أحلى ما في الدنيا ألا تكون شاباً في هذا الزمن وفي هذا البلد. إن الدنيا تفتح أياديها للشباب ويتوقف مصير كل أمة على شبابها ونحن نرفسهم. إن الدنيا تحتاج إلى الشباب وما الدنيا بأجمعها من الشباب بيوم واحد"بدل"، ونحن نركلهم ونستفزهم ونجننهم ونطلع العفريت من قمقمه، وفي النهاية نحولهم إلى وحوش ضارية. من يصدق هذه الجرائم التي تحصل اليوم؟ وبسببنا لا بسببهم، لأن التربية الحسنة خير وقاية من شرور طيش الشباب، وما من هدية نقدمها لوطننا أفضل من تربية شبابنا. نحن ماذا نفعل؟ نحن نجعلهم أكثر هيجاناً وسخطاً وآسفة لأن أقول"سعراً"، فمن يصدق مثلاً أننا نطرد شبابنا من الأسواق؟ وعلى حد علمي أن الأسواق والمقاهي وعلى مر العصور والأزمنة والأمكنة كافة، كانت لكل الناس من دون تمييز بين رجل وامرأة، بين شيب وشباب، بل لعلها وجدت من أجل الشباب. ما الذي حصل؟ وما الذي جعل الشاب يلجأ إلى ألف حيلة وحيلة ليدخل إلى سوق ما وكأنه لص أو مختلس أو بالبلدي"عِرّة". إن لم يدخل الشاب إلى السوق فكيف سيتعلم البيع والشراء ومخالطة الناس وكيفية التعامل مع البشر؟ إذاً علينا إعادة النظر في ما نفعله بهم، فنحن نريد شباباً منخرطاً في مجتمعه لا معزولاً عنه متسكعاً على أرصفة الطرقات، فإذا ما وقف الشاب أمام سوق رأيته محتاراً مرتاباً كأنه مشبوه أو معتوه أو به مرض ما، غاضب مكسور ثور هائج. نحن من هيجناه، فلا أحد يحب شعور الطرد ولا الفصل، خصوصاً الشباب المعتز بذاته، فلماذا لا نمسك بيده ونعلمه آداب السوق واحترام الكبير والانحناء للمسن وغض النظر، وأن يحمي بنات وطنه وكأنهن أخواته لا فرائس ينقض عليها أو عدوة يقضي عليها. إن الأدوار ليست موزعة بشكل نظامي، والتربية هي الطاقة الأقوى لصقل الأمور الاجتماعية وتنظيمها، فدع، دع كل فرد يأخذ حصته، أو لا تدع، لأنك ستفاجأ بأن الحصة الكبرى هي للشباب. هذا وطن فتي، تشير إحصاءاته إلى أن الشباب هم الأكثرية، أو ليس إذاً من المصلحة العامة أن أفسح له المجال للمشاركة في كل المرافق، لا أن أعزله بل أن أدربه وأعلمه وأدع الأمور تسير بانسيابية حتى لو لزم الأمر أن أؤدب من خالف الأدب كفرد وباللين وبالرفق والنصيحة، لا أن أفرض عقاباً اجتماعياً جماعياً قاسياً على الشباب كلهم. كأننا صرنا نكافح الشباب لا نكافح الإرهاب والمخدرات وأصحاب السوء. فعلاً واجب علينا كلنا إعادة النظر، فلقد تغيرت المفاهيم والأفكار والقدرة الاقتصادية، فأنت لا تستطيع تزويج ابنك إلا بعد حصوله على شهادة جامعية أو وظيفة أو انخراطه في عمل ما. يعني تأخر سن الزواج حتى الرابعة والعشرين، أي من سن البلوغ إلى تلك السن، عشر سنوات هو مطرود. فلماذا لا نتبنى مقولة"إذ كبر ابنك خاويه"، وهؤلاء أولادنا، لنعلمهم وندربهم ونحاورهم. ترفضون، تريدون الحوار تحت الأضواء وفي أروقة القاعات والحوار هو في الأسواق، وتريدون التدريب من المؤسسات والمراكز وهي قبل وبعد تدريب مع الناس. تريدون مخالفة الطبيعة وهي ستأخذ مجراها حتى لو لم نوافق. الأمر الطبيعي أن يكون لنا شباب يدخل الكلية ويدخل حتى السوق، سوق العمل اسمها سوق، فكيف يعمل في السوق من لم يدخلها؟ وكأنك بذلك تدمره وتستبق أفعاله وتحكم عليه لتحوله إلى أحاسيس سالبة وإلى كائن عدواني ليس في استطاعته مخالطة بشر إلا باحتكاك أو حدوث شرخ أو وقوع ضحايا. اسمح له بالدخول ودربه ليتعود ويرى ويسمع ويختلط بالبشر، فبالفطرة الأخلاقية سيميز ويدرس تصرفاته ويتصرف بمسؤولية، وحينها نكون قد ربّينا. هناك فرق كبير بين التربية والترويض. علمه كيف يدخل السوق لا كيف يدخل الحائط. خلف الزاوية لم أخرج من تيه إلا لأدخل في تيه وحين عثر الحب عليّ وجدت نفسي [email protected]