وصلتني رسالة نصية من جوال مراهق شاب في عمر الزهور، لي به صلة قرابة، يقول نص رسالته:"هذا جوال ابنكم فلان بن فلان، نرجو الدعاء له بالرحمة، لقد أعطاكم هذا المساء عمره"!!! واتضح من صيغة الرسالة، أن أحداً ما شهد وفاة هذا الشاب في حادثة ما، وأراد أن يبلغ ذويه بهذه الرسالة، جاهلاً أو متجاهلاً مدى قسوتها وخطورتها على من يقرأها من ذويه. رسالة صاعقة، شلّت تفكيري، وجعلتني أرمي ما في يدي من أعمال مهمة وتافهة! وأركض مثل المجنون...، في كل الاتجاهات! لا أعرف ماذا أريد! وأين أريد؟! فتعوذت من الشيطان الرجيم... وبسملت وحوقلت، وهدأت قليلاً لأعطي نفسي فرصة للتفكير والتركيز...! فمن صعقة الخبر، لم أعط نفسي حتى أن أفكر في مدى صحة هذه الرسالة! حيث إنني لن أراهن على عدم صحتها، إذ إنني لو استهترت بها على أنها مزحة سخيفة، واتضح لاحقاً أنها رسالة صحيحة وخبرها صحيح، فوقتها لن أسامح نفسي لقسوتها وشدة بأسها، خصوصاً أنها رسالة واضحة وذات لغة رسمية لا يشوبها أي وجه للهزل! فتساءلت: هل أُرسلت هذه الرسالة لي وحدي! أم تم إرسالها لغيري ممن وجد اسمه في سجل الهاتف الجوال الخاص بهذا الشاب، بمن فيهم والداه وإخوانه وجدتاه، وغيرهم ممن قد لا يتحملون مثل هذا الخبر المؤلم! بمن أتصل؟ وأين أذهب؟! يا له من ظرف صعب! وبعد دقائق قليلة، اكتشفت أن الرسالة ذاتها وصلت أشخاصاً آخرين غيري من أقارب الشاب الضحية، فقررت أن أتصل برقمه، لعل من أرسل هذه الرسالة من جواله يفيدني بتفاصيل الموضوع بما في ذلك معرفة مكان الجثمان للذهاب والتأكد من الأمر بنفسي قبل أن أسمح لنفسي بتناقله مع الآخرين. اتصلت مرات عدة، من دون أن ألقى أية إجابة، ثم وجدت الخط مشغولاً مرة وانتظاراً مرة أخرى، ما يدل على أن هناك من يتحدث على الطرف الآخر مع متصلين آخرين! فثابرت بالاتصال بكل إصرار، بل أرسلت رسالة مفادها:"أنا فلان، قريب فلان، أرجو الرد عليّ للأهمية"! ولكن لا مجيب! وبعد مكالمات عدة، رد عليّ شخص صوته مطابق لصوت الشاب الراحل رحمه الله! فسألته: من أنت!! فرد: أنا فلان! فقلت: فلان!!!! أنت حي ترزق؟! إذاً ما هذه الرسالة التي وصلتني منك يا ابن الحلال!! فقال ضاحكاً: آسف.. آسف.. فقد أحببت أن أمازحك... أنزل في الرسالة للأسفل وستعرف ما أقصد!!"، وعندما فتحت رسالته مرة أخرى، وجدت أنه بعد أن تركت صفحات فارغة عدة، توهمك بانتهاء الرسالة، وجدت في آخرها، وبعد عبارة"... لقد أعطاكم هذا المساء عمره..."تكملة تقول:"...وروحه... وقلبه... ليهنئكم بقرب عيد الأضحى المبارك"!! واكتشفت لاحقاً أن رسالته السخيفة تلك هزت أبدان والديه.. وكثير من أقاربه، وتسببت لهم في صعقات نفسية أليمة، ما زال بعضهم يعاني منها، بمن فيهم الشاب نفسه.. يا حليله!! أي مزح هو هذا الذي أصبح سمة شباب اليوم!! وأي فراغ هو ذاك الذي أكل الأوقات كما تأكل النار الحطب؟! وأي عبث هو ذاك الذي يهز الأبدان ويتسبب في آلام نفسية طالما تسببت في سكتات قلبية وصدمات نفسية بالغة الخطورة؟! شعوب العالم صغاراً وكباراً يفوزون بجوائز نوبل.. ويتغنون بإنجازاتهم في كل المجالات، ونحن لا يزال طموح شبابنا وبعض شيبنا رسائل جوال دمها أثقل من"الزفت".. أجلكم الله! [email protected]