بدأ أمس المهرجان الوطني للتراث والثقافة ال 22 في الرياض. لقد مضى من العمر 22 عاماً على هذا المهرجان، منذ أن كان مهرجاناً للهجن وتحول للتراث، ثم للثقافة والمسرح والفنون التشكيلية، وفي كل عام تكبر طموحات المثقفين ليكون المهرجان في مستوى الطموحات، ويواكب النهضة الثقافية للمملكة، ندوات ثقافية كبرى لا يحضرها سوى الضيوف الرسميون للمهرجان، وكما يبدو أن هذه الندوات هدفها الرئيسي هو تنمية المجتمع السعودي، وانصهاره في الثقافة العالمية، وكذلك المسرح الذي نقل عروضهم إلى خارج مدينة الرياض بعيداً عن الحضور الجماهيري، ليبقى الحضور فقط للفرق المسرحية المشاركة، ولم يجد الفرصة لحضور فعاليات المسرح، كما لم تكن هناك فرصة متاحة لحضور المسرحيين لفعاليات المهرجان. والبعض لم يعرف حتى مكان المهرجان، وهنا نتساءل، كيف يكون للمسرح السعودي قبول وهو بمعزل عن الناس؟ كيف يكون المهرجان الوطني للثقافة برعاية خادم الحرمين الشريفين الذي بارك للثقافة والفنون هذا الحضور، والتفكير ما زال بمستوى لا يرتقي لطموحات المثقفين والفنانين؟ أما الفنون التشكيلية فهي أكثر حظاً نسبياً في الحضور، فهي في قلب المهرجان، لكنها لا تحظى بحضور الفنانين، خصوصاً فناني مدينة الرياض العاصمة، وكذلك فناني مناطق المملكة الذين يتمنون الحضور، لكن إدارة المهرجان لم تفكر حتى الآن بمدى أهمية الحضور بالنسبة إلى الفنانين التشكيليين، وهذا يرجع لأمور عدة، أهمها: أن المشاركين لا يحظون بأي احترام من المهرجان، فلا توجد أية ضمانات لسلامة الأعمال الفنية، ولا يوجد أية برامج لاستضافتهم، كما لا يوجد إصدار يحفظ مشاركتهم، وهذه أهم أسباب عدم مشاركة الفنانين المعروفين في المملكة، وتكتفي لجنة الفنون بدعوة الجمعيات لإرسال اللوحات على حسابهم الخاص، علماً بأن إدارة المهرجان تصرف الملايين على البرامج المصاحبة، ولا أعتقد أنها عاجزة عن دفع قيمة شحن اللوحات من مناطق المملكة إلى الرياض، ومن ثم إعادتها سالمة للفنانين، والتشديد على سالمة لأن معظم الفنانين عازفون عن المشاركة لعدم استرجاع أعمالهم بحالة سليمة، وهذا مهم جداً لضمان مشاركة الفنانين. والمهم في مشاركة الفنون أن تكون مواكبة للتطور الفني، واندماج الفنون تحت سقف واحد، والمساواة في أحقية الحضور، الشعر والقصة والمسرح والفنون التشكيلية والتصوير الضوئي، لنتصور أن يكون في مركز ثقافي وسط ساحة المهرجان، ويكون هذا المركز تحت مسمى المركز الثقافي في الجنادرية، وتحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام ، واحتضنت كل الفنون تحت سقف واحد، قاعة للفنون، وقاعة للعروض المسرحية والمنبرية للأماسي الشعرية والقصصية والأدبية والفكرية، واجتمعت أطياف الثقافة والفنون في المهرجان، لوجدنا أن المهرجان ينتظره الجميع بفارغ الصبر. من هم زوار المهرجان؟ زوار المهرجان هم الشريحة التي يفترض أن تعمل إدارة المهرجان على تنميتها ثقافياً وسلوكياً وحضارياً، ولكن للأسف تحولت ساحة المهرجان إلى حراج لبيع التسجيلات والمأكولات... والعصي، ومن النادر أن تجد شخصاً لا يحمل عصا داخل المهرجان. وفي قاعة الفنون التشكيلية كنا نعاني كثيراً من هذه العصي، لأن معظم الجمهور يؤشر على اللوحات بالعصا، وقد يخترقها من شدة العنف الذي يتعامل به في كثير من الأحيان. تصوروا معي أن هذا الجمهور تعود منذ ذلك الحين على دخول المسرح في المهرجان، وتعود على النظام المتبع في قاعات العرض، وتعود على دخول قاعات المحاضرات، وشاهد واستمع إلى الحوارات الجادة في أروقة المحاضرات الثقافية، وتعود على رؤية المعارض الفنية، وبدأ يتعرف بشكل جيد على المدارس الفنية التي يتناولها الفنانون السعوديون، وسأل عن مفهوم اللوحة، ولقي من يجيبه على تساؤلاته، وشاهد الحرفيين، وعرف أصل كل حرفة، وما هي أدواتها؟ وكيف حافظ الحرفيون عليها؟ وامتهنها جيلاً بعد جيل، وحضر العروض الفلكلورية الشعبية، وتفاعل معها، وتعرف على الأكلات الشعبية لكل منطقة من مناطق المملكة، ومنعت إدارة المهرجان بيع المنتجات المستوردة، ومنعت بيع العصي على بوابات المهرجان، ومنعت بيع الأشرطة على ممرات المهرجان، وعملت على إقامة جميع الفعاليات داخل المهرجان، لاستطاعت فعلاً أن تغير الكثير من المفاهيم لدى المجتمع السعودي، وكذلك أن تبني مجتمعاً واعياً لمفاهيم الحضارة. قد تكون الطموحات كبيرة، وقد تكون الأماني أكبر، وقد تتحقق بعض الأماني والبعض يذوب مع ذوبان الجليد. فنان تشكيلي