عزا الأستاذ الدكتور صالح الرميح، أستاذ الدراسات الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، ظاهرة سلوك العنف لدى الشباب إلى التحديث الصناعي سواء في البلدان الصناعية أو في دول العالم الثالث؛ حيث بدأت هجرة الشباب من الريف إلى المراكز الحضرية بحثا عن العمل وإرسال بعض الأسر أبناءها للمدارس والجامعات في المدن والمراكز الحضرية الكبيرة. وأشار إلى أن هجرة هؤلاء الشباب تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في تلك المجتمعات. لافتا إلى أن المراكز الحضرية ينقصها التجانس والإحساس بتماسك الجماعة، ووصف بعض أفراد تلك المراكز بالعزلة وعدم الانتماء؛ ما قد يؤدي إلى ظهور أعمال الشغب وسط الشباب والمراهقين والعاطلين عن العمل. جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها بكلية الآداب بجامعة الملك سعود صباح أمس ضمن ندوة عن سلوك الشغب لدى الشباب السعودي بعنوان (العنف وسلوك الشغب عند الشباب)، التي نظمتها الكلية وشارك فيها الزميل خالد بن محمد دراج رئيس تحرير صحيفة “شمس” والدكتور عبدالعزيز بن عطية الزهراني المشرف على برنامج (تواصل) الثقافي في الكلية بقسم الإعلام، الذي أدار الندوة، إلى جانب حضور عدد من أساتذة وطلاب الجامعة، حيث تم التطرق إلى سلوك الشغب لدى الشباب وأسبابه وبيئته وتأثير وسائل الإعلام والظروف الاقتصادية والاجتماعية، ومقارنته بما يقابله من شباب العالم. وأكد أن للسلوك العدواني لدى الشباب أشكالا متعددة، منها “العنف الجسماني” بأشكاله سواء العنف الجسماني ضد الآخرين أو الجسماني ضد الأشياء بتكسيرها أو إحراقها أو إتلافها، وكذلك العنف الجسماني ضد النفس بتشويهها وإيذائها، بينما الشكل الثاني من أشكال العنف هو “العدوان اللفظي” من خلال سب وشتم الآخرين وقذفهم بألفاظ تؤلمهم نفسيا. غياب التوجيه السليم وتطرق الرميح إلى أحدث عوامل التغيير والتحديث بعد ظهور النفط؛ حيث اكتشف أن هنالك تأثيرات مختلفة على ثقافة المجتمع العربي السعودي بدأت بدخول بعض القيم الحديثة واختفاء بعض القيم القديمة مثل قيم الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية وسط الشباب، كما برزت القيم المادية والفردية وقيم التفاخر المظهري والاستهلاك البذخي، وأصبح بعضهم يهدد الاستقرار الاجتماعي في غياب التوجيه السليم من الأسرة والمؤسسات التربوية والتعليمية ووسائل الإعلام وتراجع القدوة في الكلمة والتصرف والسلوك واهتزاز القيم وتراجع دور الأسرة والمؤسسات التربوية في مجالات التربية والتنشئة الاجتماعية، وحلت محل تلك القيم الفاضلة أخرى جديدة لدى بعض الشباب والمراهقين كالتفحيط والتسكع على الأرصفة والطرقات ومعاكسة الفتيات في الأسواق والأماكن التجارية واللجوء إلى السلوك التخريبي، وغيرها من القيم التي أثرت سلبا على أخلاقيات الشباب. أربع جرائم واستطرد الرميح في تشريح السلوك العدواني وتوصيف متغيراته بقوله: “يعتبر السلوك العدواني من أكثر المشكلات السلوكية شيوعا بين الأطفال والمراهقين؛ فقد أشارت الكثير من الدراسات والبحوث إلى زيادة انتشار السلوك العدواني لدى تلاميذ المدارس مقارنة بالمشكلات السلوكية الأخرى مثل الغيرة والكذب والعناد والهروب من المدرسة والإهمال والسرقة والتدخين”، فيما أظهرت الدراسة المسحية التي أجراها على بعض مدارس منطقة الرياض أن السلوك العدواني حصل على أكثر المشاكل تكرارا بين طلاب المدارس من دون المشاكل الأخرى، وهي: التسرب والغياب والتدخين والكذب والغش في الامتحان والسرقة والانطواء والكتابة على الجدران والتعصب للقبيلة أو البلد. كما أشار إلى دراسة مسحية أخرى إلى أن الحوادث الجنائية التي ارتكبها الشباب السعودي في الفئة العمرية (15-18) تضاعفت خلال الفترة 1419ه - 1423ه، كما توصلت إلى أن أكثر أنواع الجرائم شيوعا وسط الشباب هو جرائم الاعتداء والمضاربة (30.8 في المئة) وجرائم السرقة (24.9 في المئة) والحوادث الأخلاقية (16.9 في المئة) ثم جرائم المخدرات (10.3 في المئة)، وتمثل هذه الجرائم الأربع نحو 84 في المئة من مجموع الحوادث التي ارتكبها الشباب السعودي خلال الفترة 1419ه - 1423ه. ثم ألقى الزميل خالد دراج رئيس التحرير محاضرة عن موقف الإعلام بكافة قنواته من قضايا الشباب، ولا سيما تلك المتعلقة بالشغب، مسلطا الضوء على كيفية تعاطي الإعلام السعودي، خصوصا الصحافة المقروءة لقضية شغب الشباب في كورنيش الخُبر، وكذلك ما حدث في الرياضوجدة قبل عامين.. وكانت جميع هذه الأحداث تتم في مناسبات اليوم الوطني.. حيث اعتبر الزميل الإعلام شريكا بنسب متفاوتة في حقن الشباب وإثارة الجانب العدواني في سلوكهم، من خلال سوء العرض المهني لمثل هذه الأوضاع.. إضافة إلى ما اعتبره تقصيرا من الجهات الحكومية والأهلية في خلق بيئة طاردة للعنف عبر توفير مساحات جغرافية للترفيه.. ومساحات فكرية للتنفيس عما بداخلهم من عوامل إحباط وهزيمة تنطلق من المنزل الذي أصبح يشهد إقصاء تبادلي بين أفراد الأسرة لدرجة ظهرت معها جرائم “مزلزلة” من جانب الأبناء تجاه آبائهم.. ومن الآباء تجاه أبنائهم.. ثم تمتد مساحات الإحباط في المدرسة والجامعة لأوضاعها المتراوحة بين المقبول والسيئ على مستوى البنية التحتية، أو المعلمين والأساتذة الذين تخلوا بنسبة عالية عن الدور التربوي وتحولوا إلى ملقنين فقط.. ثم يصطدم الشباب بمستقبل غامض أصبحت فيه الوظيفة معركة مع المجتمع ومع القطاعين الحكومي والخاص.. فيشهد الشارع كل نتائج ذلك الشحن.. وامتدت محاضرة رئيس التحرير إلى أوجه العلاج المتاحة.. دون أن يتجاوز عن الإشارة إلى أن الشباب السعودي لا يزال بخير كبير، قياسا بما نشهده في العالم القريب والبعيد.. مستعرضا تجربته الإعلامية في التعايش مع قضايا الشباب من جانب إعلامي بحت.. ثم فتح الدكتور عبدالعزيز الزهراني الحوار المفتوح الذي شارك فيه عدد من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وعدد من طلاب الإعلام بالجامعة وسط حضور كبير.