على وقع إيقاعات أنغام «العرضة» و»الليوة» و»الفريسة» و»الرازف» طوت أرامكو السعودية ما تبقى من صحائف إبداعاتها الفكرية والثقافية والتعليمية في مهرجان كان هو الأميز طيلة فترة صيف 2011. ربوة الظهران كانت هي المقر النهائي لمسك الختام للمهرجان، فبعد أن انتظم العقد الفريد من برنامج أرامكو الثقافي الذي بدأ فعالياته في الخامس من شعبان وحتى آخر ساعة من يوم التاسع من شهر شوال الجاري متنقلا بين مدن المملكة ومحافظاتها، فمن نقطة الانطلاق مدينة الظهران عنوان الحضارة ومؤول الإبداع، ومرورًا بعاصمة العطاء الرياض، ومنعطفًا نحو الجنوب حيث أبها ونجران، واتجاهًا نحو الغد المشرق لؤلؤة البحر جدة ومدينة المصطفى خير البرية كان موعدها أيضًا مع الإبداع. 500 ألف زائر كانت الظهران تحتضنهم طيلة أيام المهرجان جذبتهم ببرامجها وشوّقتهم إلى فعالياتها المتنوعة من ثقافية وتراثية وتعليمية ورياضية، حيث جاء البرنامج غنيًا بفعالياته التي وُضعت من قبل القائمين عليها، ملبية لاهتمامات كافة أفراد العائلة، وغيرها من الفعاليات التي تناسب الاهتمامات المختلفة، قُدم لهم العديد من الخيارات والمفاجآت، وذلك لما يحويه من تفاصيل نالت إعجاب الجميع. البرنامج خلال فترة العيد تضمن فعالية الفنون المسرحية والتي شملت عرضين مسرحيين مقدمين من فرعي جمعية الثقافة والفنون في الأحساء والدمام، وهما «للأقنعة أسطورة» و»مريم وتعود الحكاية»، بالإضافة إلى الفنون الصينية الاستعراضية التي قدمت أشكالًا متعددة من الفنون الضاربة في القدم وفيها أنواع فنية واستعراضية تعتمد على الإبهار والقدرات الذهنية والجسدية العالية، وكذلك لفلكلور الشعبي من خلال التعبير عن أصالة وتاريخ المجتمع وتراثه، بالإضافة إلى الفنون التشكيلية والإسلامية من خلال فن المنمنمات التي أخذت الزائرين في جولة بين أكثر من 300 عمل فني لقرابة 120 فنانًا سعوديًا متنوعة المدارس والاتجاهات الفنية، وأيضًا فعالية القرية التراثية حيث تمكّن الزائرون من الاطلاع على عدة حِرف تقليدية بشكل أدق ومعرفة تفاصيلها، وأما فعالية واحة الأطفال كان هدفها تعزيز مفهوم التعليم بالترفيه، بينما فعالية مسرح الأطفال كانت حاضرة بشخصياتها الكرتونية واستعراضاتها الكرنفالية وغيرها الكثير. والجدير بالذكر أن برنامج أرامكو الثقافي امتد طيلة أيام قاربت 49 يومًا، حيث وجد النجاح الباهر وغير المسبوق. جدّد مهرجان عيد أرامكو صورة الماضي بمصنوعات أثرية وقديمة تعود لحقب تاريخية متعددة، حيث نجحت في تكوين صورة لهذا الماضي على الواقع المعاش، وذلك من خلال استقطاب هذه الحِرف والمصنوعات التي لاقت إقبالًا كبيرًا ومنقطع النظير، فالزائر لمهرجان عيد أرامكو وجد بغيته من هذا التاريخ الطويل تحت خيمة تراثية بداخلها كل نادر وجميل من روح الماضي وأصالته. وفي إطار الرعاية المؤسسية للعديد من مجالات الفن أقام برنامج عيد أرامكو ورشة عمل للفن التفاعلي «البيرفورمانس- Performance art» وهو