمع طموحاتهم، وكذلك الاستعانة ببعض ضعاف النفوس من العاملين في نقل أخبار الفروع التي تشكل هاجساً كبيراً عند أولئك الذين يشكون في أنفسهم، ما يولد لديهم ما يسمى ب?"الوسواس القهري"! ماذا يقول عن الموظفين؟ هل قال مدير الفرع إنني سيئ؟ هل يتحدثون عني بسوء؟ وهكذا تبقى دوامة غريبة بينما قطار المصالح العامة قد صدأ من طول توقف بسبب مركزية! حسين بن حميد بن حامد الثقفي باحث نفسي