أكرم ضيفٌ ضيوفه في إحدى المدن بأن أبلغهم بعد نهاية الوليمة أن ما قُدم لهم من لحم لذيذ أقبلوا على التهامه لم يكن سوى لحم حمير.. ولا يحتاج الأمر أن نفكر كيف كانت في اللحظة أحاسيس هؤلاء المستمتعين بالعزيمة بين حالة إعادة ما في بطونهم، وبين إحساس بضرب ذلك الشخص، وتكسير منزله والهجوم عليه. لكن في كل الحالات لجأ هؤلاء المساكين المتضررين دون سبب إلا لأنهم قبلوا الدعوة من شخص أراد ممازحتهم بثقل دم إلى الشرطة التي قبضت عليه، ولا أعرف ماذا حصل له بعد ذلك، وأعتقد أن الجماعة تدخلوا أو أهل الخير وأفرج عنه لأن التهمة في نظر الثقافة السعودية مجرد مزاح لا غير حتى وإن زاد ثقله هذه المرة. ومنذ سنوات انطلق صراخ عال في منزل أحد الجيران وتسابقت النساء للتواصل مع الصراخ، وامتلأ الشارع بالرجال والنساء والسبب أن فلانا ابن هذه الأسرة الشاب مات.. وكالعادة الحضور كان يسأل كيف مات؟ ومتى؟ ومن أبلغ بالخبر؟ وقال البعض إنهم شاهدوه قبل ساعتين يمشي في الحي؟ وأين موقع موته؟ اسئلة متعددة لا أحد يملك إجابتها. الغريب أن الكل انشغل بالاستعداد للجنازة دون وجودها ولكن بعد حوالي ساعة تنبه الهادئون إلى سؤال مهم من الذي أبلغ الأم بالوفاة؟ وعند سؤالها قالت إن الهاتف الثابت قد رن وأجابت وقال لها شخص لا تعرفه انتِ أم فلان؟ قالت نعم، قال لها لقد مات الآن في حادث وأغلق السماعة، انهيار الأم السريع لم يسمح لبقية أفراد الأسرة بالتروي، ولم يغلق أبواب هذا الملف إلا حضور شابين من الحي يستفسران عن سبب النواح وعندما عرفا قالا باستغراب إن فلانا كان معهما منذ دقائق يلعب الكرة في البرحة الأخرى من الحي الآخر، وهو خلفهما الآن وموته غير صحيح وفعلاً في دقيقة كان قد حضر وانقلب النواح إلى فرح سوى من نساء رددن «بسم الله بسبعة أرواح» ألم يمت منذ قليل؟! وغابت الحكاية التي سببت كل ذلك الألم ولم يُعرف من اتصل على الأسرة سوى انه ظل لسنوات عُرضة للدعاء عليه بعدم التوفيق وأن يتولاه رعب العالمين وأن تصيبه مصيبة. ومن المزاح الثقيل والذي لا يزال حتى الآن أن يفاجأ شخص ما بحضور كثيف إلى منزله من أصدقاء، أو صديقات على أساس أنهم مدعوون إلى عزيمة رغم ان صاحب البيت لم يدع أحدا وأحياناً قد يكون غير موجود، ويكتشف كل من ذهبوا ان فلانا، أو فلانة، قد قام بعمل مقلب معهم وورطهم في حضور عزيمة ليست موجودة أصلاً، وقد يتضارب هؤلاء مع ذلك الشخص، ولكن لا يقاطعونه إن كانت بينهم خيوط مشتركة، ويستعدون مستقبلاً لرد المقلب له، ويخططون جماعة لصفعه كما صفعهم، والبعض الآخر ممن يحترم نفسه ووقته ستجده مبتعداً عنه، نائياً بنفسه عن كل ذلك، معتبراً ان هذه التفاهة لا تناسبه ولا تليق به. ويبدو أن السعوديين لا يتوقفون عن المزاح والدعابة حتى خارج حدودهم ففي شيكاغو منعت ادارة ناطحة سحاب شاباً سعودياً (26 سنة) من دخولها لعشر سنوات مقبلة بعد أن تسبب في فوضى وإخافة بعض الزوار والسياح في الدور 103 من البرج الذي يزوره السياح لمشاهدة منظر المدينة من الأعلى، وبين رجال أمن برج ويليس في شيكاغو الذي يعد حالياً أعلى بناء في الولاياتالمتحدةالأمريكية ان هناك منصات زجاجية جديدة تم تركيبها منذ عدة أسابيع وهي منصات أو صناديق زجاجية بارزة إلى الخارج في الهواء الطلق؛ حيث يستطيع الزائر أو السائح الوقوف عليها ومشاهدة المدينة تحت قدميه وكأن يطفو فوق شيكاغو. وأشاروا إلى أنه جرى ايقاف الشاب السعودي الذي قام بالصعود إلى الطابق 103 الذي يقصده السياح بعد أن قام بالوقوف على المنصات أو الصندوق الزجاجي. وبدأ في القفز فوق الزجاج عدة مرات وذلك بقصد المزاح لإرعاب الواقفين معه في داخل الصندوق. ومُنع من قبل رجال الأمن وأطلع بأنه لا يمكنه فعل ذلك وإلا سيتم إخراجه فاعتذر وتوقف عن ذلك. لكن قبل أن يخرج من الصندوق بدقائق قليلة قام بالقفز في داخله مجدداً فقبض عليه وحرم من دخول البرج لمدة 10 سنوات. السؤال الأهم هل قام من معه بتصويره اثناء القفز خاصة إن كان هناك اتفاق بينهم على ذلك وهي صورة للذكرى وللتنكيت عليها مستقبلاً؟ ولا يهم هذا الايقاف؟ هل هو سعيد ومن معه ايضاً خاصة انه يعتقد بذلك انه كسر الروتين، وأسعد نفسه ومن معه وسيظل يتندر بهذه الحكاية لزمن طويل. في أوروبا يُسجن من يحاول المزاح الثقيل أو الاستخفاف بالآخرين أو إرعابهم في سبيل تسلية نفسه ففي فرنسا حاول شخص وهو يقف في طابور ألعاب ديزني لاند الوصول إلى دوره بسرعة وتجاوز الصف الطويل عندما صرخ بأن لديه قنبلة وسبب هلعاً للزائرين وبث الرعب بينهم، تم القبض عليه وسيواجه دفع غرامة 30 ألف يورو أو السجن لسنتين وهو ما يستحقه. وأختم بما هو غريب وغير منطقي ويحتاج من قام به إلى دراسة وهو أن ممثلاً سعودياً شاباً وجديداً أراد أن يهرب من التصوير في أحد الأعمال أو يتغيب، أو لا يحضر لأسبابه فأرسل رسالة لكل من يعرفهم من جواله أنه مات وغادر الدنيا والصلاة عليه اليوم، فبقدر ما صدم الخبر من حوله بقدر ما كان غريباً بعد أن عرفوا أنه حي يُرززق، هل هذا مزاح ثقيل ثقيل؟ أم أن الأمر يتعدى ذلك ويحتاج إلى توقف؟