سعدت بنشر صحيفة"الحياة"الغراء مقال الشيخ عبدالله المنيع يوم الاثنين 3-1-1428ه، في العدد 15998، فشكراً لإدارة تحرير"الحياة". وكان الشيخ المنيع أوضح في حينه، أن مشكلة دخول شهر رمضان هي في قبول"شهادة لم تنفك عمَّا يكذبها من حيث الحس والواقع"، والدراسة التالية تؤيد علمياً مقولة الشيخ. وتهدف الدراسة إلى إظهار ما إذا كان يوم الإعلان الرسمي لدخول شهر رمضان، يوافق الشروط التي وضعها علماء الفلك والشريعة المسلمون في مؤتمر تحديد أوائل الشهور القمرية، الذي انعقد في اسطنبول - تركيا في الفترة 26-29 من ذي الحجة 1398ه 27-30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1978، وذلك عبر إظهار حيثيات علمية فلكية لليلة التي سبقت دخول الشهر، وذلك لموقع مكةالمكرمة. فترة الدراسة هي 46 شهرًا رمضانًيا كما أُعلن رسمياً من 1 رمضان 1380ه 16 شباط/ فبراير 1961 إلى 1 رمضان 1425ه 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2004. يبدأ الشهر العربي القمري التقويم الهجري بحدوث الاقتران في اليوم السابق لبدء الشهر، ثم غروب الشمس، ثم غروب الهلال، مع زاوية ارتفاع القمر عن الأفق تساوي على الأقل خمس درجات، وزاوية انفصال القمر عن الشمس تساوي على الأقل سبع درجات. علمًا أن إحداثيات مكةالمكرمة المستخدمة هي: خط الطول 39 درجة و36 دقيقة قوسية و41 ثانية قوسية شرقاً، وخط العرض 21 درجة و21 دقيقة قوسية وصفر ثانية قوسية شمالاً، و300 متر ارتفاعاً عن سطح الأرض. لدينا الآن الدليل العلمي الذي يُظهر بوضوح أن طريقة تطبيق الرؤية المتبعة ل46 سنة فائتة كانت طريقة تتعارض تمامًا مع المنهج العلمي لعلم الفلك الحديث، وليس لها سند مادي. فأيما فرد أو أفراد يدعون أنهم رأوا الهلال، في الوقت الذي يكون فيه الهلال تحت الأفق، فهم شهود المستحيل. وحينما تكون نسبة الخطأ في ادعاء الرؤية لهلال رمضان 72 في المئة ولهلال شوال 82 في المئة وهذا فقط لكون الهلال تحت الأفق، فإن الطريقة المتبعة مهما كانت لا يعتمد عليها، ويجب إعادة النظر فيها، وحتى استبدالها بما يتفق مع ما خلق الله. إن المسألة ليست إما الرؤية أو الحساب: فالرؤية فهم لشرع الله والحساب فهم لخلق الله، ولا يتم الوصول إلى معرفة مراد الله بفهم أحدهما وإقصاء الآخر. إن تشريع الرؤية وسيلة وليس عبادة، ولا حتى جزءًا من العبادة، وبالتالي فإن المفاضلة بين الرؤية والحساب العلمي ليست صحيحة، وليس عليها إجماع شرعي. إن الحق هو معرفة دخول وقت العبادة في وقتها الصحيح. وطريقة تطبيق الرؤية وآلياتها في وضعها الحالي وليست الرؤية في حد ذاتها هي طريقة بدائية، لأنها لم تراع الحقائق العلمية على الإطلاق، ولأنها اعتراها الوهم أحياناً لإثبات صحة توجّه معين. إن سمعة الإسلام كدين حضاري اختاره الحكيم العليم لكل البشرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، في خطر، ولحقها ضرر لا يمكن تبريره. فأول ضحايا هذه الانتقائية والتفسير الظاهري والأحادي لنصوص شرعية هو الإسلام ذاته، وتراثه، ليس فقط بين غير المسلمين، بل حتى بين أهله. لننظر على سبيل المثال إلى التوقيت الإسلامي الذي اندثر، وإلى التقويم الإسلامي الذي يحُتضر، فيومنا يبدأ عند منتصف الليل، ومعاملاتنا الدنيوية وعباداتنا الدينية تُؤرَّخ بالتقويم الميلادي. إن توافر وسائل التقنية الفلكية بين أيدينا ثم إعراضنا عنها له دلالات لا ينبغي تجاهلها. * باحث في علوم الفلك.