فن التشكيل بالأداء الحركي، بمعرض «لوحة وفنان»، وهو واحد من مجالات الفن التشكيلي الحديث التي فرضت وجودًا في الحركة التشكيلية العالمية، وقال الفنان أحمد إمام (قوميسير الورشة): فكرة مشروع الورشة تهدف إلى ترسيخ المفاهيم حول هذا النوع من الفنون والوصول إلى نتائج مثمرة من خلاله، إضافة إلى إكساب الحركة التشكيلية السعودية جيل من الشباب المتمرس والمحترف لهذا الفن. وتضيف أمل المريخي (المشرف العام على المعرض): هذا التفاعل المتجدد مع الجمهور يغذي المخيلة ويفتح للفنان آفاقًا جديدة، لكنه لا ينسى أن يمتعه ويبعث البهجة في قلبه التي يراها من خلال نظرات الجمهور. وقال صالح النقيدان من فناني عنيزة وأحد المشاركين في الورشة الفنية: ما يميّز المعرض ويسعد كل فنان هو التنظيم والإخراج ووضع الأعمال ومساحتها في ترتيبها مما يريح تقبّل العمل الفني من قبل الجمهور. كما استمتع الجمهور الكبير الذي حضر فعاليات فرقة الفنون الصينية ضمن مهرجان عيد أرامكو بمشاهدة أشكال متعددة من الفنون الصينية، حيث قدمت فرقة الفنون الصينية العالمية المعروفة بأبطال الكنغ فو استعراضات من مختلف أنحاء العالم، وقد تفاعل الجمهور مع الفنون الصينية وفقراتها المتنوعة من أساليب الحماية عن النفس وفي صياغة فنية يمزج محاربو «الشاولن» عناصر الحياة لابتكار أساليب خيالية لتحميهم من هجمات أعداء محتملين، وتم عرض تقليد صيني قديم يوضح تمارين التنفس للاستعداد للقتال ويُدعى «باد وان جن»، كما تم عرض ما قُدم في الزمن القديم حينما كان خبراء ومعلمو الكنغ فو يحاكون سلوك قتال الحيوانات ويقلدون طريقتها المتوحشة وتم عرض أساليب قتالية، وأيضًا استعرضت الفرقة فن ال «قيقونغ» وهو واحد من أكثر الاستعراضات غموضًا وعمقًا من بين الفنون الصينية.وضمن فعاليات مهرجان عيد أرامكو السعودية الثقافي بالدمام، سلط معرض «لوحة وفنان»، الضوء على فن المنمنمات بمشاركة نخبة من أبرز الفنانين العرب في المنمنمات والزخرفة والإبرو. وأوضح الفنان عبدالعظيم الضامن أن فن المنمنمات لم يكن قاصرًا على رسم الهوامش وتزويق الكتب التراثية القّيمة فحسب بل كان يرتقي بمفهوم اختزال الفن الإسلامي ويتمرد على الفن الغربي. المعرض احتوى على: الفنون التشكيلية، والفنون الإسلامية كفن الزخرفة والمنمنمات، ومنحوتات مختلفة الأحجام والأحجار. الفنان سعد العبيد اعتبر هذا المعرض هدية قيّمة من أرامكو إلى المجتمع وما شوهد فيه من تجاوب ملفت من الفنانين من جميع المناطق والمحافظات. وقال الفنان التشكيلي عبدالله العدل من بريدة: إن ما احتضنه المعرض من أعمال وخبرات فنية يعبّر عن الانتماء والإحساس الفني داخل كل فنان تشكيلي.وضمن فعاليات المهرجان قدمت جمعية الفنون بالدمام مسرحية «مريم وتعود الحكاية» وهي المسرحية المقدمة في دراما تراثية تتناول المرحلة التاريخية التي انكسرت فيها تجارة اللؤلؤ في قالب فني حديث ومبتكر، والمسرحية تأليف ياسر الحسن، وإخراج عقيل الخميس.