وقعت بين يدي دراسة تضمنت عشر مشكلات سلوكية لطلاب خمس إدارات تعليمية، تضم جدة والرياض والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية وعسير، وابتدأت هذه المشكلات السلوكية بالتدخين، والكتابة على الجدران، وقصات الشعر، مروراً بالسلوك العدواني، والتأخر الدراسي، والكذب والسرقة، وانتهاء بالتأخر الصباحي وإهمال الواجبات والغياب، وهي المشكلات الأبرز لطلابنا في المرحلتين المتوسطة والثانوية. لن أدخل في حسابات بالغة التعقيد لأرقام كلها بلا شك تنقل صورة من الواقع التعليمي الاجتماعي الذي نعايشه بشكل مباشر عبر انتماء أبنائنا للمؤسسات التعليمية، أو بشكل غير مباشر عبر انتظار المخرجات المقبلة لمسيرة مراحل التعليم، ولن أدخل أيضاً في مسألة تفاصيل هذه الدراسة، لكنها أجريت على أكثر من 180 ألف طالب يمثلون الإدارات التعليمية الخمس الأنفة الذكر... ثمة إجراءات صارمة لوقف كل شيء يتجاوز الحد المألوف على الإطارين الإنساني والاجتماعي ولكنها - للأسف صارمة حتى الآن - على الورق، فهل من المعقول ان تتساوى المكتسبات الحقيقية للأبناء المنتمين لمدرسة مع أولئك الذين لم يلتحقوا بها؟ وهل من المعقول أن أجد أبني الذي أمضيت أعواماً طويلة في تربيته ليكون إنساناً مثالياً، ليعود إنساناً آخر يمارس كثيراً من الأخطاء والسلوكيات المنافية للقيم التي أردته أن ينشأ عليها؟ أكثر ما أخشاه ان تكون كل تلك السلوكيات قد تم اكتسابها في خيمة التعليم، اعني أن يغادر الابن منزله وهو مهيأ لاستقبال كل ما هو مفيد، فيفاجأ بأشياء جديدة يندمج فيها بحكم عاملي السن وضعف الرقيب وهنا مكمن الألم ومصدر الخوف، فالإجراءات الصارمة لا بد من ان تمسك بكل مخالف، وتوقف كل مخالفة على أقل تقدير داخل المدرسة. واذكر هنا حين كنت على مقاعد الدراسة، كيف كنا نستعد ? احتراماً وهيبة - لتفتيش مدرسي إجباري صبيحة كل يوم سبت، ويشمل ذلك الاستعداد، قصة الشعر، الحضور، النظافة، وكان المخالفون في طوابير الصباح المنتظمة والدائمة وهم قلة لا تتجاوز أعدادهم أصابع اليدين، واليوم أصبح التدخين، التأخير عن الطابور الصباحي وعن بدء الدراسة، الكتابة على الجدران، السلوك العدواني، والكذب، والسرقة، وإهمال الواجبات والغياب من السلوكيات المعتادة، أي أن غالبية الطلبة أصبحوا مستأثرين بالمشكلات السلوكية! وهنا أستعيد تجربة مررت بها، ولكنها توقفت عند زمن ماض ولا أرى عيباً في ان تعاد بنفس الكيفية والتوقيت ولنعدها - مجرد تجربة - وما أكثر تجاربنا، وهى لا تعني أن نتغاضى عن كل المساحات الايجابية داخل النطاق التعليمي، لأن هناك أخطاء كبيرة وتعامياً غريباً عن العديد مما يحدث في مدارسنا، وكأن هذا الأمر لا يعنينا، فمؤسساتنا التعليمية لابد من ان تضطلع بوظيفتها الحقيقية وهي التربية قبل التعليم، لكي تستطيع كبح جماح الانفلات السلوكي، ووأد أية بادرة للامبالاة والإهمال، ندرك أن الأمر ليس مكلفاً إذ لا يعدو وضع خطوط حمر لا يملك أي أحد القدرة على أن يتجاوز أي خط من تلك الخطوط، وإن هو تجرأ على ذلك فانه قد ارتكب مخالفة لا تغتفر. وربما يخرج من يقول ان مدارسنا غير قادرة على ان تترصد همسات طلابها، أو متابعة حركاتهم لتراقب كل شيء، وهنا أقول إننا لا نتحدث عن أمور صغيرة، بل عن كل المخالفات التي ذكرتها آنفاً، لأنها مداخل لكثير من قضايانا الاجتماعية التي نعاني منها الأمرين ولم أسمع من قبل من قام برصدها وعمل على فحصها حتى يتضح الجانب الموجع الخفي، ومن ثم نعمل جاهدين للخروج بخطوط أمان لمستقبل الجيل الحالي والأجيال المقبلة. [email protected]